الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعوذة التاريخ - مقدمة

موسى راكان موسى

2016 / 2 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



أمسى التاريخ حجة لكل من هبّ و دبّ ، حتى المرء الذي إنعدمت عنده الحجة أمسى التاريخ له حجة ! ــ يعود ذلك إلى كيفية فهم التاريخ ؛ فالفهم الذي يُميّز بين أنواع التاريخ و يتلمس حدود المدارس التاريخية و يعي تواضع العقل الفردي في إدراك كليّات التاريخ ، حتما يختلف عن الفهم الذي لا يُميّز بين أنواع التاريخ و يجهل المدارس التاريخية و يعتبر عقله الفردي هو هو عقل التاريخ .

ليس التاريخ هو الزمن الذي مضى ، و هذا من المسلمات البديهية ؛ فكل نقاش يطال ذلك الآن ليس إلا ترف و شيء من الحمق . و لكن التاريخ كلية تضم عددا من الكليّات المُترابطة بالنسبة له [ التاريخ ] ، لكنها في إستقلال نسبي عن بعضها البعض ؛ هذا الإستقلال النسبي باب لقطع شبه مطلق مع الكليّات الأخرى ، لكن دون التخلي عن التاريخ كصفة [ الجيولوجيا التاريخية مثلا ] ــ و لا ينحصر التاريخ بالمجتمع البشري ، إذ المجتمع هو الآخر ليس إلا كلية من كليّات التاريخ [ و هو ككلية أيضا يحوي كليّات ، هي أيضا بينها إستقلال نسبي ؛ الإقتصاد و الثقافة مثلا ] . كما أن التاريخ ليس ثابتا ، فهو مُتغيّر ، و في وضع حركة دائم ؛ و هذا ينطبق على كليّاته كذلك . و إن بدا لنا في الظاهر أن الثبات النسبي أرجح من التغيير و الحركة الدائمة [ من منطلق ذاتي و ظاهري ] .

* فمما سبق ــ لا شيء (كان : ماضيا) أو (يكون : حاضرا) أو (سيكون : مستقبلا) إلا و يحتويه التاريخ ، بغض النظر عن ماهيته أو دلالته ؛ فحتى الآلهة لا تحتوي التاريخ ، بقدر ما التاريخ يحتوي الآلهة . هذا الإحتواء سعى الإنسان لإدراكه ، أو [ لنكون أكثر دقة ] سعى لإدراك شيء من هذا الإحتواء ؛ هذا السعي جوهره القوة ، لذلك فالإدراك لم يكن دائما إدراكا للأشياء كما هي مُتموضِعة ، إنما إدراكا كما ينبغي له أن يكون مُلبيا نزعة القوة [ حتى حين صار الإدراك هو إدراك للأشياء كما هي مُتموضِعة ، إنما كان مُلبيا نزعة القوة ــ فلا يجب أن نقع ضحايا سذج لكلمات ذات غواية ، كمثل : (الحق) و (الحقيقة) و (السعادة) و ما شابه ذلك ] : و لهذا كان إختزال التاريخ في تناول الأوضاع البشرية حصرا بشكل مركزي و صراعي هو الغالب [ في تناول التاريخ ] .

إدراك التاريخ ككل معناه بكل بساطة : (إدراك كليّات التاريخ ؛ و هذه الكليّات بدورها تحوي كليّات أيضا) و (إدراك يتجاوز التغيير و الحركة الدائمة لكليّات التاريخ) ــ هذا الإدراك سيكون واقعا في حالة واحدة فقط : أن يكون المُدرِك إله مطلق ، و خارج التاريخ كله .

بذلك فستقتصر المحاولات الجدّية ، لإدراك شيء من كلية من كليّات التاريخ [ فيُمسي التاريخ صفة للجزء ] ، ليس إلا ؛ بغض النظر عن طبيعة العلاقة مع الكليّات الأخرى .

و في محاولة استهداف المجتمع البشري ككلية من كليّات التاريخ ، فهذا معناه أن المعني دراسته هو التاريخ البشري ــ لكن حتى في تناول التاريخ البشري ، فهناك كليّات يضمها [ التاريخ البشري ] ، ينبغي الإحاطة بها ككليات مُترابطة ، و إن كان بينها إستقلال نسبي . و لأن نزعة القوة تعتمل بوضوح في تحديد و تشكيل التاريخ البشري ، كانت الشعوذة تأكيدا لإحدى مظاهر نزعة القوة [ حتى في العكس ، أي مكافحة الشعوذة ، فنزعة القوة فاعلة ] . و الشعوذة إنما تقوم بالإنتصار للمساعي المموهة ، و حجب المغالطات ، و التغطية على ضعف الحجج [ إن وُجدت حجج أساسا ؛ فكما تقدم بنا القول (حتى من إنعدمت عنده الحجج أمسى التاريخ له حجة !) ] .


من الممكن تلخيص شعوذة التاريخ في تناول النقاط التالية :
* علمية التاريخ .
* التطور في التاريخ .
* محكمة التاريخ .
* حتمية التاريخ .


في الختام ــ ليست الشعوذة [ بشكل عام ] خصيصة جماعة دون غيرها من الجماعات ، أو فرد دون آخر ؛ و إن كانت تتجلى عند البعض أكثر من البعض الآخر ؛ الماركسيّون [ العقائديّون ] لهم نكهة خاصة في الشعوذة . فحين كان يقول ماركس (( إني قادر على فهم قوانين الرياضيات ، لكن حيال أبسط الوقائع التاريخية التي تتطلب الحدس ، أجد نفسي في وضعية صعبة ، مثل أغبى الأغبياء )) ، نجد الماركسيين يتجاوزون أغبى الأغبياء هذا ، في التاريخ ؛ بل و يبلغ بالبعض منهم أن يتصيّر إلها مطلقا ، فيقع خارج التاريخ ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية
حميد خنجي ( 2016 / 2 / 10 - 21:59 )
مقال غني دسم لمن يتأنى الفهم

اخر الافلام

.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح


.. الرئيسان الروسي والصيني يعقدان جولة محادثات ثانائية في بيجين




.. القمة العربية تدعو لنشر قوات دولية في -الأراضي الفلسطينية ال


.. محكمة العدل الدولية تستمع لدفوع من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل




.. مراسل الجزيرة: غارات إسرائيلية مستمرة تستهدف مناطق عدة في قط