الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية الضائعه 7: عقد العربي المركبة

سندس القيسي

2016 / 1 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الهوية الضائعة 7: عقد العربي المركبة

صحيح أننا نأتي إلى أوروبا، ونجلب معنا كتلة من العقد المركبة. فهُوية العربي حسب نظريتي تشبه خلية النحل لها ستة أضلاع وجوهرها الدين (العسل)، الذي ينعكس على مضلعات هذا المسدس، التي تذهب في ستة اتجاهات غير متوازية، وقد تتقاطع، ولا بد لها أن تتضارب بشكل من الأشكال.

ففي البيت، تربينا الأم الدؤوب (ملكة النحل)، تعمل على خدمتنا ليل نهار، توفر لنا المأكل والملبس، وتجمع حولها أبناءها الكثر، وتحاول أن تقربهم من بعض، وتجعلهم يدًا واحدة، ثم تلم البنات حولها وتهيؤهن للزواج. وفي الحقيقة، فإن أمهاتنا وجداتنا كن مدارس في التربية، على الرغم من أن حياتهن بقيت خاصة ومقفلة دون الغرباء.

الأب (ذكر النحل)، في العادة، يقتصر دوره على العمل وإعاشة العائلة كلها. ولا يتدخل في شؤون المنزل إلا في المسائل الكبيرة.

وقد يتعرض البعض للقمع والعنف الأُسَري، الذي قد يكون شائعًا في البلاد العربية.

ثم نذهب إلى المدرسة ( المضلع الأول)، التي تحاول في تدريسها لنا أن تثّبت هويتنا القومية والدينية المزروعة داخلنا، لكنها تعلمنا أشياء أخرى غير ما نتعلم في البيت. وقد لا نستطيع مناقشتها مع آبائنا وأمهاتنا.

وبعد المدرسة، قد ينتهي الأمر بالفتيات بالزواج. أما المحظوظات، فيذهبن إلى رحاب الجامعة، والتي هي صورة مصغرة عن الحياة.

وفي الجامعة (المضلع الثاني) تتحدد مساراتنا الفكرية والسياسة والدينية. وقد نختار الإنتماء إلى العمل الحزبي الممنوع غالبًا، ونخرج إلى المظاهرات والمطالبات، ونتجرأ على تربية الأب والأم والمدرسة، بل وحتى السلطة. وقد نتمرد على الواقع كله أو جزء منه. وهنا نتعلم عن العلاقة بين الرجل والمرأة. ونستمتع أو نقهر بالممنوع والحرمان.

وتكبر آمالنا وأحلامنا، وتتضخم لأننا لا نستطيع تحقيقها على أرض الواقع. كما يكبر شعورنا بالإحباط، لأن ماكينة القمع تدهسنا كل يوم. ونتطلع إلى حيوات العالم الأول والثاني والثالث. لكننا نجد أنفسنا في آخر المطاف. ونعاني القلق والأرق ونحن في عز شبابنا.

وهناك بالطبع طلاب عقلانيون لا يتدخلون في من هذا وذاك. ويركزون على السياحة والصياعة في الجامعة، بعيدًا عن كل التيارات السياسية والحزبية التي تحاول شدهم في جميع الإتجاهات. وغالبًا ما يطلق عليهم لقب التافهين.

أما المضلع الثالث، فهو الحياة الحزبية، السرية غالبًا، وهي متنوعة ومختلفة كألوان الطيف. وفي العادة هذه تأخذ مجدها في الجامعات، حيث يحاول كل حزب استقطاب أكثر عدد من المنتسبين والناشطين للدعوة على التمرد والعصيان بل وقلب نظام السلطة. وأحيانا تعمل الأحزاب مع بعضها أو
أو ضد بعضها. ومن عايش حياة الأحزاب، على دراية كاملة بمحاسنها ومساوئها.

وقد يُقمع الحزبيون و طلبة الجامعة، ويُضربوا ويُهانوا، وربما يُقتلون ويدخلون السجون. ولعل البعض ييأسون ويستسلمون للواقع. فيما تبقى الأقلية، التي تستمر في النضال إلى ما لا نهاية، مدافعين عن قناعاتهم التي ينسجموا معها. ويدفعون الثمن إما بالسجن أو المنفى أو السكوت عن الظلم وعيش حياة مزدوجة.

وبعد الجامعة، يختار الأغلبية مؤسسة الزواج التقليدي طوعا أو قسرًا (المضلع الرابع)، والزواج مدرسة أخرى ندخلها، إذ أن على المرأة أن تكون على قياس الرجل ورؤيته وطموحه وتطلعاته.

والرجل يذهب للعمل والمرأة تجلس في البيت، لتكرس مصير أمها وجدتها. وعليها أن تعلق شهادتها الجامعية في مطبخها في بيت الزوجية. لكن في السنوات الأخيرة، إزداد عدد النساء العاملات لضرورات غلاء المعيشة وبسبب مطالب النساء. وظهرت المرأة المستقلة التي أصبحت قاضيًا ومديرًا وطبيبًا بل وحتى طيارًا.

وفي العمل (المضلع الخامس)، قد يتعرض الرجل والمرأة العربيين إلى مشاكل أخرى، كالمحسوبيات والواسطات، وأوامر من في السلطة الجائرين، والرشاوي والتزوير، ومزاجية المدير وتخلفه، والقمع الوظيفي. وما على العربي إلا أن يسير في المركب الغرقان، حتى إذا خالف ذلك تعليمه الجامعي.

والمرأة العاملة قد تواجه الكثير من المشكلات، وعليها أن تكون صلبة وقوية. وقد ينفتح للمرأة العاملة آفاق وعوالم جديدة، لم تهيؤها لها تربية المنزل أو المدرسة وربما ولا حتى الجامعة. وقد تتعرض لتحرشات تسكت عنها بسبب العيب والحرام. لكن لا بد من خيار التأقلم والتعايش.

لذا، فإن المحصلة هي أن كل تعليم نتلقاه سواء كان في البيت أو المدرسة أو الجامعة لا يلتقي ولا ينسجم مع الآخر من جهة، ولا ينسجمنم مع الواقع المعاش والسلطة من جهة أخرى.

وهذا ما يبرر ربما لجوء العربي إلى قوة إلهية تخلصه من كل الظلم المتراكم أو إلى دولة أخرى خارجية، تساعده في تدمير هذه البنية الشائكة، التي يزداد فيها القمع بكل أشكاله.

المضلع السادس هو التجمعات الدينية، التي يتخذها العربي ملاذًا من الواقع المرير. وهذه التجمعات الدينية تنقسم إلى طوائف وملل متعددة. قد يكون بعضها سياسي، لكن في الغالب تكون دينية. ومثال على ذلك-;- المتصوفة و الواعظون والواعظات والمشايخ والمشيخة والشعوذة. وبما أن الدين أفيون الشعوب، فقد تكون هذه الممارسات بمثابة تنفيس وتخدير للأوجاع. وقد تشجع الدولة على هذا الأمر لتلهي الشعب بالأمور الأخروية عوضًا عن الدنيوية. ويصبح التدين غاية وهدفًا في حد ذاته.

ولذلك، فإن المحصلة تكون بعدم قدرتنا على بناء مجتمعات مدنية متجانسة فكريًا وثقافيًّا وأخلاقيًا، تنتشر فيها قيم العدالة والمساواة. ونكرس عن قصد أو غير قصد ثقافة إلغاء الآخر. فالسلطة تريد إلغاء المعارضة، والمعارضة تريد أن تخلع السلطة وتجلس مكانها. ولا يوجد حوار حقيقي بحيث يتوصل الجميع إلى حل وسط، ولكن لا يمكن ذلك وسط الفساد والظلم.

ولألخص أن نظرية خلية النحل، التي يمكن أيضًا أن تتحول إلى خلية دبابير، الهدف منها هو وضع إطار لفهم وتحليل المجتمعات العربية وكيفية تشكل عقدها المركبة. وتأثير ذلك على هوية العربي (النحلة العاملة) والأنظمة السياسية ليست مطروحة وليس محلها هنا. ففي حين ترمز الخلية بأضلاعها الستة إلى ست "إشكاليات/ عقد" أساسية موجودة عند العربي. كل واحدة تذهب باتجاه الأخرى وقد تصطدم ببعضها البعض، مما يدمر خلية النحل هذه تدميرًا ذاتيا، بسبب غياب النظام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هُوية الإنسان العربي إنسانيهُ ذاتها
أحمد العربي ( 2016 / 1 / 22 - 19:40 )

عودك أحمد لأعلى صفحة الحوار المتمدن

أستاذ أساتيذ صدارة الحوار المتمدن سندس القيسي

كما أردنا قسرًا .. لكن ليس بأخمس المسدس!..

أحييك.. ومبروك الحوار المتمدن بك

ظغ

اخر الافلام

.. الأردن في مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد سيادته عبر-الإخوان


.. مخططات إيرانية لتهريب السلاح إلى تنظيم الإخوان في الأردن| #ا




.. 138-Al-Baqarah


.. المقاومة الإسلامية في العراق تدخل مسيرات جديدة تمتاز بالتقني




.. صباح العربية | في مصر.. وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنائز