الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد باقر الصدر.. عبقرية نادرة في زمن الازمات*

نزار جاف

2005 / 11 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عندما قرأت کتاب"فلسفتنا"للمفکر الشهيد محمد باقر الصدر في أواسط الثمانينات من الالفية السابقة، إنبهرت کثيرا بالفهم و التناول العميقين اللذين کنت أستشعرهما في أسلوب تناوله و مناقشته و محاججته للمدارس الفلسفية المتباينة و کيف أن الروح العلمية في البحث عن الحقيقة کانت قبس و منار هذا الراحل الکبير. حينها، کنت قد سمعت بالنبأ المفجع لإعدامه على يد الطاغية الارعن في بغداد، ولم أجد نفسي إلا تواقة لکي تنهل من بقايا تراث هذا الرجل العظيم، فقرأت له"إقتصادنا" و"البنک اللاربوي" و "مجتمعنا" و"المدرسة القرآنية"، والحق أنني وجدت نفسي أمام ظاهرة إستثنائية من حيث سعة الافق الثقافي و الاسلوب الامثل لمناقشة الاخر و محاججته وفق مبدأ إستقرائي جزل يتميز بالعمق في فهم و إستيعاب الطروحات الفلسفية. والذي إستوقفني طويلا هو تناوله لموضوع الاقتصاد و بصورة علمية تماما وکأن الذي يتناول الامر ليس برجل دين وإنما عالم إقتصاد متخصص و ذو فهم ثاقب في مجال إختصاصه، وحين تطالع کيفية تناوله لأسس و مبادئ ادم سميث و ديفيد ريکاردو الاقتصادية و کيف أنه يناقش و يحلل تلک الأسس و المبادئ و يحاول الخروج بمعطيات مقبولة مستقاة في ضوء فهم و إستعياب دقيق لها، کما أن ذلک التناول المميز للأسس التنظيرية لکارل مارکس في کتابه"رأس المال" وأسلوب طرحه لنظرية"فائض القيمة" وإقراره بحقانية المنظور المارکسي للظلم الواقع على الطبقات المسحوقة، فإنک تشعر أنک أمام طاقة عبقرية فذة تشرئب بالتوجه نحو الإستزادة من التراث الانساني على إختلاف مشاربه و تياراته من دون التقوقع داخل زوايا التحجر الديني أو الفکري أو العرقي. ولعل جرأة تناول هذا المفکر للفلسفة الليبرالية و إعترافه بأن الإهتمام الإستثنائي لها بمسألة الحرية هي من النقاط الإيجابية التي لابد من الثناء عليها و الوقوف عندها تماما مثلما وقف أمام مسألة فائض القيمة عند کارل مارکس وهي تؤکد أن هذا المفکر الکبير وإن کان مرجعا إسلاميا له قاعدة جماهيرية واسعة، إلا أنه رغم ذلک کان ذو أفق واسع من أبرز سماته الإنفتاح على کل ماهو إنساني ومحاولة إدافته و إضافته لخزينه الفکري الثر. وإذا کانت العديد من الکتب التأريخية تروي الظلم الکبير الذي أوقعه الخليفة العباسي"هارون الرشيد"بأحد أبرز أئمة الشيعة وهو الإمام"موسى إبن جعفر"، فإن العالم الجليل محمد باقر الصدر حين يتعرض تأريخيا للرشيد، فإنه يطلب من تلامذته أن لا يتسرعوا في الحکم على خليفة کان يخاطب الغيمة بقوله"إمطري حيثما شأتي فسيأتيني خراجک"، وأن يضعون أنفسهم مکانه لکي يرون هل کان بوسعهم أن يفعلون شيئا مغايرا للذي فعله الرشيد؟وهو بهذا الامر يکاد يجسد ذلک الرأي السديد الذي يقول"لکي تعرف ماهية ونفس الانسان فأعرض عليه أما السلطة أو المال"، هذا الاسلوب الإنساني الامثل في محاکاة الخصم، هو بالذات مايحتاجه المجتمع الدولي في الوضع الراهن، إذ أن تصور کل الکرات في سلة واحدة أو النظر الى النصف المملوء للقدح وعدم الإکتراث لنصفه الاخر هو الذي يتحکم بالعالم. الصدر الذي يملک من الجرأة و الشجاعة بحيث يدعو تلامذته للتريث في الحکم على خصم تأريخي للشيعة"على الرغم من صحة الادلة التأريخية بهذا الصدد"هو بحق الرجل الذي نفتقده اليوم بين ظهرانينا و يحتاجه لا المجتمع الإسلامي الذي تتقاذفه التيارات الفکرية التي تجنح نحو الإنغلاق و المزيد من التشدد لوحده، وإنما کل المجتمعات الإنسانية الاخرى التي تعيش أزمات طاحنة تنبع جلها في زاوية عدم فهم وتقبل الاخر، وهنا تحضرني قصيدة"Simpthy" (العاطفة) لجون لينون والتي ذاعت شهرتها في فترة زمنية معاصرة للمفکر الصدر، والتي يقول فيها:
"حاليا نصف العالم يکره النصف الاخر
والعاطفة هي مانحتاجها يا صديقي(1)"
ولو کان قد تسنى لجون لينون أن يسمع بهکذا طرح وفهم للآخر، لکان من المأخوذين بهذا الداعية الإنساني الذي قلما يجود الدهر بأمثاله وهو بحق فلتة زمانه و ظاهرة ليس من السهولة تکرارها، لقد کان الرجل المناسب في الزمن المناسب لکن رجلا غير مناسبا في مکان غير مناسب له قد حرم الإنسانية من العطاء الثر لهذا المفکر الإنساني.
إن الصدر الذي کان خطابه عاما و شاملا وکان يخاطب السني قبل الشيعي و الکوردي قبل العربي، وهو الذي أفتى بجواز الصلاة خلف الإمام السني، کان يجسد ظاهرة و إتجاها فکريا تنويريا منفتحا تمام الإنفتاح على کل التيارات الفکرية و المذهبية الاخرى وهو أمر لم يکن من السهولة في ذلک الزمن الصعب أن تجد من يجرأ حتى على مجرد الفکير به، هو الرجل الذي تحتاجه الساحة العراقية في وضعها الراهن وهو النموذج و المثل الاعلى الذي لابد من الإقتداء به في ظلمة هذا المفترق الخطير الذي يمر به العراق، فهل هناک من صدر آخر؟!

*ملحوظة: کتبت هذه المقالة ردا على تلک التساؤلات و الإستفسارات التي وردتني حول السبب في إهتمامي بالمفکر الراحل محمد باقر الصدر و مالدوافع الکامنة وراء ذلک، والحق أن هذا الرد هو شئ متواضع أمام ذلک التوقير و التبجيل الذي أکنه في أعماقي لهذا المفکر العظيم.
(1) Naw half the world hate the other half
and simpthy is what we need my friend.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما حدث لناطحات سحاب عندما ضربت عاصفة قوية ولاية تكساس


.. المسيرات الإسرائيلية تقصف فلسطينيين يحاولون العودة إلى منازل




.. ساري عرابي: الجيش الإسرائيلي فشل في تفكيك قدرات حماس


.. مصادر لـ-هيئة البث الإسرائيلية-: مفاوضات إطلاق سراح المحتجزي




.. حماس ترد على الرئيس عباس: جلب الدمار للفلسطينيين على مدى 30