الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعوذة التاريخ - التطوّر في التاريخ

موسى راكان موسى

2016 / 2 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




التطوّر يطال كل شيء ، و كل الأشياء قابلة للتطوّر ، و هذا من بديهيات هذا العصر ؛ فلا وجود لشيء ثابت لا مُتغيّر ، سواء ذاته أو لغير ذاته ــ و لسوء الحظ أن التطوّر يعتمل دون أن يستثني حتى مُنكريه أو مناهضيه ؛ فعلى الرغم من إنكارهم للتطوّر ، إلا أن التطوّر يطال فكرهم المناهض للتطوّر ذاته [ الفكر المناهض للتطوّر هو نفسه يتطوّر ! ] ، بل إن المحيط الذي يحتويهم هو نفسه ليس بثابت [ أساليب العيش في تطوّر ] .

فإن كانت الأشياء في إنفرادها في تطوّر ، فهل في وجودها في كلية ما يجعلها ثابتة دون تطوّر ، أم أن التطوّر نفسه ينسحب على الكلية الحاوية ذاتها ، فتصير الكلية هي أيضا في تطوّر ؟! ــ الأمر لا يحتاج لسفسطة ما لإثبات أن الكلية تصير في تطوّر ؛ بالتالي فمن البديهي القول بأن التاريخ من حيث هو كلية ، هو في تطوّر .

صحيح أن هناك كذا رؤية مختلفة للتطوّر في التاريخ ــ فمثلا هناك من حدد الأطوار التاريخية بالتالي : (الطور الزراعي) / (الطور الصناعي) / (الطور الما بعد صناعي) ، و هناك من حددها بالتالي : (الطور البدائي) / (الطور العبودي) / (الطور الإقطاعي) / (الطور الرأسمالي) ، و غير ذلك من تحديدات تطوّرية .

الإختلاف في تحديد الأطوار و تسميّتها ، يعود إلى إختلاف المناهج ؛ و هو جائز ما دام المسعى هو تحديد الطور التاريخي ، ليس إلا ــ لكن الإختلاف في ما يكمن وراء هذا التحديد التطوّري ، أو الإختلاف الذي يكمن وراء القول بالتطوّر في التاريخ ، هو إختلاف القواعد ؛ فهناك قاعدة علمية ، و هناك قواعد لا علمية ، يجري الإنطلاق منها // فعلى الرغم من أنها جميعا تقول بالتطوّر في التاريخ ، إلا أن التطوّر ذاته مُختلف فيما بين القاعدة العلمية و القواعد اللا علمية .

و كي يتضح الأمر ، لنتدبّر النقاط التالية :
1. التطوّر في التاريخ بذاته لا معنى له ؛ فارغ تماما من المعنى [ نحن من أوجد المعنى ، بل أكثر من معنى و دون تحديد نهائي ] .
2. التطوّر في التاريخ بذاته ليس تقدميا ، و ليس رجعيا ؛ نحن من يرى إن كان طور ما يُمثل طورا تقدميا ، أم طورا رجعيا ، بغض النظر عن الأسباب [ و غير ذلك من صفات نلصقها بالطور ] .
3. التطوّر في التاريخ بذاته لا غائي ، و لا قصدي ، و لا واعي ؛ هذا لا يعني إلغاء إمكانية المقدرة للدفع إلى طور كغاية بقصد و عن وعي [ إلا أن هذا ليس سهلا ، كما قد يتوهم البعض ؛ فالتطوّر لا يخضع لقدرة و رغبة البشر ــ مُتجاوزا كل غاياتهم و مقاصدهم و وعيهم ] .
4. التطوّر في التاريخ ليس أناركيا ؛ إذ يخضع لسببية تكمن فيه نفسه [ الطور التاريخي ذاته ؛ بما يحتويه و يحدده و يحدّه ] ، و إن جهلناها .
5. التطوّر في التاريخ لا يسير أفقيا أو عاموديا أو دائريا أو لولبيا ؛ فكل (من طور إلى طور) هو سيرورة بصيرورة خاصة مميزة بذاتها ، إنطلاقا من السببية الكامنة فيها نفسها [ بغض النظر عن علمنا أو جهلنا بها ] .
6. التطوّر في التاريخ لا نهائي ؛ نهاية التاريخ أكذوبة إيديولوجية أو وهم عقائدي .
7. التطوّر في التاريخ غير مشروط بإدراكنا أو وجودنا ؛ فسواء أأدركنا أم لا ، أو كنا موجودين أم لا ، فإدراكنا و وجودنا ليس شرطا للتطوّر في التاريخ [ لكننا جزء منه ، و نتطوّر ] .

فكل من يحيد عن هذه النقاط السبعة في قوله بالتطوّر في التاريخ ، إنما هو يُشعوذ بالتطوّر في التاريخ ــ فلا التاريخ يسير خطيا أو يسير تقدميا ، و لا يتصيّر بإرادة إله أو إنسان ، و الظواهر التي نعتقد أنها دليل على أناركية التاريخ ، هي دليل على جهلنا بالأسباب لا أكثر ؛ فلا نهاية أو غاية أو عقل أو قصد أو معنى أو وعي للتطوّر في تاريخ .


في الختام ــ ليس لنا في مواجهة التطوّر في التاريخ إلا محاولة القبض على الأسباب ، و هي كامنة في الطور نفسه . لنحدد موقفا ، و لنتخذ موقعا ، فكون التطوّر في التاريخ بلا معنى لا يعني أن نتبنى اللا معنى عن الأطوار ذاتها ؛ في النهاية نحن جزء من هذا التطوّر في التاريخ ، فلسنا خارج التاريخ كي لا يطالنا التطوّر و تأثيره .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا