الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنطولوجيا الإله .. نقدُ النقدِ

محمد جلال الأزهرى

2016 / 2 / 10
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل الله موجودٌ ؟ هذا السّؤالُ هو سؤالٌ رئيسٌ شَائِعٌ ، بل وشائكٌ ضمنَ أبجديات الفلسفة الأنطولوجية داخل حقل الميتافيزيقيا ، وهو السّؤالُ الذى استهلَّ به "Nigel Warburton" كتابه (أسس الفلسفة) ، ضمن عدة مباحثٍ زعم الكاتبُ أنَّها المباحث الأكثر دورانا داخل الحقول الفلسفية دراسةً وفحصًا ، وفى سبيلِ ذلك قامَ بسرد معظم الحجج والبراهين التى يزعمها المتدينون تدليلاً على وجود اللهِ ، ثم أتبع ذلك نقدًا لتلك الفرضيات ، و ذيَّلها بالطعون التى وجهها منكرو الإله ضد هذه الفرضيات .. وأحد هذه البراهين وأشهرها هو برهان (التصميم والقصد) ، وهو ما يُعرف – أحيانًا – بالبرهان الغائى "Teleological Argument" ، وينصُّ على أنَّنا فى حال إذا ما نظرنا إلى العالم من حولنا لا يسعنا سوى أنْ ننساق إلى أنَّ كل شئ فى الطبيعة مناسبٌ للوظيفة التى يؤديها ؛ فهو مصَممٌ عن قصدٍ – مؤكدًا – وجودَ الإله ، وهذا البرهان يستمد ارتكازتهِ المنطقية مِنْ مِثالٍ يطرحه مؤيدوه ، وهو كون أنَّ العينَ البشرية تبلغ فى تعقيدها بلوغا يفصِحُ عن حقيقةِ أنَّها من تصميم إله قدير ، وعليم ؛ فالأمر هو كالنظر إلى ساعةِ يدٍ ، فإن سألتَ نفسكَ : منْ صنع هذه السّاعة ؟ ستجيب – حتمًا – إنَّه السّاعاتي ! فالإثنان متماثلان ؛ فإنْ قلتَ : صانع الساعة ساعاتى ؛ فالله إذن هو صانع العين البشرية ، وكأنَّ كل شئ فى الوجود يحمِلُ علامته التى تحيل إلى صانعه وهو "الله"


نقد برهان التصميم والقصد

عدَّة طعون وُجَّهتْ إلى هذا البرهان ؛ منها مَـا هــو قائمٌ على تبريراتٍ منطقية – بالنسبةِ لقائليها – ومنها مَـا هو متكئ على ملحوظات علمية ؛ إلاَّ أنَّ عملية التفنيد تلك لا تخلو من اعتراضاتٍ وطعونٍ أيضًا ، وهذا ما سنبينه لاحقًا ؛ لكن ما يعنينا الآنَ هو تحرير تلك الطعون التي سدَّدها معارضو برهانَ التصميم والقصدِ ..

زعموا فيما زعموا أنَّ البرهانَ المذكورَ يعتمدُ على مماثلة ضعيفةٍ ، فمن البديهات الوجوديةِ أنَّ هناكَ تماثلٌ كبيرٌ بينَ الأشياءِ الطبيعية ، وبيْنَ الأشياء التى نعلم يقينًا أنّهاَ صمَّمت ؛ "فمن غير الواضحِ أنَّ العينَ البشريةَ تشبه فعلاً السّاعةَ فى أى جانب منَ الجوانبِ" فإنَّ ساعة اليد مثلا وساعة الجيب قد يبرز منهما تشابه ، يحثنا على الاعتقاد بأنَّ الساعتين بنوعيهما من صنع الساعتيين ، ولكن التشابه بين الساعة ذاتها وبين العين البشرية هـو احتمالٌ ضعيفٌ ؛ نعم هما متشابهتان منْ حيث أنَّ كلا منهما معقدٌ ؛ غير أنَّه تشابه مبهمٌ ، وضعيفُ الأركانِ . نقدٌ آخرٌ تلقّاه برهان "التصميم والقصد" ولكن هذه المرّة على يدِ "Charles Robert Darwin" صاحب نظرية التطور ، فهى تعطى تفسيرًا للكيفية التى تجعل كل المخلوقات من حيوانٍ ونباتٍ ملائمًا لوظيفتهِ ؛ فقد أوضح "داروين" بمفهوم البقاء للأقوى والأنسب كيفية ملائمة المخلوقات لبيئاتها التى تعيشُ فيها ، ومن ثمَّ فإنَّ آلية التطور تحيل إلى علل ميكانيكية/بيولوجية فى فهم وتفسير ديناميكية الحياة بين المخلوقاتِ دونَ الرجوع فى سلسلة الخلق إلى إله قدير ، عليمٍ . وأمَّـا تتمَّة الثلاثية – أعنى الطعن الثالث – وهو ما سمَّاه "نيغل واربورتون" بـ محدودية الاستنتاج ؛ وها أنا أنقله بنصّهِ مع تصرَّفٍ يسيرٍ : (... التدقيق فى هذا البرهان – يعنى برهان التصميم والقصد – يبيَّنُ أنَّه محدودٌ منْ أوجهٍ عديدةٍ .
أولاً / يخفِقُ البرهانُ تمامًا فى تأييد الوحدانيةِ ؛ فحتى لو قبِلتَ بأنَّ العالمَ ، وكل شئ فيه يدلُّ بوضوحٍ على أنَّه جرى تصميمه ؛ إلاَّ أنَّه لا يوجد ثمّة ما يدعو إلى الإعتقادِ بأنَّه من صنعِ إلهٍ واحدٍ فقط ، فما الذى يمنع منْ أنْ يكونَ من صنع مجموعةٍ منَ الآلهةِ عملوا على ذلك سوية ؟
ثانيًا / لا يؤيد البرهانُ بالضرورةِ الرأى القائِلَ إنَّ المصمم قديرٌ ؛ فمنَ الممكنِ القولَ إنَّ فى الكونِ عددٌ منَ الأخطاء فى التصميمِ ؛ مثلاً العين البشرية تميل إلى الإصابةِ بقصرِ النّظرِ ، وبماء العينِ فى كِبر السّنِ ، وهذا ليسَ بعمل إلهٍ قديرٍ ، يرغبُ فى خلقِ أفضلَ عالمٍ ممكن ....)أ.هـ


نقد نقد برهان التصميم والقصدِ

منَ الأهميةِ بمكانٍ ، قبل الشروع فى نقد الطعون الموجّهةِ إلى البرهان ، أنْ أشيرَ إلى نقاطٍ تضع بين يدي القارئ ما انتويته ، وما اعتزمتُ من الأمر ؛ فلم يكن ، ولن يكونَ بغيتي من هذا المقال الجدال ، والمراء ؛ وإنَّما الأمرُ هو رياضية عقلية ، ومرانٌ على الكتابة الفلسفية ، وربما هذا هو السبب فيما ذهبتُ إليه ، منْ دفع ، وتفنيد النقد ذاته الذى أثير حول "برهان التصميم والقصد" دون الوقوف موقف الدفاع ؛ من خلال إظهار ، واختلاق نقاط حصينة منيعة فى البرهان ذاته ، فموقف الدفاع فى العلوم الفلسفية هو ، ولا شك موقفٌ ضعيفٌ ، ولعلَّ هذا الأسلوب هو إحدى آليات النقد والجدال فى القضايا العقلية ؛ وهو التحول من الدفاع إلى الهجوم ، وكما يقول عامة العقلاء "أفضلَ وسيلةٍ للدفاعِ هى الهجومِ" ، كما وأنَّ العقلَ المدبّر ، والمحرك الأول ، وعلّة العلل لهذا المقالِ هو ما استهلَّ به "نيغل واربورتون" كتابه المذكور آنفًا من ضرورةِ القراءة الفاحصة الناقدة لكتابهِ ، دون القراءة العقيمة التى تعمل على حفظ ، ونحت المعلومات داخل العقل ، وما ينتج عن عملية كتلك من اختزال ، وعشوائية فى أرشفة المعلومات ، ناهيك عن البلاهة ، وسوء الاستفادة مما نقرأ – وما أكثرها قراءة فى مجتمعاتنا – ولهذا استوى المقالُ على عوده كمناقشة هادئة ، وجدالٍ بالحسنى لما أورده الكاتبُ منْ أفكارٍ ، وبراهين ، وفرضياتٍ .

وأمَّـا الطعن الأول ؛ فالقدح ، والطعن به أولى وآكِـدٌ ؛ فالمماثلة الكاملة أمرٌ يندر حدوثه ، ولمتخيّلٍ أنْ يتخيَّل كيفَ أنَّ الساعة تشبه العينَ منْ كل جهةٍ ؛ فهذا ممَّا يأباه العقلُ ، ويستكرهه المنطِقُ ! فالأمر جاءَ فى غيرِ محلّهِ ، فليس للعينِ من ساعةِ اليدِ إلاَّ المماثلة فيما يتعلقُ بالتعقيد ، واستحالة أنْ يتكون نظامٌ/كائنٌ/عَالمٌ معقدٌ بمحض الصدفة ، فالتعقيد فى حد ذاتهِ كاشِفٌ ، ودالٌ على الوظيفية ؛ التى بدورها تُحيْلُ إلى إلهٍ خالقٍ للعينِ ، فالتشابه فى المثال المذكور آنفًا ضمنْ برهان التصميم والقصدِ ؛ هــو تشابه فى وجهٍ دونَ وجهٍ ، فالمثالان – أعني ساعةَ اليد ، والعينَ البشرية – متفقان منْ وجهٍ ، ومتعارضان منْ وجهٍ ؛ فإنَّ فحوى المثال ، وغايته هو ضرب من التمثيلِ والتقريبِ العقليين المجردين .

التفنيدُ التالى الموجّه إلى البرهان الغائى على محورين . .
أمَّـا الأولُ : فهو أنَّ برهانَ التصميم والقصدِ ليْسَ الدليل/التفسير الوحيد "للكيفيةِ التى تجعل كلَّ حيوانٍ أو نباتٍ ملائِمًا لوظيفتهِ" ، والنّقدةُ المعترضونَ ضربوا بنظريةِ التطور لداروين المثلَ فى قدرتها على تفسيرِ ملائمة المخلوقات لوظائفها داخلَ المنظومة الكونيةِ ؛ والحقيقةُ إنَّ ذلك ليسَ دليلاً اعتراضيًا البتةَ ، بله أنْ يكون دليلاً فى ذاتهِ ؛ فإنَّ وجود دليل يُعارِضُ دليلاً آخرًا ؛ لا يدعم – ولا بد – كونه الدليلُ الأجدرُ بالحقيقةِ ، أو الأقوى حجةً وبرهان !

وأمَّـا المحور الثانى : فقائِمٌ على افتراضِ أنَّ نظريةَ التطور آليةٌ منْ آلياتِ تفسير الكونِ ، والحياةِ ، ولتفنيد هذا التفنيد سوفَ أحرَّرُ الاعتراضات الموضوعيةِ – فى زعمي – التى وُجَّهتْ إلى نظريةِ ؛ أو بالأحرى إلـى فرضيةِ "تشارلز داروين" . .

فلسائل أنْ يسأل ؛ لمَ يتجنَّب التطوريون الحديث عن الحشراتِ ضمن مجال حديثهم عن ارتقاء ، وتطور بقية الكائنات؟ هل لأنَّ أقدم الحشرات تشبه الحشرات الموجودة الآن ؛ حتى إنَّه يمكنك أنْ تقول إنَّ علمَ المتحجرات "البالنتولوجيا" ليسَ بذى فائدةٍ هنا ، ولا يدخلُ فى نطاقهِ الحشراتُ بشكلٍ أو بآخرٍ ! ممَّا يكون ذلك حجرةً عثرة فى سبيل التعميم عند أهل النشوء والإرتقاء .. أضفْ إلى ذلكَ أنَّ الجدليةَ والصّراعات بينَ ذراتِ هذا الكون ، وذلك العالم الذى وصفوه بالتناحر بحيث يبقى منْ يبقى من الأقوياءِ (البقاء للأقوى) كلُّ ذلِكَ لا ينفى الطبيعة التعاونية بين المخلوقات ، ومبدأ التجانس ؛ فالنباتات تطلق الأوكسجين الضرورى للحيوانات ، والأخيرة تطلق ثانى أكسيد الكربون الضرورى للنباتاتِ وغيرها من نماذج التوازى والإتزان داخل عالم المخلوقاتِ .. أيضًا أجاد الراحل د/"مصطفى محمود" فى مواجهة التطوريين فى قولهم "البقاء للأصلح" عن طريق المِخلب والنّاب ، وأنَّ هذه الرؤية الفيزيقية لا تفسر لنا بقاءَ الأجمل كجناح الفراشةِ ، وريش الطاووس .
ويستحيل التصدى لفرضية "داروين" دون الولوج إلى أحد أهم مناطق الإنهيار ، والضعف داخل الفرضية المذكورة ؛ وهو ما يسمى بــ "missing link" أو الحلقة المفقودة ، وإنْ شئتَ قلت : حلقات مفقودة وليست حلقة واحدة ؛ فهل يمكنك أنْ تتخيَّل أنَّ تاريخًا أرضيًا يقتربُ منْ (1500 مليون سنة) لا نجد فيه أية متحجَّرة ، تؤكد ما زعمه "داروين" !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الآلاف يشيعون جـــــ ثمــــ ان عروس الجنة بمطوبس ضـــــ حية


.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا




.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله