الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-براء- ومسيرنا الى الوراء

مفيد بدر عبدالله

2016 / 2 / 2
المجتمع المدني


من على هاتفه النقال ارسل لي أحد اصدقائي قبل ايام صورة كاريكاتيرية لامرأة متسولة تحمل طفلين ويقف الى جانبها ثلاثة أخرين تمد يدها طالبة العطاء من امرأة، فتعطيها الثانية شريطا مانعا للحمل، وكأنها تقول لها : ما دمت غير قادرة على تلبية متطلبات ابنائك توقفي عن الانجاب، أعدت ارسال الصورة لكثير من أصدقائي، أحدهم يعمل صيدلانيا أتصل بي متألما وهو يقول: أتعرف يا صديقي بان كثيرا من الناس بدأت تفكر جديا بوقف الانجاب وان الطلبات على موانع الحمل ازدادت بشكل كبير هذه الايام اكثر من اي وقت مضى . ما تحدث به صديقي لم يأت من فراغ، فعلى الرغم اننا من الشعوب المحبة لكثرة الابناء الا ان ظروفا استجدت في السنوات الاخيرة غيرت من قناعات الناس، ولعل الضغط الاقتصادي أحد أهم تلك الاسباب، وبمقارنه بسيطة بين ما عشته مع اخوتي التسعة بمرتب والدي المعلم رحمه الله وبين ما يعيشه ابنائي الثلاث بمرتبي انا المهندس، فغلاء المعيشة وصعوبتها أجبرني على عدم التفكير بأطفال آخرين، ناهيك عن خوف المجهول وما تخبئه الايام القادمة من مفاجأة قد تمس مرتباتنا.
هذه ليست قناعتي وحدي فالكثير من أصدقائي حددوا النسل لسبب منطقي جدا، الاهتمام بطفلين او ثلاثة اسهل من الاهتمام بسته او أكثر ماديا ومعنويا، فالمدارس ما عادت كمدارس ايامنا، اعداد التلاميذ قليلة في الصف الواحد ومجهود المعلم كان أكبر، على عكس ايامنا فاكتظاظ الصفوف وانشغال التلاميذ بالفضائيات واجهزة (الايباد) أصبح من اهم اسباب تراجع التركيز لدى التلاميذ هذا ما يرتب على الاهل معاضدة المدرسة في عملها.
البعض لا يؤمن بقضية تحديد النسل وان حبه للأبناء وكثرتهم يطغى على كل تلك الاسباب، ولعل صديقي "باسم" خير شاهد، فعلى الرغم من كونه يعمل محاسبا في أحدى الدوائر الحكومية بمرتب بسيط الا انه متزوج من امرأتين، يحب الابناء كثيرا، ويرفض الحديث عن تحديد النسل بعدد معين فهو ينتمي للمتصوفة اللذين أكثر ما يتحدثون عن الزهد وبساطة العيش، لذا ابقى على كلا خطيه الانتاجيين ولم يوقفهما.
قبل ايام ولدت له طفلة جميلة كالبدر أسماها "براء" زرته مع صديق لي مهنئا مباركا تلك الوليدة، أحضرها غرفة الاستقبال ووضعها الى جانبي، لم تكف عن ابتسامتها الجميلة، ما عكر صفو لقائنا حديث ظهر على شاشة التلفاز لاحد المسؤولين يتوعدنا بسنة قاسية وصعبة، رفع صديقي صوت التلفاز ووجهنا كل حواسنا صوب المسؤول قلقين على مرتباتنا ومستقبل ابنائنا، حين كنت استمع للمسؤول انتقل بنظري بينه وبين الطفلة" براء"، اراها لازالت مبتسمة، حتى حين كان يتحدث المسؤول عن عجزنا المالي والاقتراض، وعن الاجراءات الموجعة التي تواجهنا في هذا العام. وقبل خروجنا من المنزل حملت "براء" وقبلتها وقبل ان اعيدها لأبيها همست في أذنها قائلا: ابتسمي يا حبيبتي كثيرا قبل ان تدركي معنى الاشياء، فستكبرين وتبكين كثيرا على ما ضاع من عمر ابيك وهو ينتظر وعود السياسيين، وقد تبكين على ايامك لأنك شئتِ أم ابيتِ يا "براء" تسيرين معنا الى الوراء.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن: نحن أمة من المهاجرين ولهذا نحن أقوياء


.. تغطية خاصة | أعمال الإنقاذ والإغاثة تتواصل بعد العدوان الإسر




.. Kesaria should still be alive ??


.. موجز أخبار الواحدة ظهرًا - اليونيسيف: إرتفاع عدد النازحين بق




.. لعبة إلكترونية في ألمانيا تشجع على ترحيل المهاجرين!