الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تصفية الشهداء

موسى راكان موسى

2016 / 1 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



(( كان من بين أعضاء حزب ما رجل خواف و جبان لا يعارض رفاقه أبدا ؛ كانوا يشغلونه في كل المصالح ، كانوا يحصلون منه على ما يريدون لأنه كان يخشى سوء ظن رفاقه به أكثر مما يخشى الموت ؛ كان خائرا حد إثارة الشفقة . لقد انتبهوا لذلك ، وجعلوا منه ، بفضل مزاياه التي ذكرناها ، بطلا ، بل شهيدا ، في نهاية الأمر . و إن كان هذا الجبان دائما يقول لا في قرارة نفسه فإنه كان دائما يتلفظ بنعم ، حتى على خشبة الإعدام التي مات عليها من أجل آراء حزبه ؛ و قد تواجد بالقرب منه آنذاك أحد رفاقه القدامى الذي أرعبه بكلامه و بنظرته إلى حد جعلته يواجه الموت بثبات كبير ، و هو منذ ذلك الوقت مكرم كشهيد حقيقي و ذي طبع نبيل )) ــ فريدريك نيتشه .

***

تبرع الأحزاب بشكل عام ، لتثبت أنها على صواب ، و أنها الحق ، بإستغلال الشهيد . لا تلام الأحزاب على ذلك ، فهي مضطرة لإتخاذ كافة السبل و الطرائق ، لتنتصر . إذ أن هذا الإستغلال للـ(( الشهيد )) كما هي (( العقائدية )) و (( الإيديولوجيا )) و (( الإبتذال )) ، ضرورات مرحلية أو أدوات مؤقتة ، للأحزاب بشكل عام ؛ دون إستثناء أي حزب . و من يقول عكس ذلك ، نتهمه بالمثالية مع نيتشه :
(( كل المثاليين يتصورون أن القضايا التي يكرسون لها أنفسهم هي أفضل بشكل جوهري من كل قضايا الناس الأخرى ، و يرفضون الإعتقاد بأن قضيتهم تحتاج لكي تحقق نجاحا ضئيلا جدا إلى نفس الزبل النتن الضروري لكل المشاريع الإنسانية الأخرى )) .

***

الحزب ، أي حزب كان ، إلا و يستعين بفكر ما ، ليرفعه أمام الأحزاب الأخرى و الجمهور ؛ فيختلط الحابل بالنابل ، إذ التمييز بين (الحزب) و (الفكر) يُلغى . و بذلك ، فإن كل ما أسميناه ضرورات مرحلية أو أدوات مؤقتة ، يلجأ إليها الحزب ، تمسي جزءا من الفكر نفسه ؛ فإما ترفع الفكر أو تحطه : لكن يبقى في كِلا الحالتين تشويها للفكر نفسه .
و لو ركزنا على مسألة (الشهيد) ، سندرك أن (الشهيد) هو التشويه الأكثر حسما ، بالنسبة للفكر . حتى بات الفكر لا يُذكر إلا و يُذكر معه شهداؤه ! .
بقدر ما هذه المسألة [ الربط بين (الفكر) و (الشهيد) ] تبدو مغالطة واضحة وضوح الشمس ، إلا أنها المغالطة الأكثر تعميما و إستخداما من قِبَل الجميع ــ على إختلافهم و إختلاف الفكر الذي به يزعمون الإرتباط .


* تصفية الشهداء ضرورة لتطهير الفكر ؛ هذا التطهير لا يُبتغى منه تجميل الفكر نفسه ، إنما يُبتغى منه التخلص من كل ما لا علاقة له بالفكر نفسه [ كالشهداء ] ، فسواء كان المشوه رافعا للفكر أو حاطا له ، تجب تصفيته .

***

و أظن القارئ نبيها كي يدرك أن إتخاذ الشهيد هدفا للتصفية لكونه الأسمى و الأرقى على سلم التشويه ــ فهو يعلو على المساجين و المعذَبين من المناضلين . و حسبي به يدري أن لكل فكر تقريبا شهداؤه و مناضليه ، فلو جعلنا من الشهيد و المناضل مقياسا لصحة الفكر من عدمه ؛ لفسد العلم بنفيه ، حتما .
و لعل أبسط مثال على تشويه الفكر ، و نفي العلم و فساده عند البعض ، هو الشهيد جيفارا ؛ إذ أمسى وثن الإنسانية ــ إذ من المفارقات المضحكة حديث البعض عن (عبادة الشخصية عند ستالين) مُستنكِرا ، و فكره كله مُختزل في عبادة الشهيد (الوثن جيفارا) ! .

***

في الختام ــ بعضا من الأدب الفكاهي :
(( جاءني في المنام ، أن كروبوتكين و إنجلز ، و باكونين و ماركس ، إجتمعوا لتناول الشهيد . فأخذ إنجلز و ماركس المؤخرة و الإير و الأقدام ، و الأناركيّان حصلا على الرأس و القلب و اليدين )) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أنا لست إنترنت.. لن أستطيع الإجابة عن كل أسئلتكم-.. #بوتين


.. الجيش الإسرائيلي يكثف ضغطه العسكري على جباليا في شمال القطاع




.. البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يزور السعودية


.. غانتس: من يعرقل مفاوضات التهدئة هو السنوار| #عاجل




.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح