الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة نقدية ... لتأريخ اسلامي مخيف

مصطفى العمري
(Mustafa Alaumari)

2016 / 1 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قراءة نقدية .. لتأريخ اسلامي مخيف




بطريقة الاحتيال المعرفي نفذ نفرٌ قليلٌ من اصحاب العقل المنطلق , في المساحة العربية الاسلامية محاولين تشكيل وعي مختلف و مغاير , همُّ هذا الوعي ان يكون حداثوياً جديداً , يسير وفق المعايير العلمية للنهضة التي يواكبها العصر . هذا النفاذ السائر بخوف و ترقب من بطش المجتمع شكل عائقاً حقيقياً أمام النمو الطبيعي للبحث العلمي في المجتمعات العربية و الاسلامية المنكوبة , بغلظة النصوص و الفتاوى و الكثير من رجال الدين .

كل العلماء و الفلاسفة الذين ينتمون الى تلك البيئة المنكوبة , كانوا يملكون وعياً لم يصرّحوا عنه , إختنق ذلك الوعي و مات مع موتهم .

مع كل هذا الحذر و الخوف ترشح لنا من وعيهم ما نستطيع ان نستنج منه علمانية قديمة بلباس ديني ( كابن رشد و عبدالله بن المقفع )

السابقون و اللاحقون من الفلاسفة و المفكرين العرب أرادوا ان يوصلوا رسالة كبيرة وعظيمة , مفادها و استدلالتها قرانية عصرية حديثة , و هي ان لكل زمان معرفته و نصوصه و استنتاجاته الخاصة به , يجب ان يعيش الناس في زمنهم و مرحلتهم , و يتركوا فيه أحراراً لا ان يقمعوا او يقتلوا . يقول جون ستوارت إننا اذا اسكتنا صوتاً نكون قد اسكتنا الحقيقة .

محال جداً ان تعود بنا الى الزمن الماضي لأنه سيُعد نكسة كالتي نعيشها الان , الرجوع الى أي حقبة تأريخية من تأريخ المسلمين من بداية الدعوة الى اخر صحابي , سنجد السيف و الدم , فتشوا في تأريخ أي شخص ترونه جليلاً مؤمناً تقياً لا يأتيه الباطل و لا يروم عمل المنكر , ستكتشفون انه تزوج سبية وربما بعد قتل زوجها , ستجدونهم ملطخين بالدم من الرؤوس و الاقدام و الاعقاب .

سألني احد الذين كانوا مقيدين بالنصوص الدينية بقوة قال : ما رأيك في عمل رسولك عندما تزوج صفية بنت حييّ بعدما قتل زوجها و أهلها و الاسرى من قومها ؟

فأجبته على الفور قلت له هل تعلم كيف تزوجها ؟

انها بمشورة احد اصحابه ولو كنت مع الرسول لأشرت عليه بعكس ذلك الصحابي ان لا يتزوجها و يتركها في قومها و ان يحتجز الاسرى في مكان ما او يعتقهم . اقتنع الرجل بجوابي لكنه بقي مصراً على استهجان فعل الرسول .



على الرغم من ان هذه الاسئلة كانت غير قابلة للعرض و لا للبحث و لا للتفكير فتموت حبيسة مقهورة بدواخل اصحابها ,هذه الاسئلة و غيرها باتت تؤرق الكثيرين من العقول الباحثة المتسائلة , و رجال الدين عاجزون كسالى في البحث و المسايرة مع عمق الاسئلة و جديتها .

ما عادت الاجوبة الماورائية تقنع العقل المتحرك الذي يبحث عن الدلائل العلمية ولم تجدي تلك التبريرات التي تحيل العقل لمشهد غير مرئي و تطلب منك الايمان و التصديق .

في كتابه الفكر الاصولي و استحالة التأصيل يقول الدكتور محمد اركون : كل المسلمات المدعوة ميتافيزيقية يستحيل البت فيها , ولذلك ينبغي ازاحتها من الخط التأريخي الذي يجبرنا العقل الأدواتي على إتباعه .



إصرار الاسلاميين على جر المجتمع الاسلامي للانقياد خلف قيادة (السلف) يستدعي , إصرار عقل اخر مختلف للتنقيب في تأريخ السلف وعندما يُبحث في تأريخ السلف بحثاً علمياً (إبستملوجياً) كما في الدراسة التي قدمها المفكر المغربي محمد عابد الجابري , سيجد الباحث أننا أمام مهزلة حقيقية و سيطلب منا إزاء هذه المهزلة التصديق و الايمان و الاذعان , و إلا ستكون نصوص الفقيه حادة و قاتلة .

نصوص الفقية التي عجزت عن الاجابة و تغيبت عن الحوار العلمي و تهربت من البحث الجاد , سنجدها شاخصة بقوة رافعة رايتها بعدما احاطها الجهال و المخدرون و المنتفعون بصيحاتهم , لدحر كل من يسأل او يفكر .

الاصرار على البحث في ذلك التأريخ الذي تلطخت بالدماء ايدي الجميع من الذين قادوه و صاغوا ثقافته , أكانوا مبشرين بالجنة او لم يكونوا, يستدعي نتيجة مفادها الكفر بذلك التأريخ و الانعتاق حيث اللارجعة .



الذين يريدون إزاحتنا نحو تأريخ ميت هل راجعوا ذلك التأريخ و ما حمله من قسوة و شدة و قهر لعباد الله من المختلفين و المأتلفين معه ؟



في الدراسة التي قدمها ناقد العقل العربي ,محمد عابد الجابري,

يقول : الجاهلية مصطلح اسلامي يقصد به ليس فقط الجهل بمعنى عدم العلم و انتفاء المعرفة بل ... ايضاً ما يرافق الجهل و ينتج عنه , أعني به الفوضى و انعدام الوازع الجماعي سياسياً كان ( الدولة ) او اخلاقياً ( الدين ) من هنا تشبيه الجاهلية بالظلماء و الاسلام بالنور فالظلمة تعني هنا الفوضى و التطاحن و غياب افق مستقبلي كما تعني الجهل و عدم تقدير المسؤولية , في حين ان النور يعني الوضوح في العلاقات و المسؤوليات و أيضاً و ضوح الافاق , هذا فضلاً عن حلول النظام محل الفوضى و التضامن محل التطاحن , السؤال المهم , هل حقق الاسلام بالفعل هذا التحول الجذري في حياة عرب الجاهلية ؟

و نستطيع ان نشطر هذا السؤال على عدة اسئلة مشابهة, أسئلة تعمق الجرح لكنها ستدمله بدون مضاعفات سلبية . سنتحفظ عليها الان لكنها ستبزغ ان شاء لها ذلك .



عندما نراجع نصوصنا الدينية و التأريخية سنجد ان الانموذج الاقرب لها في هذا العصر هي ( داعش) لا مناص في ذلك و لا تردد , داعش التي تتقن قراءة القران و حفظ الاحاديث الصحيحة المرسل منها و الآحاد و الضعيف , داعش التي اتبعت منهجية العنف و التفنن عند السلف الصالح ! عندما قام احدهُم بقتل احدهِم ثم قطع رأسه و وضعه منصبة للقدر بعدها اضرم النار لتختلط رائحة الاكل بدم البشر مع نكهة العمل الصالح و غبار الشعر المحترق , ثم يضاجع سيف الله زوجة المقتول لتكون زوجة له في نفس الليلة التي قطعت اوداج الرأس لينفصل عن الجسد بمباركة المسلمين !

لم يكن المسلمون على قدر من المسؤولية البحثية العلمية او الجرأة التي تمكنهم من ادانة المنتمي للدين الاسلامي , بل هناك الكثير من التبريرات المنهالة بقوة لكي تقلب المنكر الى صالح و كذلك العكس .

وجه داعش القبيح ما هو الا توأم لذلك الوجه القبيح الاخر . الوجه التأريخي الذي يتقاتل عليه الداعشيون من سنة و شيعة لأعادتنا له بالقوة . داعش حركت المناخ العربي و الاسلامي بقوة و اضحت الاسئلة و التساؤلات المضمرة و المعلنة شاخصة بقوة أيضاً , أعمال داعش الاجرامية سرعت في مركبة البحث لاكتشاف زيف المقدسات او المحذورات المركونة في اذهاننا بالقوة و الخوف .

لست هنا للمقارنة بين داعش و السلف فهذا أمر ساتركه للقارئ , لكن الذي اريد البوح به , هو أننا بحاجة الى منهجية مختلفة تماماً عما كانوا (السلف ) و كنّا , منهج :



1_ يرحم بعقولنا من التسخيف و المصادرة الى حيث الحرية فيما أفكر او أؤمن به.

كما يرى ابن حزم الاندلسي : لا يحل لأحد ان يقلد أحداً حياً ولا ميتاً و كل أحد له من الاجتهاد حسب طاقته .

2- الاستعانة بالعقل الغربي المتقدم , لم يتخلى العقل العربي من طلب المساعدة من العقل الغربي من زمن بعيد جداً فالمأمون صاحب العقل المتحايل المنطلق استنجد بالثقافة الغربية و لولاها لم يكن المأمون شيئاً .



التصور الشائع ان التقدم يتحقق تلقائياً بواسطة التراكم .. و لكن مسيرة تاريخ الحضارة و واقع المجتمعات المتخلفة يؤكد العكس تماماً فالتخلف هو الاصل أما الخروج من هذا الاصل فيتطلب طاقات استثنائية كافية و أفكاراً تقدمية خارقة و جهوداً واعية كثيفة , كما يقول المفكر السعودي ابراهيم البليهي .

و الحق أني طلّقتُ التأريخ و مزابله وسيرة السلف و نصوص الدين التي كتبت بعد مئتين سنة و أحاديث التلفيق و التصفيق للحاكم لأتركه لداعش و من يشابهها في الرأي و القمع بالسيف او الكلمة . وركنت الى انسانيتي التي تدفعني الى حب الاخر مهما كان لونه او دينه او قوميته .

مصطفى العمري

( من كتابي القادم قراءات معاصرة(








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قراءة نقدية
شاكر شكور ( 2016 / 1 / 25 - 17:12 )
اقتباس : (و الحق أني طلّقتُ التأريخ و مزابله وسيرة السلف و نصوص الدين التي كتبت بعد مئتين سنة و أحاديث التلفيق و التصفيق للحاكم) ... نفهم من هذا الأقتباس يا سيد مصطفى بأنك عبرت بسلام من اول جسر خشبي آيل للسقوط وهو جسر التراث الإسلامي ، نأمل ان تكتب جزء ثاني عن عبورك للجسر الأكثر خطورة وهو جسر نصوص القرآن المشيد من جماجم وعظام البشر الذين قتلوا لأجل ان يعيش غيرهم من جياع صحارى الجزيرة العربية الهمجيين ، وطلبي لجزء ثاني لأنك لم تذكر لنا أنك طلقت او عبرت هذا الجسر الثاني المعلق بحبال جبريل ومكر خير الماكرين ، أنا ارى ان مقولة أبن حزم الاندلسي (لا يحل لأحد ان يقلد أحداً حياً ولا ميتاً ... الخ) هذه المقولة تنطبق فقط على السيرة النبوية والقرآن وليست عامة ، فهناك عظماء غيرت سيرتهم النقية وجه التاريخ فلما لا نقتدي بهم !!! تقول الآية 7 من سورة الحشر (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) يعني الآية اجبارية للإقتداء وتقليد الرسول الذي عاش في عهد أخذ السبايا وبيعهم في سوق النخاسة فمتى سيتم الطلاق بالثلاثة للإثنان ، تحياتي وشكرا سيد مصطفى على مقالتك التنويرية


2 - ثقافة الاختلاف
مصطفى العمري ( 2016 / 1 / 26 - 04:10 )
الاختلاف جميل و أجمل ما فيه عندما يأخذ محوراً علمياً جاداً , ليس بالضرورة ان أفكر كما تفكر انت , , ولا ان اكتب او اصرح بكل إيماناتي , و أعتقد ان هذا حق طبيعي تكفله الدساتير القانونية في البلاد المتقدمة التي اعيش فيها .
دعني اصدقك القول أنا شخصياً من خلال بعض دراستي وجدت ان المخلوق الذي يولد في البيئة العربية يكون متشددا بالغالب , و لذلك تجد ان لغة الالغاء هي الاكثر نفوذاً و هيمنة , نحن ننتمي الى تلك البيئة و لذلك تجدنا حتى عندما نتحرر من قيود بيئتنا و قوانينها الصارمة نحمل معنا نفس الاسلوب لكن بلون مختلف .
اخي شاكر شكور , أحيي فيك وعيك و ثقتك بنفسك و لغتك التي عبرت من خلالها عن ثقافتك و عمق تطلعك , نحن نعمل لا لكي نعبر فننقذ انفسنا فهذه ثقافة المترفين , نحن نجتهد و نعمل لكي ننطلق فنحاور بدون استعداء او استعلاء , لكي ننقذ العقل الواهم و ما اكثره في مجتمعنا .
سرني وجودك و اتطلع الى مزيد من اللقاء .

اخر الافلام

.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية


.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟




.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي




.. التحالف الوطني يشارك الأقباط احتفالاتهم بعيد القيامة في كنائ