الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محاولة منهجية لتأسيس الذات المثقفة

خالد الصلعي

2016 / 1 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


محاولة منهجية لتأسيس الذات المثقفة
*****************************
المثفف خاضع أكثر من غيره لاغراءات واستقطابات متعددة وكثيرة ، فهناك وهم تضخم الذات ، ووهم القيادة ، ووهم الاكتفاء في الفهم والتفسير والمعرفة ، أي وهم التعالم ، ووهم الأستاذية . هذا بشكل عام بعض الاغراءات التي قد ترسخ في البنية النفسية والوجدانية لأي مثقف أينما كان . لكننا في المغرب تحديدا ، وفي العالم العربي اجمالا نحن بازاء انقلاب مخيف في فهم المثقف ، وتراجع رهيب في دوره .
لكننا رغم ذلك نواصل الحيدث عن المثقف ، بالرغم من كل السلبيات التي علقت به ، وان كان ادوارد سعيد قد كتب عن الثقف الخائن ، فان علي حرب كتب عن وهم النخبة المثقفة . أما نحن فنعيش واقع مثقف رديئ وضعيف . فهل يمكن وضع اليد على خفوت نجم الثقافة في المغرب وفي العالم العربي ؟ . أقرأ لبعض الكتاب عن صراع زنيم بين العلمانية والحداثة والاسلام ، او بين العروبة والأمازيغية ، او بين كتاب البلاط ، وكتاب الشعوب ، ان جاز التعبير . أو بين كتاب الاجتهاد وكتاب الانغلاق . لكننا نجدنا امام قراءات حسيرة وضيقة ، قراءات متكررة ومنسوخة ، بل هناك تراجع فظيع عما خلفه مثلا محمد أركون أو حسن حنفي او جلال العظام أو محمد الغزالي ، او أدونيس ، وغيرهم كثير من كتاب القرن العشرين . لماذا ؟ وكيف ؟ .
خلاصة الجواب اننا عندما نفتقد للقراءة الشاملة او الأقرب الى الشمولية ، ونعتمد المنهج الموجَّه ، ولا نعود الى المراجع الأم ونكتفي بترديد شعارات وأسطوانات الغير نقع في المحظور ونعيد استنساخ مكتوباتنا البالية . المفكر او من يروم هذا المنحى عليه أن يكد ويجتهد ويعود الى المصادر الأم ، ويعمل قراءته الشخصية بروية وعقلانية ، بعيدا عن استلاب أو عاطفة . القرآن الكريم لا يدعو الى التعصب ، والدين اوسع سماحة من بعض تفسيراته الضيقة ، واذا لم يجد الانسان قدرة على قراءة النصوص الدينية المؤسسة -القرآن والسنة - لأسباب عديدة أتمنى أن لا يشير الى ما يجهله .
ثم هناك مأزق آخر يقع فيه المثقفون اليساريون الصنميون ، أو الأورثودكسيون كما يسميهم علي حرب ، هو مأزق فراغ القراءات الاستخبارية التي يشرف عليها اليوم باحثون من مختلف الاختصاصات ، وعليهم أن يعودوا الى ما يكتبه الكتاب والمفكرون والفلاسفة الغربيون الأحرار ، وهم كثير .
أما الاتهامات الجاهزة والمعلبة ، فهي قديمة ، استهلكت العقل العربي الى درجة الاستغباء والاستبلاد ، والنتيجة هو هذا الفقر المهول في المقاربات والتحاليل والقراءات . وكأن المثقف العربي الراهن قد تخلى عن خصلة البحث والتفكر والتحليل ، كما كان يصنع مثقفو الستينيات والعقدين اللذين أعبقبها .
نحن ثقافيا نعيش ورطة ثقافية كبرى تسمع صداها ، ليس مشرقا ومغربا فقط ، بل حتى في أمريكا وأوروبا من خلال أنتلجنسيا مغتربة تجد قنوات التواصل معطلة بينها وبين مثقفي الأوطان العربية لأسباب مختلفة.
هل نستنجد بالكتاب الغربيين والمفكرين الغربيين والفلاسفة الغربيين ؟ ، أم نغوص ونستعرض بجهودنا ما تتيحه الثقافة الاسلامية ، وانطلاقا من القرآن والسنة ، من مساحة لا منتهية من السلم والابداع والخلق ، دونما الارتباط الميكانيكي اللصيق بالآخرة ، كما ينحو بعضهم ، ادونيس وتلميذه محمد بنيس ، مثلا . هل نعود الى النصوص القرآنية الصريحة التي تدفع الى الحرية والعدالة والتسامح والعطاء ؟ ام الى سنة النبي محمد ؟ ، ام الى سيرة بعض الحكام المسلمين ؟ ام الى تراث بعض كبار علماء الاسلام ؟ هي أسئلة مفتوحة بمنطق علماني وحداثي ، لاشيئ يستحق الحجب او التزييف والتزوير ، أو الاقصاء والتعتيم .
هناك اذن ثلاث منهجيات ، لمقاربة نسبة الديمقراطية والحرية في الثقافة الاسلامية . منهجية استنطاق النصوص التأسيسية أي العودة الى الأصول والينابيع ، ومنهجية الاستعانة بقراءة قمم الفكر الغربي ، ومنهجية الاشتغال الذاتي على ابراز مضمون ومحمول النصوص الدينية الداعية لفضائل الحوار والتعايش والازدهار .
ثمة ارادة لم تعد قادرة على تدجين القارئ العربي في مربع الاستغراب والاستلاب بفعل انتشار وثورة تكنولوجيا التواصل الالكترروني والفضائي ، لكنها تواصل جهودها علها تقتنص المغفلين .
وثمة ارادة أخرى معاكسة تنتقي من المرجعية الاسلامية نصوصا بعينها بحذفها عن سياقها وتاريخها ، وتلبيسها لباس الحق والحقيقة .
لكن ثمة قراءات ثالثة تروم الموضوعية والعلمية والحقيقة ، وهي وان كانت ضيقة ومحسورة الا انها موجودة وفاعلة .
والسؤال الذي نطرحه على فكر يشبه الوسواس القهري ، كعملية تسلطية مزمنة ، هو ماذا نريد حقا ؟ . هل نريد نهضة واستقلالا في بناء الأفكار والعقليات والذهنيات ومن ثمة الشخصيات ؟ ام نحن نكتسب بالقوة وبالفعل جينات العبودية والغباء والذيلية والتبعية ؟ . طبعا سيروم الجميع الاجابة على السؤال الثالث وينفيه عن نفسه ، فجميعنا يمتلكنا ظن القدرة على الاستقلالية والحرية والمبادرة . لكنه ظن كاذب وموهوم . كيف ذلك ؟؟ .
ان وضعنا في العالم العربي اجمالا أقوى جواب على استقلالنا . وان استمرار الكتاب المدافعين عن الأخطاء والتخلف بيننا بهذه الكثافة دليل ثاني . واذا نقبنا وحفرنا عن الأدلة الداعمة لزيف وهم القدرة على الاستقلالية والحرية والمبادرة فاننا ، ان كان بنا بقية من حمرة الخجل سننكفئ على ذواتنا لساعات وأيام ، قبل أن نسترد عافيتنا النفسية أو لا نستعيدها مطلقا لأن لاشيئ يفتر في هذا المجال ،مجال التوجيه والتحكم والاستغباء والاستعباد والاستبعاد .
هذا مدخل عام وشامل سأحاول من خلاله جرد ومساءلة واقع الفكر العربي الاسلامي . من خلال تفريع قضايا هذا المقال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah