الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن أهل الحبّ وحملة لوائه

أماني أريس

2016 / 2 / 14
المجتمع المدني


لا يختلف عاقلان عن حجم التمزّق والتناقض الذي يعيشه الكثير من أفراد مجتمعنا اليوم، مرجفين مزاجيا، متأرجحين سلوكيا، يقفزون بالقيم عن واقعها فيصورون أنفسهم أبطالا مثاليين أكبر من حجم الحياة، بينما يرصدها الناظر في سلوكياتهم تتهاوى تباعا، وهذه النتائج في الحقيقة ما هي سوى تحصيل حاصل في مجتمع ضاعت منه بوصلته، وغدا أبعد ما يكون عن هويته التي ينافح عنها.
في الوقت الذي اِزدانت فيه واجهات المحلات بالدّباديب والقلوب والورود الحمراء، وضبط الكثير من المحبّون - صدقا أو زيفا- ساعاتهم على يوم " السان فالنتين " كلحت وجوه البعض وراحوا يخوضون حروبا واقعية وافتراضية، يرغون ويزبدون فيها حول أمر هذه المناسبة، ويفتون فيما هو مستهجن لدى الخاص والعام بالفطرة، قبل أن يكون بالتفقّه والإطلاع.
ليس غريبا أن يُربط الحبّ لدى بعضهم، بكل معاني الاستلاب الفكري والإسفاف والرذيلة، فالنصف الفارغ من الكأس هو قضية من لا قضية له، وشوك الورود هو حجّة النفوس النّاقمة على الجمال، وبعضهم لا يجدون ذواتهم سوى في التهجم والتضييق والمزايدات على غيرهم في التدين والأخلاق، متناسين أن دين الإسلام هو بالأساس دين المحبة، وأن العديد من أسماء الله الحسنى تحمل معاني الحب والمودة والرحمة.
نعم نحن المسلمون أهل الحبّ ونحن حملة لوائه، وحقّ لنا قبل غيرنا أن نوطّن هذا الشعور النبيل في مجتمعاتنا، ونجعل له مناسبات خاصة للتعبير عنه مطلقا، وليس فقط حصرا له بين الرجل والمرأة، وإن كان هذا الأخير من أعظم ما تعلّمه الغرب عن العرب، في شكله العذري النقي، فقد تأثر المستشرقون تأثرا كبيرا بطريقة الحبّ العفيف بين الرجل والمرأة، وأعجبوا أيما إعجاب بذلك الوِجد المنساب قصائدا خالدة، فانتثر عبق الزّجل والموشحات الغزلية في كل ربوع أوروبا.
إن كان هناك ما يعيب عن الحبّ في عصر الإشتراكية المعنوية هذا؛ هو تأميم " اِسمه " في أمّة تمر بأحلك ظروفها، حيث كثر الفاست لوفيون المقلّدون المزيّفون الذين لا يعرفون لحبّ ذواتهم سبيلا، فكيف يصدقون في حبّ غيرهم ؟ فهؤلاء الذين شابوا شعور الحبّ النبيل بنزواتهم وشهواتهم ومصالحهم، هم من خمس كفّ التحالف مع المتزمتين المتدعوشين ليطمسوا الحبّ النبيل من خلال تجاهل كل نماذجه السامية والتركيز على رهن اِسمه بكل قبح وفاحشة.
فما أكثر من يحاضرون اليوم في هوية المناسبة، ويحذّرون الشباب من مغبة الوقوع في الحبّ، بدل محاولة نفض الغبار عن معناه كنزعة فطرية روحية عذبة، تصقل الطباع، وتهذب النفوس، فهو كما وصفه الإمام ابن حزم الأندلسي في كتابه الشهير طوق الحمامة؛ ليس بمنكر في الديانة ولا بمحظور في الشريعة؛ إذ القلوب بيد الله عز وجل. وقد أحب من الخلفاء المهديون والأئمة الراشدون وكثير من الصالحين والفقهاء في الدهور الماضية، والأزمان القديمة.
وقلّما نجد من يستغل المناسبات ليجلّيه قصصا هادفة تكرس لمبادئ الإنسانية والوفاء والرجولة والمسؤولية، ويعود إلى عمق تراثنا الشعبي ليروي للأجيال عن قصة حب ذياب والجازية، ومحمد بن قيطون وحيزية، ومهنى ورابحة، إضافة إلى ما يعرفونه عن قصة قيس وليلى وعنتر وعبلة ليعلمهم كيف كان معنى الحبّ لدى أجدادنا.
وإنه لمن المؤسف أن نجد في مجتمع يدين بدين السلام والمحبة من يسعى إلى القضاء على الحبّ من خلال التركيز فقط على معناه لدى المتطفلين عليه والمتجارين باسمه، حتى غدت حياتنا جافة جافية، يستحي فيها الزوج من مغازلة زوجته، والإبن من تقبيل والدته، والأخ من ملاطفة أخته.
الحبّ هو ثروة كل إنسان لم تنتكس فطرته، وميراث كل حكيم ساس الحياة وفرز شطورها، وعرف أن السعادة الحقيقية لا تكون إلا بالمحبة والتسامح والخير، وقد كتب ستيف جوبز ملك شركة آبل آخر خواطره وهو على فراش الموت يقول فيها :" نحن كائنات يمكن أن تشعر بالحب، الحب كامن في قلب كل واحد منا، و مصيرنا يجب أن لا يكون فقط الجري وراء الأوهام التي تبنيها الشهرة أو المال الذي أفنيت من أجلهما حياتي، ولا يمكنني أن آخذهما معي الآن ، لا يمكنني أن آخذ معي إلا الذكريات التي تَعَزَّزَتْ بالحب... اِجمع كنزك من حب عائلتك، من حب زوجتكَ أو زوجكِ، من حب أصدقائك.. أعتني بنفسك جيدا و اهتم بأقربائك."








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو


.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين




.. السودان.. طوابير من النازحين في انتظار المساعدات بولاية القض


.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون في تل أبيب للمطالبة بعقد صفقة تبا




.. مجلس الحرب الإسرائيلي يجتمع لدراسة رد حماس على مقترح صفقة تب