الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المثقفون واوهام أهل الكهف

عزيز مشواط

2005 / 11 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تساءل العروي في خاتمة كتابه الموسوم "بالعرب و الفكر التاريخي") 1973(والذي جاء في اعقاب هزيمة 1967 :هل النخبة المثقفة قادرة على تجاوز افقها الخاص و مصالحها و افق الطبقة التي كونتها وتتطلع الى مجتمع أكثر عصرنة و اكثر تطورا )العرب و الفكر التاريخي ص217(
نبعت اسئلة العروي من خيبة امل عميقة زاد من عمقها الامال التي كان قد بناها على النخبة المثقفة فيما سيكتشف لاحقا بانه نزعة طوباوية كشفت عجز النخبة المثقفة ذاتها بفعل هزائمها المتوالية وعدم قدرتها على التخلص من اوهام الحداثة و التطور.
لكن دعنا نتساءل لماذا تزداد خيبة الامل من امكانية انتقال المثقف المغربي من مجرد مستهلك تابع الى الى المبادر المنتج؟ ولماذا يزداد المثقف هامشية اليوم ؟ وما الذي ادى بالنخبة الى التخلي عن ريادتها وقدرتها على التغيير ؟ ولماذا لم تستطع النخب التي وصلت الى الحكم ضمان التجسيد الفعلي لشعاراتها و افكارها على ارض الواقع ؟ولماذا تخلت النخبة عن شعاراتها و انساقت وراء الامتيازات بل ان النخب التي امتلكت بعض وسائل السلطة شكلت نمط حكم ونماذج هي الأسوء من نوعها على الاطلاق؟
مشكلة المثقفين الأساسية مع افكارهم،فالمثقفون هم بالدرجة الاولى ضحايا افكارهم ونمط التفكير لديهم ،خاصة عندما يتحولون الى باعة اوهام و حراسا لافكار عتيقة و بالية على حد تعبير المفكر الفرنسي ريجيس دوبري .
ان النقد الاكثر جذريةيجب ان يوجه الى الى انماط تفكير المثقفين ومن دون ذلك سيكون الكلام اشبه بصب الماء في الرمل اصة و ان خطاب المثقفين يمارس نوعا من الاخفاء و الالتباس عندما يركز على نقد السلطة التي تصبح دثارا يخفي به المثقف ازمته الحقيقية التي تجعل منه عاجزا وتابعا عوض دينامية الفعل العضوي المسهم في التغيير.
صحيح ان ازمة المثقف لدينا اكبر من ان تختزل في جانب دون أخر لكن للأزمة وجه اخر اكثر شراسة وخطورة :انها نخبوية المثقف الذي يتعيش من الكلام عن مصالح" الجماهير".فهل مجرد اعلانات الحرية وبيانات الحقيقة وادعاءات المشروعية كافية لفك عزلة المثقف وهامشيته؟
الملاحظ لما يجري في اروقة خطاب المثقف العربي عموما و المغربي خاصة ،لابد ان يستخلص مساران اثنان اختطهما المثقف لنفسه او اجبر على الانضواتء تحتهما.
اما المسار الاول فيدافع عنه مثقفون اختاروا الانعزال في اوهام السلطة فتبنوا ايديولوجية وظيفية اساسها الحفاظ على الأنظمة القائمة ،فاستغلتهم السلطة القائمة من خلال تاريخهم النضالي ،فتلاقت رغبتهم في كسب الغنائم مع رغبة السلطة في تلميع صورتها ،فحدث ذلك التماهي مع السياسي قبل ان يسقط المثقف في الثنائية القاتلة التي تعتمد التفريق بين الطليعة و الجماهير ،وهو الشعار الذي يتم تبنيه ضمنيا لتبرير الاحقية في الذوذ عن مصالح الجماهير التي لا يزداد المثقف الا ابتعادا عنها .
اما التوجه الثاني فان اوهامه من طبيعة مغايرة وتتمثل في فشل المثقفين في التعاطي مع المتغيرات و الوقائع الجديدة ،و احساسه الدفين بان الاحداث تتجاوزه مما يحيلهم الى حراس امناء لافكار ميتة ،فيصدق فيهم وصف علي حرب الذي اطلق عليهم تسمية "اهل الكهف"نظرا لعجهم عن التكيف مع المتغيرات الجديدة في عالم لا يومن بالمثقف "المحفلط المزفلط الكثير الكلام" .ما جدوى اذن ان تكون مثقفا ؟ وماجدوى الاستمرار في نرجسية تومن بالتفوق في عالم شدديد التعقيد ؟
يعرف ريجيس دوبري المثقف بكونه "الشخص الذي يدلي بدلوه في المجال العمومي و يعلن للملا اراءه الخاصة " تعريف دوبري يجعل من المثقف فاعلا في الساحة العمومية لكن بالمقابل يقيده بارتهانات خاصة في عالم متعدد الوسطاء الاجتماعيين و مدجج بفاعلين جدد لم يعودوا قادرين على السماح لا صحاب الخطب العصماء التواجد والانتشاء بنرجسية جوفاء.
في عالم تسيطر عليه الصورة لم يعد المثقف ولو على الصعيد العالمي يحظى بتلك الهالة القدسية القديمة ،حيث تراجع دوره مع تراجع دور الكلمة المكتوبة فلم يعد المثقف هو الذي يصنع العالم ،بل صار في محيط الفعل فاعلون جدد هم الاقدر على صناعة الاحداث و التاثير فيها ،فلم يعد المثقف هو الوحيد الذي يحتكر الى جانب السياسي سلطة التاثير ،لقد اقتحم الميدان رجال الاعمال ومصمموا الأزياء ونجوم الغناء ،وأبطال الأفلام ،ونجوم كرة القدم،وأباطرة الاعلام .
اعتقد ان ظهور فاعلين اجتماعيين جدد مسلحين باحدث مانتجته حضارة الصورة يشكل الرواق الامثل لاقتحام عوالم هزيمة المثقفين و التساؤل حول جذورها بهدف فتح حوار حقيقي بعيدا عن أوهام السياسة و مزايدات الايديولوجية الثقافية.
وعلى هذا الأساس تجد مجموعة من الاسئلة شرعيتها الى فرض نفسها وهي كالتالي:
هل يمكن ارجاع هزيمة المثقف الى ارتهاناته الايديولوجية و الى ذلك التوحد بينه و بين السياسي الى الحد الذ اصبح فيه اداة طيعة في يد رجل السياسة و الناطق الرسمي باسمه املا في مصالح شخصية و انية؟
وهل يمكن البحث عن هزيمة المثقف بارجاعها الى ضعفه المعرفي بالمستجدات في عالم الافكار و المفاهيم ؟
وهل يمكن البحث عن هزيمة المثقف في مجال اخر مرتبط بتعميم قيم عالمية في سياق دولي كوكبي لا يومن الا بالمؤسسات ذات التمويل و الانتاج الضخمين؟
يبدو ان السؤالين الأول و الثاني يبقيان على درجة عالية من الاهمية غير ان السؤال الثالث يحتوي على راهنية بالغة في عصر الصورة الالكترونية العابرة للقارات و المقلصة للمسافات والمبشرة بعالم تنتفي فيه الحدود ،ولاتنضب فيه صناعة النماذج بدءا من صناعة نجوم كرة القدم ونجوم الغناء وصولا الى المنتوجات القيمية ذات الصبغة العالمية والتي تقودها شركات متعددة الجنسيات تروج لشباب الكوكاكولا الطافح بالحيوية و الدائم النجاح...
الكليبات التلفزية،صور شاربات الكوكاكولا الجميلات،صورالنجاح الرياضي ،موسيقى الدجي دجي،الروكوالبوب و الهاردروك ،النزوع السينمائي نحو الليبرالية الاستهلاكية.... عندما توجه في اطارمنظومات اعلامية متكاملة تسهر عليها مؤسسات اعلامية و انتاجية بتمويل ضخم لا يمكنها الا ان تخترق اشد المنظومات الثقافية و تالقيمية صلابة و لا يمكن الا ان تودي بجدار المقاومة التقليدي الى التهلكة .فتبدو صورة المثقف التقليدي في برجه العاجي اقرب الى المسخرة منها الى الفاعل العضوي .
الم يقل ريجيس دوبري"ان الشباب الدائم ،شاربات الكوكاكولا الجميلات ،ورجولة الكوباي المدخن للمارلبورو ،وموسيقى الروك... ربما عملت على قلب الشيوعية في اوربا الشرقية أكثر مما فعلته مؤلفات سولجستين اوبيانات هافيل"
المثقف المغربي مطالب بطرح الاسئلة الحقيقية اما حراسة الافكار الميتة والبحث عن المنافذ الصغيرة لحفظ الامتيازات فلن تسهم سوى في تحوله الى كائن كاريكاتوري يثير الشفقة اكثر من غيره من البؤساء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -