الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فصل التكوين عن التوظيف الخيار الذي أخطأ الزمان والمكان

عبد الحكيم الشندودي
كاتب وباحث

(Chendoudi Abdelhakim)

2016 / 2 / 1
التربية والتعليم والبحث العلمي


إن الخوض في موضوع احتجاجات الأساتذة المتدربين وامتناعهم عن التكوين، هو نقاش في صلب بنية السياسة التعليمية المغربية ومستقبلها، وكمهتم ومساهم في التكوين وباحث في التربية والتكوين أجدني ملزما بالمساهمة في إضاءة جوانب الموضوع حتى نستوعب ما يجري وكيف يجري ولماذا؟ وأيضا حتى نستطيع المساهمة في بناء تصور جديد يحفظ للمؤسسة العمومية صورتها، وطبعا سنناقش بحرية وجرأة وباختلاف أيضا، وطبعا اختلافنا لا يفسد للود قضية.
مضت إلى حدود كتابة هذه المقالة خمسة شهور والمراكز الجهوية متوقفة عن العمل إلا فيما يخص تكوين الأطر الإدارية، وعندما نقول متوقفة عن العمل نستحضر وبكل أسف الكم الهائل من الموارد البشرية العاملة فيها، ونخص بالذكر: اللإداريون والأساتذة الذين يضطلعون بمهمة التكوين بجميع فئاتهم( أساتذة التعليم الابتدائي،أساتذة التعليم الإعدادي،أساتذة التعليم الثانوي،الأساتذة المبرزون،أساتذة التعليم العالي المساعدون،أساتذة التعليم العالي المؤهلون، أساتذة التعليم العالي)، والملحقون التربويون،والأعوان، وملحقوا الاقتصاد.. والذين يجدون أنفسهم خارج دائرة الإنتاج والمحصلة النهائية 16 مركزا جهويا وفروعهم في حالة سكون تام، ألا يحق أن يطرح السؤال ؟ألا يهم الحكومة المغربية الأموال التي تصرف بدون إنتاج ؟ أما من تدابير أولية لوقف النزيف ؟ في الحكومات الغربية حدث مثل هذا تسعى فيه الحكومات إلى إجاد حل فوري توقيفا للنزيف والهدر، هدر الزمن والطاقات والمال والموارد المالية والمادية والبشرية.

فصل التوظيف عن التكوين:

إن السياسة التعليمية المتبعة تستند بالدرجة الأولى على ما تعاهد عليه المغاربة جميعا بجميع فئاتهم وهيئاتهم السياسية والنقابية والمدنية وتمخض عنه وثيقة مرجعية أساسية وبالغة الأهمية هي : "الميثاق الوطني للتربية والتكوين" وبالرجوع إليها لا نجد ما يشير إلى فصل التكوين عن التوظيف، وإنما يجري الحديث عنهما كمسألتين مرتبطتين تشملان تدقيق مواصفات الدخول والتخرج من التكوين. وفي المجال الرابع : الموارد البشرية وخاصة منه الدعامة الثالثة عشرة نجد مؤشر على مراجعة مقاييس التوظيف والتقويم والترقية وذلك في إطار حفز الموارد البشرية وإتقان تكوينها وتحسين ظروف عملها.
ولذلك الخوض في فصل التكوين عن التوظيف هو نابع من سياسة جديدة غير متوافق عليها، يمكن أن تكون لهذه السياسة الأحادية أفاق ناجحة، لكن هذا من قبيل حسن النية وقراءة مسبقة للنوايا، أما الواقع فهو قعْر مختلف لا تجتمع فيه النوايا والسياسة أبدا. ولذلك في الحالة المغربية التي يعتمد فيها المجتمع على الاقتصاد التضامني الاجتماعي المرتكز في عموده الفقري على الوظيفة العمومية، والذي يستمد جذوره التضامنية من النضال ضد المستعمر ومن التحالف التاريخي بين الملكية والشعب. فإن هذا التحالف الثلاثي ( الملكية، الشعب، الاقتصاد الاجتماعي) هو الذي يحدد مناعة المجتمع المغربي، ويعضد أواصر الاستقرار، وضرب هذه المفاصل الأساسية أو إحداها هو عصف بالثوابت المجتمعية، وتقوية اللبريالية المتوحشة التي تؤمن فقط بقيم السوق بعيدا عن منظومة القيم بما يستتبع ذلك من علاقات الصراع والخداع والتكتلات السالبة... ويضعف الدولة طبعا ويرهن خيراتها ومستقبلها.
وإذا كانت قضية فصل التكوين عن التوظيف خيار استراتيجي تفكر فيه الدولة بجدية كان الأجدر بها أن تقوم ببعض الخطوات مثل :
• إشراك المجتمع المغربي وقواه الحية في هذا التحول
• عرض المسألة على أنظار البرلمان لتحضى بنقاش واسع ومسؤول
• إشراك الهيئات الممثلة لقطاع التعليم في مناقشة الموضوع وإبداء الرأي
• إشراك المراكز عبر مجالسها في النقاش حتى تتهيأ لوضع مشروع تكوين جديد يستجيب للمتطلبات الجديدة وتنزيل القوانين المرجعية المنظمة.
طبعا لا شيئ من ذلك حصل، وإنما تم إتباع منهجية، حتى لا نقول قاصرة، تميزت بما يلي:
• اعتبار مسألة فصل التكوين عن التوظيف يجب أن تطبق على قطاعي التعليم والصحة فقط، بينما إذا كان الأمر مرتبط بتوجه استراتيجي يجب أن يشمل فصل التكوين عن التوظيف مختلف القطاعات بما فيها الأمن والدرك والإدارة الترابية...
• ربط التكوين والتوظيف بالقطاع الخاص، ضرب من الريع الاقتصادي لأن القطاع الخاص قطاع له مداخيله الخاصة به هي التي يجب أن تغطي مسألة تكوين أطره وليس الدولة، هذا علاوة أنه قطاع غير مهيكل تعمه الفوضى والارتجالية.
• النظرة الأحادية للموضوع عبر انفراد الحكومة بقرار يهم المجتمع برمته،
• اختيار التوقيت السيئ للإعلان عن التغيير الأحادي وهو عطلة الصيف مما يوحي بعدم صفاء الطوية في الموضوع.
• عدم إلمام المراكز بالتغيير المرتقب.
• الفراغ القانوني الذي يصاحب عملية التكوين في الصيغة الجديدة بحيث أن المشروع التكويني برمته مبني بيداغوجيا على الأستاذ المتدرب وليس الطالب، فلا يمكن السماح للطالب بالدخول إلى المؤسسات التعليمية للتدريب في التلاميذ إلا بعد تنزيل المرجعيات القانونية المنظمة،
• تبني مشروع التكوين خطة التكرار والاجترار لأزمة اسمها المدارس العليا للأساتذة، والتي يترتب عليها تبخيس شواهد المؤسسات الوطنية، وكذا التشكيك في مصداقيتها، بحيث أصبح المترشح ملزم بقطع مسافة تكوينية تضم إحدى عشر مباراة بين المدارس العليا والمراكز الجهوية وتشمل عمليات الانتقاء ومبريات الدخول وامتحانات النجاح النهائية حتى صار التكوين طريق إلى التكوين أي أصبح وسيلة وغاية !وفقد بالتالي مضمونه الإجابي.
• تأخر صدور المرسوم في الجريدة الرسمية لتفعيله،
فبعد هذه العيوب كان لزاما البحث عن مخرج راق للاخطاء الكثيرة التي صاحبت المشروع والتي بينت النظرة القاصرة لدى الحكومة لعملية التكوين، والذين يملكون ملف التعليم حكوميا يبدو غير مؤهلين بتاتا لفهم المسألة التعليمية المغربية وخطورتها وصعوبة الأخطاء المترتبة عن تدبيرها وما قد يترتب عنها من مضاعفات.
ما لم تقم به الحكومة كان جليا هو انتهاجها لطريق متصلب زكى النظرة الأحادية المتحجرة مثل :
• عدم فتح حوار مع الأساتذة المتدربين وبالمقابل اعتماد سياسة العنف.
• سياسة الصعود لأعلى القمة وإعطاء الظهر لملف يتحرك مثل كرة الثلج،
• تكرار نفس الرؤية رغم كبر موضوع الاحتجاج وتزايده
• الاستهانة بالموضوع في الغرفتين وأمام أنظار أفراد الشعب
• عدم وعي الحكومة المغربية بمسألة الديموقراطية النوعية حيث الرأي فيها لأغلبية الفئة العاملة فيها.
إن إصلاح عملية التكوين يجب أن تنبني على مرتكزات أساسية أولاها :
- تبني سياسة الإشراك خاصة المتدخلون المباشرون في القطاع المعني
خاصة النقابات والجمعيات المهنية ومجالس المراكز.
- توضيح الرؤية فيما يخص المدارس العليا للأستذة بحيث إن اسمها دال على قصور الرؤية فلا يمكن أن نتحدث عن مدارس عليا للأساتذة وهي قد تخلت عن خيار تكوين الأساتذة منذ سنوات خلت إذا الحاجة ماسة إلى إصلاح هذه التسمية أولا.
- إعادة النظر في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين بجعلها كمؤسسات التعليم العالي مهمتها التكوين بنوعيه الأساسي والمستمر،والبحث العلمي التربوي، فلا يمكن تطوير التعليم المغربي دون تطوير الأبحاث فيه، ولن يتم هذا إلا بانتهاج التكوين بالصيغة الجامعية (LMD) يمكن للجامعة أن تتكفل بالسنة الأولى والثانية مثلا على أن يتم استكمال التكوين بالمراكز على اعتبارها تقوم بمهمة التأهيل للمهن التعليمية.
أما بخصوص «المرسومين» أو الأساتذة المتدربين فعلى الحكومة أن تتبنى الخيار السياسي الشجاع وأن تتضامن مع شريحة مجتمعية مهمة، وأن تحل الإشكال بطريقة تضامنية بناءة، وذلك لعدم نضج شروط تنزيل مرسوم فصل التوظيف عن التكوين. وتحفيز هذه الطاقات الشابة والهامة على العودة إلى مقاعد التكوين بحماس، وأن تتفرغ للنظر إلى ما ينتظرها على مستوى التكوين والعمل معا، وأن تطوي هذه الصفحة بتعطيل تفعيل المرسوم إلى حين إشراك القوى الحية والشركاء والمتدخلين في الموضوع بغية صوغ تصور شامل ومكتمل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس