الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعوذة إقتصادية (4)

موسى راكان موسى

2016 / 2 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




المجتمع عبارة عن مجموعة من البناءات المُترابطة ، إلا أن لكل منها عن الأخرى إستقلال نسبي ، ضمن الكل الإجتماعي نفسه ــ فالإقتصاد بناء قائم إرتباطا مع الكل الإجتماعي ، إلا أن له إستقلالا نسبيا عن البناء الثقافي ؛ كما للبناء الثقافي إستقلالا نسبيا عن الإقتصاد .

لا شك أن للإقتصاد أهمية للكل الإجتماعي ، إلا أن هذه الأهمية تذهب بالبعض إلى ما يشبه الهوس ، فيُمركز الإقتصاد ؛ أي يجعل من الإقتصاد بناءا مركزيا للكل الإجتماعي ، مما يدفع بالبناءات الأخرى إلى أن تكون هامشية من الكل الإجتماعي ــ و هذا يعني مما يعنيه تهميش الدوافع و العوامل الفعّالة إجتماعيا لأنها غير إقتصادية .

فـ{ مركزية الإقتصاد } نعني بها هنا : مركزة لبناء في الكل الإجتماعي [ هو الإقتصاد ] ، مما يعني تحوير البناءات الأخرى بما فيها الكل الإجتماعي نفسه حول هذا البناء [ المركز ] ــ فما هو قائم إجتماعيا أمسى قائم إقتصاديا ، و إلا فهو ليس إلا قائم هامشي ؛ دعاية صريحة إلى إهمال الدوافع و العوامل الفعّالة إجتماعيا لأنها غير إقتصادية ، بتهميشها ، إذ يجب التركيز على ما هو إقتصادي .

فعلى سبيل المثال ــ و لنتحدث بصراحة : إن أي تدخل غربي أو شرقي في الشرق الأوسط ، يُتهم ذا البدء دون أي إعمال للفكر و البحث و الدرس ، بأنه لأجل الإقتصاد [ الإتهام الغالب في الساحة ] ؛ ( لأجل النفط ) ، ( لأجل الموقع الإستراتيجي المهم إقتصاديا ) ، ( لأجل مصلحة الشركات الأجنبية و المتعددة الجنسية ) ، ( لإتمام صفقة إقتصادية ) ، ( ... إلخ ) . و على الرغم من وجود دوافع و عوامل أخرى ، إلا أنه يتم تهميشها تماما ، لأنها غير إقتصادية ؛ ( لأجل سيادة القانون الدولي ) ، ( تدخل لحماية المواطنين ) ، ( مكافحة الإرهاب ) ، ( لقيام نظام ديموقراطي مكان الديكتاتوري ) ، ( ... إلخ ) .

بلا شك بأن الإقتصاد مهم و يلعب دور الحاسم في بعض الأحيان [ يرجى الإنتباه : بعض الأحيان و ليس دائما ] ، و أن الشركات ذات المصالح الإقتصادية ستغلب عليها دائما توجهات مصالحها من ذات الجنس [ الإقتصادية ] ــ إلا أنه من الخطئ إختزال كل تدخل بالإقتصاد ، و أن كل مصلحة لدولة ما هي إلا مصلحة إقتصادية في النهاية ؛ المصلحة الإقتصادية لا تتسيّد المشهد الإجتماعي أو الدولي دائما ، فالكل الإجتماعي عبارة عن مجموعة من البناءات المُترابطة ، لكن لكل منها إستقلال نسبي عن الآخر ، و هذا الإستقلال النسبي يتيح بعضا من التناقض بين البناءات ذاتها التي تنعكس إجتماعيا في هيئة مصالح متناقضة ، فالذي يسود أو يتسيّد تكون مصلحته هي المُتسيدة على المصالح الأخرى // هذا لا يعني إلغاءا مطلقا للمصلحة الإقتصادية ، لكنه يعني مما يعنيه إحالة للمصلحة الإقتصادية إلى مواقع ثانوية بالنسبة للمصالح المُتسيّدة .

* من الجدير بالذكر ، أن { الصراع الطبقي } على الرغم من أنه يتناول الكل الإجتماعي لا الإقتصاد فقط ، إلا أنه هو الآخر جرى تحويره من قِبَل البعض ، ليتمركز حول الإقتصاد ؛ يذهب البعض [ مهدي عامل مثلا ] إلى تسمية هذا التحوير بمسمى { النزعة الإقتصادوية } ــ و نتائج هذا التحوير بقدر ما هي تهميشية ، هي تضليلية . و بعض هذه النتائج على قدر من الغرائبية التي تدفع بنا إلى الشفقة على أصحابها : روجيه جارودي مثلا .


في الختام ــ إن الشعوذة الإقتصادية لا تعني طلسمة الإقتصاد دون باراونوئية الإقتصاد ، أو ميتافيزقية الإقتصاد دون مركزية الإقتصاد ، لكنها تعني استعمالهم فرادى أو استعمالهم جميعا معا ، أو حتى استعمال بعضهم معها دون البعض الآخر ؛ و هذا الاستعمال على أي حال ، ليس استعمالا بريئا ، سواء عن قصد أو دون قصد .

فاستعمالات الشعوذة الإقتصادية تنحصر في ثلاث غايات : (( الإنتصار لمسعى مموه [ مزيّف ] )) ، (( التغطية على ضعف الحجج )) ، (( حجب المغالطات )) ــ فسواء أأدرك المشعوذ أنه مشعوذ ، أم لم يدرك ، يبقى استعمال الشعوذة الإقتصادية بغاياتها الثلاث ، تحريفا و تضليلا و وهما ؛ و جدّية البحث و الدرس تقتضي التصفية لمثل هذه الشعوذة ، لا التعاطف أو غض النظر ، أو كما يذهب البعض للإسف إلى إعتبارها رأي كما هي الآراء الأخرى التي تختلف فيها بينها في مجال البحث و الدرس [ و هذا التخنيث لجدّية البحث و الدرس خطير ؛ إذ ينفي أي جدّية ممكنة في البحث و الدرس ــ الجدّية البحثية و الدراساتية تقتضي التصفية لا التسامح مع التحريفات و التضليلات و الأوهام ] .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -بلطجي الإسماعيلية-.. فيديو يُثير الجدل في #مصر.. ووزارة الد


.. جدل بشأن عدد قتلى الأطفال والنساء في قطاع غزة




.. أكسيوس: واشنطن أجرت محادثات غير مباشرة مع طهران لتجنب التصعي


.. مراسل الجزيرة: المقاومة تخوض معارك ضارية ضد قوات الاحتلال ال




.. جيش الاحتلال ينشر فيديو لمقاومين قاتلوا حتى الاستشهاد في جبا