الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القوة - النقود

موسى راكان موسى

2016 / 2 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




ليس بخفي على أحد تلك القوة التي تهيئها النقود لصاحبها ، حتى و إن كانت النقود ذاتها مزوّرة أو معدومة القوة في ذاتها . بالطبع هذه القوة التي تهيئها النقود لصاحبها لم تأت من عدم ، و إن كان من الممكن أن يمثّل العدم قوة للبعض [ القوة | الوهمية ، التجريدية ] ــ لقد مثلت النقود قوة لأنها كانت تعبير عن جهد مبذول مُختزن [ قوة العمل المُختزن ] ؛ فوظائف النقود كوسيط للمبادلة و كمعيار للقيمة ما كانت لتكون لولا أنه يقوم بدور مخزن للقيّم [ قوة العمل المُختزنة ] .

إن النقود تحوي شرطيّ القوة ، فبجانب أنها تختزن [ تملّك ] قوة العمل ، هناك تفاعل يحدث بها ؛ كما لو كانت النقود كائنا بشريا مستقلا بذاته يتملّك و يتفاعل بقوة العمل ! ــ إلا أن هذا الكائن لا يقوم بذلك لذاته ، إذ يقوم بذلك لغير ذاته ؛ في آخر المطاف النقود ليست كائن بشري .

لذلك فقد كان من الممكن أن تُستبدل قوة العمل المُختزنة ، من حيث هي ذات وجود موضوعي [ قوة | حقيقية ، مادية ] ، بأخرى ذات وجود ذاتي مُتخيّل [ قوة | وهمية ، تجريدية ] ؛ كما هو حادث الآن بالنسبة للدولار ــ أي الثقة بديلا عن الذهب كغطاء للعملة .

و لكن هل يعني ذلك أن الذهب لمجرد كونه كذلك [ أي ذهبا ] هو أساس قوة النقود ؟! ، لا ــ إن الذهب بذاته لا شيء ، فارغ تماما من المعنى ، كما أنه فارغ تماما من القيمة . إذا فعلام هذا الحضور المهيب للذهب ، و لماذا إذا كان غطاءا للنقود ؟! .
إن الجهد المبذول [ قوة العمل ] للذهب هو الذي أوجد المعنى و القيمة للذهب ، و هو جهد ليس بقليل أو هيّن ؛ يعود ذلك إلى بعض الخصائص المرتبطة بالذهب كالندرة [ لا لخصائص الذهب نفسه ] ــ بالتالي فإن الجهد المبذول للذهب ليس كمثل الجهد المبذول لقطع الشجر (بشكل عام) ؛ و إن أمكن التوصل إلى تحديد يقترب من مساواة جهد معين مبذول للذهب في مقابل جهد معين مبذول لقطع الشجر (بشكل خاص) .
أما فيما يتعلق بشأن إتخاذه غطاءا للنقود ، فلأنه الأقدر و الأمثل و الأفضل تعبيرا عن الجهد المبذول المُختزن [ قوة العمل المُختزنة ] ــ فبقدر ما تعبّر خصائص الذهب ذاته عن ذلك ، فإلى الجهد المبذول [ قوة العمل ] يُعزى المعنى و القيمة التي جعلت من خصائص الذهب وعاءا حاويا له .

* و لا يجب أن نغفل عن حقيقة أن كل ما سبق يخضع للكل الإجتماعي ؛ فلولا القبول الإجتماعي العام للنقود (بغض النظر عن الغطاء) ، لما كانت النقود . و كذلك هي الحال بالنسبة لقبول الذهب أو الثقة كغطاء للنقود ( بغض النظر عن الإختلاف بين الذهب و الثقة ) ــ لكن هذا القبول لا يعني على الإطلاق أن يكون مبنيا على وعي و إدراك إجتماعي ، بالتالي إمكانية أن يكون المقبول مزيفا و وهما .

قد أتاحت النقود أمكانية تملّك الجهد المبذول للغير ، و ذلك من خلال القدرة على فصل الجهد المبذول بتجسّده مستقلا عن صاحبه [ الحديث هنا مُقتصر على النقود من حيث هي ( قوة | حقيقية ، مادية) ] . و تتشابه بذلك النقود مع السلعة إلى حد كبير ، فالسلعة يقتضي إنتاجها أن ينفصل الجهد المبذول عن صاحبه ليتجسّد فيها ، إلا أن الدور الذي تلعبه النقود في المجتمع هو الذي يميزها عن باقي السلع .

* مؤسف هو هذا الغض العام للنظر عن التحوّل الذي إعترى طبيعة النقود ، أعني التخلي عن الذهب كغطاء للنقد ، و جعل الثقة هي الغطاء ــ إن التحوّل لم يجر من (قوة | حقيقة ، مادية) إلى (قوة | حقيقة ، مادية) أخرى ، إذ التحوّل الذي حدث هو من (قوة | حقيقة ، مادية) إلى (قوة | وهمية ، تجريدية) ؛ أي من الذهب إلى الثقة // و في موقع سابق تمت الإشارة إلى أن كل من (القوة | الحقيقة ، المادية) و (القوة | الوهمية ، التجريدية) تتساويان من حيث الأثر ، أي التأثير ــ فالدولار المزوّر له ذات قوة الدولار الغير مزوّر عند غير العارف بالتزوير ؛ و كذلك بالنسبة لمن لا يعرف الفرق بين النقد (من حيث له غطاء ذا وجود موضوعي حقيقي) و النقد (من حيث له غطاء ذا وجود ذاتي مُتخيّل) .

هذا التحوّل في طبيعة النقود [ الغطاء ] هو تحوّل جذري في النمط العام الإقتصادي الإجتماعي ، و لا يجب أن يفوتنا الإنتباه له و تحليل آثاره في الكل الإجتماعي ــ إن الشخص الذي يرى أن الــ 100 دولار من حيث أن الغطاء هو الذهب يساوي 100 دولار من حيث أن الغطاء هي الثقة ، لمجنون أو أفاك ، و لا وجود لإحتمال آخر لكي يكونه ؛ و إن كان من الممكن التوصل لتحديد يقترب من مساواة جهد معين مبذول للذهب في مقابل جهد معين مبذول لقطع الشجر ، فمن المستحيل التوصل لذات الحالة بين الذهب و الثقة ، إلا عن طريق التضليل و الوهم .



في الختام ــ مقطع من رواية { ثورة في جهنم } ، لنقولا حداد :

ــ و لكنك قلت إن المال نتيجة العمل ، هو عرق الجبين المتبلور مالا ، فكيف يولد المال بلا عمل ؟! .
ــ فأجاب : المال المولود من العمل يتغذى من دم العامل ، و أما المال المولود من رأس المال فأغذيه من الهواء ! .
ــ ويحك ! إذن جعلت الهواء قوة مال في أيدي البشر ، فأنت تقوي البشر ! .
ــ نعم ، لو كان الهواء قوة ، و لكن ليس إلا هواءً أو هوسا ، و أهل المال يبنون فيه قصور ثرواتهم الشامخة الباذخة ! و أي بناءٍ يثبت في الهواء ؟! .
ــ إذن ؟ .
ــ إذن الإله الذي يتغذى هواءً لا يكون أقنومه إلا الريح ، فذوو المال يقبضون الريح .
(...)
ــ لقد فقت في اصطناع المعجزات موسى الذي استخرج من الصخرة ماء ؛ لأنك تستخرج ثروة من الهواء ، كأنك تجعل الهواء يتبلور ذهبا ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرة أمام وزارة الدفاع اليابانية رفضا لشراء طائرات مسيرة م


.. عادل شديد: مسألة رون أراد تثير حساسية مفرطة لدى المجتمع الإس




.. دول غربية تسمح لأوكرانيا باستخدام أسلحتها لضرب أهداف داخل رو


.. ما دلالات رفض نصف ضباط الجيش الإسرائيلي الاستمرار بالخدمة بع




.. أهالي جباليا يحاولون استصلاح ما يمكن من المباني ليسكنوها