الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعوذة إقتصادية (3)

موسى راكان موسى

2016 / 2 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




{ و لنحاول ألا نعود إلى ظرف أصلي خيالي ، كما يفعل رجل الإقتصاد السياسي ، حين يحاول أن يُفسّر ؛ فمثل هذا الظرف الأصلي لا يُفسّر شيئا ، و إنما هو فحسب يدفع بالمسألة بعيدا إلى مسافة سديمية مُعتّمة ــ إنه يفترض ( في شكل حقيقة أو حدث ) ما هو مفروض أن يستخلصه ( و هو العلاقة الضرورية بين شيئين ) ؛ بين تقسيم العمل و التبادل مثلا . و بنفس الطريقة ، يشرح اللاهوت مصدر الشر بسقوط الإنسان ؛ أي أنه يفترض كحقيقة ( في شكل تاريخي ) ما عليه أن يشرحه } .
* بتصرف من ( مخطوطات 1844 ، كارل ماركس ) .


بعد طلسمة الإقتصاد و بارانوئية الإقتصاد ، يجيء الدور لتناول { ميتافيزقية الإقتصاد } .
و الميتافيزقية هنا نعني بها ثلاثة أمور :
1. الأصل المثالي [ الخيالي ] .
2. التجريد .
3. التجزيء .

و قد تبدو العلاقة التي تربط بينها واهنة بعض الشيء ، إلا أن النظر بشيء من العمق يكشف عن مقدار شدة الترابط ؛ العلاقة التي تجعل الواحدة منها مُنتصرة للأخرى ، أو مُؤدية إليها ــ و إن كان من الممكن إستعمال بعضها دون بعضها الآخر .

فالأصل المثالي ، يُقصد به تأصيل الإقتصاد أو بعض الأمور المُتعلقة بالإقتصاد ، مثاليا ؛ بمعنى آخر نعود بالتفسير أو التحليل إلى جذور لا واقعية ــ فيغدو التفسير أو التحليل بلا جذور حقيقية ؛ كما الذهب [ على سبيل المثال ] ، إذ يُنظر إليه كما لو أنه يملك بذاته قوة سحرية ، أو كما لو أن الله هو الذي أودع في الذهب هذا السحر // و الأصل أن الذهب بذاته لا معنى له و فارغ من القيّم ، و الذي جعل له معنى و قيمة هو الجهد المبذول و العلاقات الإجتماعية ، فليس في الأمر أي سحر أو إله [ و قد تم تناول هذه المسألة في الطرح المُعنون بعنوان ( القوة ــ النقود ) ، بالحوار المتمدن ] .


أما التجريد ، فيُقصد به التغطية أو التعمية على أصول الإقتصاد الحقيقية ، و يتم ذلك من خلال الأرقام و شيء من الرياضيات ؛ فالربح الحقيقي و الإنتاج الواقعي يتم تجريدهما بتحويل كيفي للربح و الإنتاج ، بتجريدهما ــ أي إلى أرقام و معادلات رياضية فارغة من المعنى الموضوعي و القيّم الحقيقية .

على سبيل المثال ، فإن التقارير الرسمية ، المدفوعة إلى تبني وجهة نظر متفائلة عن إقتصاد البلاد [ بغض النظر عن حقيقة واقع الإقتصاد ] ، تتبنى هذا المسلك للتغطية على حقيقة الوضع الإقتصادي للبلاد . و المؤسف أن الأرقام ، على بساطتها و عدميتها التجريدية ، تفتن لا البسطاء فقط ، بل حتى الإقتصاديين أنفسهم ، فينتهي بهم الأمر إلى فهم مغلوط مشوه للوضع الإقتصادي . حتى إذا ما كانت الأزمة ، بدت صادمة و مثيرة للعجب حتى لأكبر الإقتصاديين [ الميتافيزقيين ] ــ و يحضرني هنا المشهد الهزلي الذي أنكر فيه أحد إقتصاديي البحرين اللامعين علمية الإقتصاد [ أي في أن يكون الإقتصاد علما ] ، بحجة التغيّر و التذبذب الدائم في الإقتصاد ؛ و حقيقة الأمر أنه بدل أن يقبض على فهم حقيقي للوضع الإقتصادي ، إرتمى مفتونا في أحضان التجريد [ العدم ] // فلا يجب أن نعذر تجريدية الإقتصادي بأي حال من الأحوال ، دون إساءة الظن به .


أما التجزيء ، فيُقصد به التفريق بين الأمور المُترابطة في الإقتصاد ، تفريقا مطلقا أو شبه مطلق ، أو التي يكون الإقتصاد ضمنها ككل [ كما النظر إلى الإقتصاد كبناء مُستقل عن الكل الإجتماعي ] ، مما يؤدي إلى التضليل [ سواء عن قصد أو دون قصد ] ــ كما على سبيل المثال ، التيار التضليلي القائل (( أن إلغاء الذهب كغطاء للنقود ، و إستبداله بالثقة ، لا يؤدي لتغيير جذري في الوضع الإقتصادي العام )) [ و قد أشير إلى هذه النقطة بالطرح المُعنون بعنوان ( القوة ــ النقود ) ، بالحوار المتمدن ] ؛ أنصار هذا التيار يتخذون من قرارات تم إتخاذها كقرارات مؤقتة في أوقات الأزمات و ضمن نطاق جغرافي مُعيّن ، ذريعة للدفاع عن قرار تجاوز كل ما يمكن أن نسميه قرار مؤقت لأزمة ، كما تجاوز حدود الجغرافيات معظمها إن لم يكن كلها .


* من الجدير بالذكر أن التجريد و التجزيء قد يتم الدفع إليهما بغية التبسيط [ كما هو الحال في كليات الإقتصاد ] ، لكنهما يبقيان يؤديان ذات الدور العدمي و التضليلي ــ فعلى الأقل ، إن كان و لا بد من اللجوء إليهما ، أن يرافق ذلك تنبيه جدّي إلى حقيقة الدور الذي يلعبانه في فهم الإقتصاد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف