الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يكون الكذب والتدليس منهجا للإصلاح 3

عبد القادر أنيس

2016 / 2 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما يكون الكذب والتدليس منهجا للإصلاح 3

أواصل في هذه المقالة الثالثة قراءة "إعلان مراكش لحقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي"
http://urlz.fr/30LK
يواصل أصحاب البيان الكذب والتدليس والضحك على الذقون. نقرأ، في التمهيد الذي سبق الإعلان عن النتائج التي خُلَصَ إليها هؤلاء المجتمعون الثلاثمائة، هذا النوع من التبجح المقرف: "ونهوضا بواجب البيان الذي طوَّق الله به أعناق العلماء وخاصة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة الإسلامية: إحياء للنفوس المعصومة وحفظا للأعراض المصونة، وحرصا على تحقيق السلم بين بني الإنسان، ومطالبة للنفس بأداء الحقوق، واسترجاعا للصورة الحقيقية لديننا الحنيف، ونصحا وتحذيرا لعموم الأمة من انعكاسات هذه الجرائم المتدثرة بلبوس الدين على وحدتها واستقرارها ومصالحها الكبرى في المدى القريب والبعيد".
فهل (الصورة الحقيقية لديننا الحنيف) التي يريد هؤلاء استرجاعها تدعو فعلا إلى (إحياء النفوس المعصومة والحفاظ على الأعراض المصونة، وتحرص على تحقيق السلم بين بني الإنسان)؟
كلا، فلا (ديننا الحنيف) ولا غيره من الأديان، ولا غير ذلك من أنظمة الحكم التي سادت هنا وهناك في بقاع الأرض فعلت هذا. التوحش كان سائدا دائما. قانون البقاء للأقوى هو المعيار المعمول به. ومازال هذا سائدا حتى أيامنا، خاصة في بلداننا. الادعاء بأن (ديننا الحنيف) شذ عن هذه القاعدة هو كذب وتدليس. نحن نعرف أن (ديننا الحنيف) دعا إلى الجهاد لنشر الإسلام بحد السيف. الشعوب التي قاومته حفاظا على استقلالها وأديانها عوملت بمنتهى القسوة استعمارا واحتلالا واستعبادا وتسخيرا وانتهاكا للأعراض (ملك اليمين)، بل إن بعض الشعوب ذابت نهائيا أو مُسِخَت. فهل فعل أسلافنا المسلمون كل هذا جهلا بدينهم؟ هل يعقل أن تتفق الأمة الإسلامية لقرون طويلة على التنكر لصحيح دينها؟ كلا.
لقد تمكنت الشعوب في البلدان التي انتقلت إلى الحداثة والديمقراطية والعلمانية من تجاوز شرائعها بعد أن تعرضت فيها كل الموروثات إلى النقد وصار الناس يتعاملون معها بحرية سواء آمنوا بقدسيتها أم ألحدوا دون أن يتعرضوا للقمع والإرهاب كما هو الحال عندنا. ففي عالمنا الإسلامي يُعَرِّض مجرد نقد الدين أو التشكيك في صلاحية بعض شرائعه لعصرنا أو حتى الكشف عن تناقضاته صاحبه للمساءلة والملاحقة والمحاكم في أحسن الأحوال، إن لم يُعْدَم أو يُنْفَى. (لا يزال مفكرونا يحاكمون بتهمة ازدراء الدين حاليا وفي أغلب بلادنا). بل حتى هذه الوثيقة الحرباوية ختمت إعلاناها بدعوة (ممثلي مختلف الملل والديانات والطوائف إلى التصدي لكافة أشكال ازدراء الأديان وإهانة المقدسات). وطبعا من السهل تكييف كل رأي حر على أنه ازدراء للأديان وإهانة للمقدسات.
وتحت عنوان: "في التذكير بالمبادئ الكلية والقيم الجامعة التي جاء بها الإسلام". يبلع محررو هذا الإعلان قمة التدليس والانتقائية المخلة بأدنى شروط الموضوعية والصدق. نقرأ:
(( إن البشر جميعا على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم ومعتقداتهم كرمهم الله عز وجل بنفخة من روحه في أبيهم آدم عليه السلام: (ولقد كرمنا بني آدم – الإسراء: 70).))
فما أبعد هؤلاء الذين نعتوا أنفسهم بـ (العلماء) عن العلم وهم يحرصون على الاحتفاظ بهذا التفسير الخرافي لأصل الإنسان! ، وهم فوق هذا لا يعبرون عن رأي "البشر جميعا على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم ومعتقداتهم". هذا الاعتقاد في حكاية آدم، وحواء التي خُلِقت من ضلعه الأعوج، هو مجرد خرافة بابلية أو توراتية أو شرق أوسطية. شعوب المعمورة الأخرى لها اعتقاداتها وتصوراتها الخاصة حول نشأة الحياة على الأرض، ومحاولة تعميم هذه النظرة التوراتية عليهم لا يساهم في التقريب بين البشر، ناهيك عن الاستهتار بالفتوحات العلمية الحديثة في مجالات لا حصر لها تتناقض مع ما جاءت به الأديان.
ونقرأ:
((2- أن تكريم الإنسان اقتضى منحه حرية الاختيار: (لا إكراه في الدين- البقرة: 256)، (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا؛ أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين؟! - يونس 99))).
فهل منح الإسلام حرية الاختيار للإنسان تكريما له؟ فحتى هذه الآيات لا نجد في السياق القرآني الذي وردت فيه دلالة على أن الله كرم الإنسان ومنحه حرية الاختيار. لنقرأ الآية كاملة: "لا إكراهَ في الدين قد تبين الرشدُ من الغيّ فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ( 256 ) ). لكن الآية التي تليها مباشرة هي: "الله وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَٰ-;-ئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"
فكيف يقولون بأن "تكريم الإنسان اقتضى منحه حرية الاختيار"؟ وأي اختيار للإنسان إذا كان يواجه مصيرين لا ثالث لهما: السيف والموت والاستعباد في الدنيا أو نار جهنم في الآخرة. هل من قبيل حرية الاختيار مثلا أن أقول لابني: أنت حر في أن تذهب حيث تشاء، ثم أعدد له أماكن كثيرة محرمة إذا ذهب إليها علقته من أشفار عينيك، كما اعتادت الأمهات عندنا قوله لأطفالهن تهديدا ووعيدا؟!
نقرأ في موقع إسلام ويب القطري حول شرح هذه الآية: "... بل هي منسوخة بآية القتال وأنه يجب أن يُدْعَى جميعُ الأمم إلى الدخول في الدين الحنيف دين الإسلام، فإن أبى أحدٌ منهم الدخول فيه ولم يَنْقَدْ له أو يَبْذُل الجزية، قوتل حتى يُقْتَل. وهذا معنى الإكراه قال الله تعالى: "سَتُدْعَوْن إلى قوم أُولِي بأس شديد تقاتلونهم أو يُسْلِمون" (الفتح: 16). وقال تعالى :يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغْلُظْ عليهم". (التحريم: 9). وقال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين". ) التوبة: 123. وفي الصحيح:" عَجِبَ ربُّك من قوم يُقادُون إلى الجنة في السلاسل"، يعني: الأسارى الذين يُقْدَم بهم بلاد إلى الإسلام في الوثائق والأغلال والقيود والأكبال ثم بعد ذلك يُسْلِمُون وتصلح أعمالُهم وسرائرُهم فيكونون من أهل الجنة" .
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=216&idto=216&bk_no=49&ID=220
تفسير آية "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين (يونس 99) لا يشذ عن تفسير آية (لا إكراه في الدين..)، ذلك أن الآية التي تليها مباشرة تنفي أية حرية، حيث تقول: "وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون (100) قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون (101). وجاء في تفسيرها: "قوله تعالى: "ولو شاء ربك ) يا محمد، لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)، (هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك أنه كان حريصا على أن يؤمن جميع الناس، فأخبره الله جل ذكره: أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة، ولا يضل إلا من سبق له الشقاوة".
http://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?idfrom=707&idto=707&bk_no=51&ID=700
ثم، في الأخير، كيف يفسر لنا هؤلاء (العلماء) حديث محمد: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله)؟
طبعا هناك من يتحذلق على طريقة عدنان إبراهيم:
https://youtu.be/I2sYIK4wiV0
أو يدلس على طريقة رمضان البوطي:
https://www.youtube.com/watch?v=m4D4gyDp494
لكن غالبية علماء الإسلام يكذبونهم، تاريخ الغزوات الإسلامية كلها تكذبهم، الموروث الديني الذي عمل به المسلمون طوال القرون يكذبهم وهذا ما فهمه علماء الوهابية (العثيمين) ومن ورائهم جماعاتهم الإرهابية:
https://www.youtube.com/watch?v=pbsXrsBcWVE
طبعا هناك من يخالفني في هذه الطريقة في مواجهة ما أراه تدليسا وكذبا عند هؤلاء، ولو عن حسن نية. فقد كتب الأخ نسيم عبد القادر تعليقا على مقالي بـ: ((ان هذه الوثيقة مهما كانت نقائصها إلا انها تعتبر مبادرة خير من مكانش (أي خير من لا شيء) ) كما يقول السياسي المحنك الرئيس الراحل بورقيبة -خذ و طالب- ؟؟)).
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=502977
ومع احترامي لهذا الرأي، إلا أنني أرى هذه الطريقة في الإصلاح والتربية والتعليم المعتمدة على الانتقائية جُرِّبت منذ عشرات السنين، ولم نجن منها إلا الخيبات والويلات (منذ بدايات الاحتكاك مع الحداثة واكتشاف الفارق الحضاري المهول بيننا وبينهم ودعوة البعض للحاق بهم). هذه الوثيقة ليست الأولى من نوعها. لقد أصدرت النخب العربية الإسلامية وغير الإسلامية ما لا يحصى منها، أغلبها عن سوء نية (على رأسها الدساتير ومواثيق حقوق الإنسان المسلم، والطفل والمرأة...) بهدف التصدي للمواثيق الدولية المنادية بضرورة الالتزام بحقوق الإنسان وقيم الحداثة التي تهدد الاستبداد السياسي والظلامية الدينية، وبعضها عن حسن نية بحجة أن الناس عندنا غير مستعدين لقبول ما يخالف دينهم وأنه يجب أن نتدرج في تطعيمهم، ولسان حالهم يقول: "فلنقدم لهم دينا آخر أكثر ملاءمة لمقتضيات العصر". لكني أرى أن هذا التدرج طال أكثر مما ينبغي وأنه بمثل هذه الوثائق أمكن لدول الاستبداد القائمة عندنا أن تتنصل من التزاماتها الدولية بحجة أن عندنا في ديننا ما هو أفضل. هكذا جرى التحفظ على كل المواثيق واللوائح الصادرة عن الأمم المتحدة أو تجاهلها بعد المصادقة عليها مباشرة. رأيي أن مواصلة إصدار مثل هذه الوثائق مضر. على نخبنا بما فيها الدينية أن تقدم اجتهادات أكثر جرأة بدل الكذب والتدليس. رأيي أن الناس عندنا يمكن أن يتقبلوا التعايش مع الحداثة وقيمها مثل الديمقراطية والعلمانية لو وجدوا التنوير المناسب. لا يجب الاستمرار في التعامل مع الناس على أنهم قاصرون وعاجزون، أبد الدهر، عن فهم الدين ويجب التحايل عليهم عبر هذه الانتقائية لتمرير الدواء الشافي من التخلف. يجب أن نعرف أن جري الناس وراء الدعاة المخرفين أو الإرهابيين سببه غياب البديل الآخر العقلاني العلمي الواجب تقديمه لهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - داعش فضحت المستور
سناء نعيم ( 2016 / 2 / 5 - 16:41 )
مؤتمر مراكش حول الأقليات الدينية في العالم العربي يهدف الى تلميع صورة الإسلام وتبرئته من القبح والبشاعة الذين أظهرتهما داعش من خلال ارتكابها لجرائم اهتز لها الضمير العالمي بما فيهم المسلمون انفسهم الذين إستقبحوا تلك الأفعال الهمجية فلم يجد علماؤهم بدا من عقد ذلك المؤتمر وإصدار بيانات تنزه فيها الاسلام وتظهره للعالم بمظهر الدين المتسامح الذي حوى اعراق وقوميات مختلفة وضمن لها العيش بكرامة تحت مظلته!!
وكالعادة فالكذب ديدنهم من خلال إنتقائية مفضوحة تختار من النصوص والاحداث ما يدعم موقفها وتتجاهل تاريخا أسودا ونصوصا أصبح الشيوخ انفسهم يتحرجون منه
من سخرية الأقدار ان يذكر التاريخ أسماء الغزاة السفاحين و يتجاهل اسم البطلة التي تصدّت لهم دفاعا عن العرض والوطن.الكاهنة مجرمة أما عقبة بطل
الوجود الغربي احتلال والغزو الاسلامي فتح
تشريد الفلسطينين جريمة اما طرد اليهود من المدينة ونهب اموالهم واسترقاق نسائهم عدل
هكذا يتم تمرير الكذب عبر كل المؤسسات الرسمية والدينية لتصبح الكذبة حقيقة
ويصبح المتصدّي لها كالقابض على الجمر
سلام


2 - سناء
عبد القادر أنيس ( 2016 / 2 / 6 - 07:25 )
شكرا سناء على هذه الإضافة القيمة.
خالص تحياتي

اخر الافلام

.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين


.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ




.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح


.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا




.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم