الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخلاقنا وأخلاقهم

طارق المهدوي

2016 / 2 / 11
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



يفرز نمط الإنتاج القائم في الحياة الاقتصادية لأي مجتمع كل ما يحيط به من أوضاع اجتماعية وسياسية بل وفكرية وثقافية وأخلاقية أيضاً حيث تنتج الفئة المسيطرة على الثروة وبالتالي على السلطة المنظومة الأخلاقية الأنسب لضمان استمرار سيطرتها، مما يعني أن الأخلاق السائدة بأي مجتمع ليست سوى بناء فوقي منبثق عن قاعدة الحياة الواقعية التحتية للمجتمع ذاته في تجلياتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ومع ذلك فإن المنظومة الأخلاقية بمجرد اكتمال ملامحها تحصل على استقلالية حركية نسبية عن قاعدتها الواقعية كإحدى ضرورات المناورات اللازمة من جانبها لدعم الفئة الاجتماعية المسيطرة على الثروة والسلطة، سواء بالنظر إلى ضرورة ابتكار المنظومة الأخلاقية لكل ما من شأنه تقوية تلك الفئة وظيفياً وبنائياً مع تهيئة الأوضاع المحيطة بها حتى تستطيع الاستمرار في هزيمة خصومها، أو بالنظر إلى ضرورة ابتكارها لكل ما من شأنه ترويج الصفة المخادعة التي تنتحلها لنفسها باعتبارها أخلاق عامة محايدة ترعى المصالح المجتمعية المشتركة حتى تستطيع احتواء وتطويق الجماهير الافتراضية لخصوم الفئة المسيطرة فتحرمهم من عناصر قوتهم، أو بالنظر إلى ضرورة استخدام تلك الفئة لبعض دهاة المحترفين من رجال الدين والمفكرين والفنانين والإعلاميين والمشرعين ورجال القانون لإخراج وترويج ومتابعة الأخلاق التي تنتجها، ونظراً لأن المنظومات الأخلاقية تابعة من حيث نشأتها البنائية ومستقلة من حيث حركتها الوظيفية فهي تخوض الصراعات المجتمعية لصالح الفئات المسيطرة بالوجهين التابع والمستقل معاً، وإذا كانت الفئة المسيطرة على الثروة والسلطة وبالتالي المنتجة للأخلاق السائدة في مصر المعاصرة هي الأضيق اجتماعياً لاقتصارها فقط على الأقلية الأوليجاركية المشوهة من قادة الجيش والشرطة والقضاء والسلك الدبلوماسي، وإذا كانت القوى الوطنية الديمقراطية ذات الأبعاد الاشتراكية التي تضم تحالفاً افتراضياً من الماركسيين والليبراليين والقوميين هي صاحبة التعبير الحقيقي عن الفئات الاجتماعية الأوسع في مصر المعاصرة أي العاملين والفلاحين والعاطلين المحرومين من الثروة والسلطة، فإنه يكون حرياً بهذه القوى وهي تخوض صراعها الاقتصادي والسياسي ضد الفئة المسيطرة أن تطرح لصالح الأغلبية الجماهيرية الكاسحة من أنصارها المنظومة الأخلاقية الأنسب لها ولهم، والتي يجب أن تكفل تحقيق أقصى قدر ممكن من اعتبارات السلامة والعدالة والحرية والمساواة والخير والسعادة والرفاهية والجمال والآمان والاندماج والإبداع والعقلانية وغيرها، مع المواجهة الإيجابية لكافة المشكلات الأخلاقية المزمنة بين المتضادات التقليدية التي يكون لطرفيها درجات متقاربة من الوجاهة والمشروعية لحلها على نحو يرضي الطرفين معاً، سواء كانت تلك المشكلات طبيعية أو موروثة وسواء كانت قائمة داخل أروقة الدولة أو المجتمع أو السوق أو العلاقات الخارجية، وإذا كانت الفئة المسيطرة على الثروة والسلطة في مصر المعاصرة تتسم بطابعها الفاسد والمستبد والتابع الذي لا يفرز سوى أخلاق انتهازية أنانية من جهة وإقصائية تجاه الآخر الداخلي من الجهة الثانية ودونية تجاه الآخر الخارجي من الجهة الثالثة، فإن المنظومة الأخلاقية المستهدفة من قبل القوى الوطنية الديمقراطية ذات الأبعاد الاشتراكية تبدو على نقيضها تماماً وذلك بالنظر إلى الحقائق التالية:-
1- تترجم المنظومة المستهدفة أخلاق الأغلبية الجماهيرية الكاسحة باعتبار أن منتجيها هم المعبرين الفعليين عن المصالح الواسعة لهذه الجماهير حتى لو كان بعضهم مازال مخدوعاً بأخلاق الفئة المسيطرة التي لا تعبر سوى عن المصالح الضيقة المعادية للجماهير.
2- تعترف المنظومة الأخلاقية المستهدفة بوجود الصراع المجتمعي وتضع القواعد الكفيلة بالممارسة الإيجابية لهذا الصراع وصولاً إلى استثماره من أجل تحقيق أكبر فوائد أصلية متاحة مع أقل خسائر جانبية ممكنة لصالح المجتمع كله بكافة فئاته، وذلك على عكس قيام الفئة المسيطرة عبر أخلاقها السائدة بنفي وإنكار وجود الصراع المجتمعي أو بطمسه وتزييفه الأمر الذي يؤدي حتماً إلى المزيد من الاحتقانات والانحرافات داخل المجتمع.
3- تسعى المنظومة الأخلاقية المستهدفة لاستخلاص مكوناتها البنائية ومقوماتها الوظيفية من الواقع المصري المعاصر وليس من أي تاريخ قريب أو بعيد وليس من أي جغرافيا قريبة أو بعيدة كما هو حال أخلاق الفئة المسيطرة.
4- تحرص المنظومة الأخلاقية المستهدفة على التغلغل والانتشار الطوعي والاختياري داخل الدولة والمجتمع والسوق والعلاقات الخارجية، دون استخدام أية ألاعيب كهنوتية دينية على الأصعدة الغيبية أو القدرية أو الاتكالية ودون أية إجراءات رسمية قانونية بالتهديد أو الإغراء ودون أية وصاية نخبوية تبشيرية تمارس التوجيه الفوقي عبر قوائم الإرشادات والينبغيات.
5- تدرك المنظومة المستهدفة أن الأخلاق حالة مرنة قابلة للإحلال والتجديد والاستبدال والتحديث والتطوير بشكل مستمر تبعاً لما يحدث في القاعدة المجتمعية الواقعية التحتية من تغييرات اقتصادية واجتماعية وسياسية وفكرية وثقافية أولاً بأول.
طارق المهدوي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيضانات عارمة تتسبب بفوضى كبيرة في جنوب ألمانيا


.. سرايا القدس: أبرز العمليات العسكرية التي نفذت خلال توغل قوات




.. ارتقاء زوجين وطفلهما من عائلة النبيه في غارة إسرائيلية على ش


.. اندلاع مواجهات بين أهالي قرية مادما ومستوطنين جنوبي نابلس




.. مراسل الجزيرة أنس الشريف يرصد جانبا من الدمار في شمال غزة