الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شيء عن برنارد هنري ليفي

موسى راكان موسى

2016 / 2 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




برنارد هنري ليفي ، الفيلسوف الذي أمسى لكثير من العرب معروفا ، كشيطان رجيم ــ و بشيطنته ، قوّض كفيلسوف ، و تم إعتبار كل ما قدمه برنارد مجرد هراء [ لغط و غلط ] ، بل هراء عنصري [ صهيوني ] ؛ فكانت إن علت بعض الأصوات الداعية لرفض الإستماع له ، خوفا من سهم الفتنة الذي قد يسحرهم به إليه .

لا شك أن الدور الذي لعبه برنارد في كذا موقع ليس بهيّن أبدا ، فمن أفغانستان إلى البوسنة إلى جنوب السودان إلى ليبيا و ما فاتنا ذكره ، كل ذلك جعل الأنظار إليه تتركز بكونه رجل فاعل يتجاوز أي إحتمال بإعتباره مجرد رجل مدني . و لا يفوت على أعداؤه حقيقة كونه يهودي مُتمسك بيهوديته ، بل و أكثر من ذلك ، مدافع شرس عن إسرائيل ؛ و الصهيونية في نظره ليست إلا حركة تحرر وطني لليهود . و لم يكتف برنارد بذلك ، فموقفه من اليسار موقف عدائي ، يرمي به إلى مواقع يمينية ؛ و بشكل خاص اليمين المُتطرف ــ و بهذه الصورة المُقدمة عن برنارد ، يبرر البارانوئيّون و العقائديّون معاداته و معاداة حلفائه ، و في المقابل التضامن مع أعدائه ! .

و لكن إن نظرنا من جهة أخرى [ غير تلك التي تعودنا عليها من قِبَل البارانوئيين و العقائديين ] ــ فإن الدور الذي لعبه ليس إلا تطبيق عملي لدور المثقف الفعّال إجتماعيا [ المثقف العضوي عند غرامشي ] ، أما يهوديته فهي تتجاوز مجرد الإنحصار بالدين اليهودي ، فتوجهه العلماني الصريح يؤكد ذلك . كما أنه بقدر ما هو مُدافع شرس عن إسرائيل ، فهو كذلك مُدافع شرس عن الديموقراطية ؛ فهو من الذين يحرضون حكومة إسرائيل على عدم الوقوف في موقع المُتفرج المُرتعب من تغييرات الربيع العربي ، داعيا أياها بأن تقوم بتقديم العون لبواكير الديموقراطية في بلدان الربيع ، محذرا أياها من مغبة إتخاذ موقف عدمي رجعي . أما موقفه السلبي و العدائي من اليسار ، فيعود لفهمه المميز للوضع العالمي الجديد ، و كذلك فهمه لما وراء دعاوى و شعارات اليسار ، بذلك فبرنارد هنري ليفي مُفكر يساري يُقيّم يسارية اليسار فكريا ؛ و يبرز إستنكاره على اليسار إعتباره التدخلات الغربية في أفريقيا أو آسيا تدخلات إمبريالية ، كما أنه يكشف عن حقيقة المزاعم الإنسانية و التعددية التي يرفعها اليسار الأوروبي ، و التي تؤدي إلى إنسانية تنتصر للديكتاتوريات ، و تعددية تناصر الظلاميات و الرجعيات و تحميها .

و لا يغيب عنا كون فكر برنارد ذا سمات فاتنة ، و لعل هذه السمات هي التي دفعت به إلى مواقف متميزة في مواقع متوترة و حساسة ، فهو كما يقول : (( كان موقفي دوما نيتشه في أفلاطون ؛ نيتشه الذي ينتظر أفلاطون ــ و ليس لي إلا عدو واحد هو هيجل )) . و هناك لمسة ألثوسيرية سارترية في فكره لا يمكن تجاهلها ؛ و لعل هذا ما يفسر بعض هذا التجانب للرصانة التحليلية مع السذاجة السياسية لديه . و نجد نقاط توافق و تشابه بين فكره مع فكر فلتر بنيامين ؛ الفكر الذي مازج بين (الرومانسية) و (المشيحانية [فكرة الخلاص]) و (الماركسية) .

قد نتفق و قد نختلف مع برنارد حول العديد من النقاط ، لكن الأكيد أن هناك نقاط يطرحها برنارد هي ذات موضع راهني يستحق النظر و النقاش . و جدير بنا أن نبتعد عن كل بارانوئية و عقائدية في تعاملنا مع الأفكار كما الأشخاص ــ نعم ليطال النقد كل شيء ، بلا أي إستنثاء ، و بلا أي محددات للنقد ؛ لكن البارانوئية و العقائدية حتى في ممارستهما للنقد ، فهما تقفان موقفا مضادا للنقد ، و ينبغي إدراك ذلك .


في الختام ــ [ بتصرف ] مقتطف لبرنارد هنري ليفي ، من { الحرب دون أن نحبها } ، يعرض فيها موقفه من حيث موقعه [ الأوروبي ] تجاه الربيع العربي بشكل عام :

ــ كان السرياليّون يسألون (هل سبق أن صفعت ميتا ؟!) ، و سوف يسأل مؤرّخو القرن الحادي و العشرين (هل سبق أن رأيت ميتا يُبعَث حيا ؟!) ، و لسوف يجيبون (نعم ، رأينا . فقد كان هنالك شعوب ميتة ، لم تكن نائمة ، إنما كانت ميتة موتا روحيا بقدر ما هو موت سريري و سياسي ــ و إن معجزة حدثت ، حين قال ملاك التاريخ لهذه الشعوب : إنهضي ، و سيري) .
ــ و سارت ؟! ، حينئذ ٍ إلى أين سوف يذهبون ؟! ، في أي إتجاه سيكون المسير ؟! ، هل سيسيرون بسهولة أم نصف نائمين ؟! ، في ضوء الفانوس أم في النور الوضّاء ؟! ، و هل إذا كانوا عائدين إلى الموت بعد أن خرجوا منه توا ؟! .
ــ يكفي أصلا المسير ، يكفي ألا تكون هذه الشعوب أولئك الأموات ، الذين كانوهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط


.. ما رؤية الولايات المتحدة الأمريكية لوقف إطلاق النار في قطاع




.. الجيش الاسرائيلي يعلن عن مقتل ضابط برتبة رائد احتياط في غلاف