الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مؤتمرات المصالحة و حوارات الاديان تجسد الطائفية و لا تعالجها

وسام جوهر

2016 / 2 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


السويد 15‏/02‏/2016

منذ حلول الكارثة على الشعب العراقي بابتلائه بنخبة الاقطاعات السياسية المتجذرة في اعمق اشكال التعصب الديني و المذهبي و القومي، ونحن نسمع و على طول الخط بدعوات و مؤتمرات المصالحة الوطنية مرة في بغداد و ثانية في اربيل وثالثة في السليمانية و اخرى خارج العراق.
وكأنا مؤتمرات المصالحة الوطنية قد حققت المبتغى فاوجدوا الحاجة الى ما تسمى بحوار الاديان و التعايش السلمي بين الطوائف، في كلام ظاهره براءة و عسل و باطنه دجل في دجل.
اصحاب هذه الدعوات يريدون ذر الرماد في العيون بظاهر بريء وواقع عمل خبيث، لانهم بدعواتهم هذه يريدون ان يبرئون ذمتهم من كل هذا الشر الذي اصاب شعوبهم بفعل سياساتهم الفاشلة، بسبب خباثتهم في استغلال الدين و المذهب و القومية ابشع استغلال، كاقصر الطرق و ارخصها (بالمعنى المزدوج) الى ترسيخ قبضتهم على السلطة و فرهدة الدولة والشعب دون ان يرمش لهم جفن.
من هم من يتصدرون هذه المؤتمرات و الحوارات؟ هم في الغالب اما من صميم طبقة الاقطاع السياسية او من حاشيتها من المرتزقين على فتات نعمة هذه الطبقة الا ما ندر من نذر يسير بالكاد تترك له فسحة من حرية الراي . هي ..هي نفسها الوجوه تتكرر بحيث بات الشعب يعرف هذه الوجوه و الاسماء سلفا ...!
ثمة شيء اخر و ربما الاهم ، من يتصالح او يتحاور مع من؟ اذا كانت المصالحة تهدف الى تصالح الفرقاء السياسيين الطائفيين فليعالجوا هذه المصالحات ضمن واجباتهم و مسؤولياتهم و بممارسات و اليات العمل السياسي. و اذا كانت المصالحة تستهدف الانسان المواطن فاين تمثيله في مؤتمرات المصالحة؟ انه مغيب بامتياز ويمثل كما اسلفنا اما بسياسيين نشطاء او منافقين انتهازيين يسعون الى الشهرة و مليء الجيوب الصغيرة جدا طبعا قياسا الى جيوب المنتفعين منهم التي امتلأت بالمليارات.
حوار الاديان و التعايش السلمي بين الاديان و الطوائف...! مهزلة اخرى من تمثيليات اصحاب الاقطاعات السياسية في مسلسل الضحك على الذقون. من يحاور من؟ ولماذا؟ ومن هم المتحاورون؟ الاديان و المذاهب و الطوائف والقوميات العراقية و على مستوى المواطن و المواطنة متواجدة ومتعايشة مع بعضها منذ مئات السنين. فعلى سبيل المثال لا يشهد تاريخ الصراع الكوردي في العراق ان الاكراد انتقموا من العرب كعرب بل انحصر نضالهم العسكري ضمن مقارعة اجهزة الدولة المسلحة ، اذ يقال ان الطيار الاسير الذي قذف مدرسة اطفال في قلعة دزة في منتصف السبعينيات من القرن الماضي بالنابالم تم اطلاق سراحه لاحقا. ولم نشهد يوما ان العرب في مكان ما و كشعب قتلوا اليزيديين او المسيحيين و لا سنة نينوى مثلا ارتكبوا مجازر شعبية بحق شيعة نينوى. ان اي اعتداء على طائفة بالعموم لم يكن معززا من قبل طائفة اخرى وانما عملا من اعمال السلطة الحاكمة الخبيثة كما كان الامر سابقا و كما هو الامر عليه اليوم.
من هم من يشتركون في حوارات الاديان و مؤتمرات التعايش السلمي؟ هي .. هي تكاد تكون الوجوه نفسها، تتكرر من مؤتمرات المصالحة الوطنية، اي السياسيين انفسهم او المعتاشين من حاشيات السياسة وهوامشها في سعي الى بعض من الجاه وقليل من المنافع المادية. وجوه سنية تعرف جيدا الوجوه الشيعية المشاركة وهي كوجوه عربية تعرف جيدا الوجوه الكوردية و كل هذه الوجوه تعرف الوجوه الاقلية المنتقية انتقاء دقيقا، من وجوه الاقليات، وجوه باتت بين قاب قوسين او ادنى ان تتكلم عن اقليات شردت و شتت بين عواصم العالم، اقليات لم يعد لها وجود على ارض الوطن فما الغاية اذن من الحوار بعد خراب سنجار و تلعفر و الطوز و الرمادي و الموصل و...و ؟! من حوار الاديان نفهم او يفترض بها ان تكون حوارا على مستوى العقيدة بهدف التقليل من التشنجات و ازالة سوء الفهم لبناء جسور العبور الى عالم الانسانية. لكن اين هذه الحوارات من كل هذا؟ مجموعة سنية تصافح اخرى شيعية و الاثنتان تصافحان اخوتهم في المجموعة الكوردية و الكل يصافحون مجموعات الاقليات و طبعا كل هذا امام كاميرات الفضائيات و ميكرفوناتها في مسرحية بائسة. لان بين هذه المجموعات المشاركة لا يسود سوى الوئام و المجاملات فهي اذن مصافحات زائدة لا يراد منها سوى كنس القذارة تحت السجادة.
مشكلة العراق لا يتم حلها بهكذا مسرحيات بل بفهم جذور المشكلة اولا و التعامل الشريف في فرز اليات المعالجة. العراق يعاني من ازمة الثقافة قبل اية ازمة اخرى لان الثقافات العامة للشعوب هي التي تفرز كل ما يليها من نتاجات سياسية ودينية و مذهبية و قومية ....الخ.
لماذا لا نرى اجهزة الاعلام العراقية و الكوردستانية تمارس دورها المسؤول في تسليط الضوء على نشاطات منظمات المجتمع المدني ودعمها، التي تدار في الغالب بجهد المتطوعين؟ لماذا لا نرى ندوات تنويرية كان نرى فيها و على سبيل المثال لا الحصر ناشطا يزيديا او منظمة مجتمع مدني يتناول اليزيدية شعبا وعقيدة تساعد في ازالة الفهم الخاطيء لدى الغالبية الساحقة من القلة القليلة من العراقيين التي تعرف اصلا شيء عن اليزيديين؟ لماذا لا نرى ندوة شعبية تعرف المجتمع العربي بقضية الشعب الكوردي كقضية شعب بغض النظر عن سياسات قادة الكورد التي تصوب و تخطاء، يهدف الى فهم صحيح لصراع الكورد الذي يجب ان لا يستهدف ضعف العراق دولة و شعبا بقدر ما ما يسعى الى تحقيق المشروع له. لماذا لا نرى حوارات شعبية سنية شيعية تتجاوز مسالة قميص عثمان وضلع فاطمة الى الفصل بين الماضي و الحاضر ناظرا الى المستقبل. حوارات تهدف الى خلق مقومات التعايش السلمي على قواسم مشتركة في الانسانية و المواطنة بدلا من تازيم المتازم في خلافات عقائدية يتم مزجها في رؤى سياسية متخبطة لا تنتج في المحصلة سوى المزيد من الاحتقان الذي يشكل في النهاية تربة خصبة لممارسات بشعة بحق الانسان كالتي شهدناها على يد داعش و اخواتها من الالوان و الاشكال ما لم ينزل بها سلطان.
لقد ان الاوان للعراقي ان يتخلص من عقدة المظلومية المذهبية و القومية على حد السواء. فاما الشيعة فلا يتمتعون بحقوقهم السياسية كاملة فحسب بل يقودون العمل السياسي. وعليه ليس من المنطق ان يستمر السياسي الشيعي في عقدة المظلومية لانها تعمي له البصيرة. واما الكوردي فعليه التحرر من عقدة المظلومية القومية لانه اليوم قد قطع في مشواره شوطا لا يستهان به رغم انه لم يصل الى نهاية المطاف وانه اليوم ليس فقط مشاركا في العملية السياسية في بغداد بل يكاد ان يقودها من الناحية العملية . و على ساسة الكورد ان يتحرروا من عقدة المظلومية و التركيز على العملية السياسية من باب الممكنات و السياسات الواقعية بدلا من اختلاق الازمات و الممارسات الانفصالية ... والانفصالية ليس واقعا على الاقل في الوقت الراهن .... ما الضير ان يكون الجميع عراقيين لحين ساعة الفراق اذا كان لا بد منها؟ لماذا لا يكون فراقا وديا حضاريا يترك ابواب الجيرة على اساس المصالح المشتركة مفتوحة على سعتها ورحابتها؟ اذا كان هذا ممكنا حسب بعض القرا ئات الكوردية مع تركيا فلماذا لن يكون هكذا مع عراق عاش فيه الكوردي بحلوه و مره كل هذه الازمنة الغابرة؟
ان التشبث بعقدة المظلومية لا محال يسبب عمى البصيرة و التخبط في صنع الحاضر و المستقبل معا.
ان التغييرات الحقيقية التي تصب في خدمة تطور المجتمعات يجب ان تكون متجذرة في عمق وعي الانسان الفرد، الانسان المواطن. عندها فقط نكون قد غيرنا في الثقافة المتأزمة للجماعات و الطوائف، نكون قد بنينا الانسان الصالح الجاهز لقبول لا بل اداء دوره الفعال في اجتياز الازمات الاخرى و على رئسها الازمات السياسية. اما ان ياتي الحل من الفوق الغارق حد الاذنين في صنع هذه الازمات فمحكوم عليه بالفشل. هكذا هو المنطق وهكذا يعلمنا العقل السليم.
المصلح الحقيقي لا يصرف الملايين على مؤتمرات النفاق و الدجل بل يعتني ببناء الانسان الصالح في سعي الى تحرير الانسان المواطن من عبوديته الدينية و السياسية على حد السواء .... الدين في اسه واساسه مبني على معادلة تحقير الانسان معادلة العبد و المعبود العبد الذي لا يفترض به سوى ان يكرس كل حياته الدنيوية لخدمة المعبود الذي في احسن الاحوال يرضي عن العابد المقهور وبصك مؤخر الى اجل مجهول. اي معبود جبار هذا الذي يحتاج الى تخلي الانسان عن كل ملذات الحياة الدنيا في عبودية مسلم بها دون راي ولاهم يحزنون؟ وعندما تاتينا احزاب سياسية مؤدلجة بشكل عام و دينيا بشكل خاص يصبح من المنطق والواجب ان نتسائل: هل حقا تعامل هكذا احزاب، الانسان بقدسية يستحقها؟ طبعا لا... لانها لاتحيد عن رؤية الدين او القومية او اية كانت الايديولوجية التي اسست هذه الاحزاب و تبلورت حول محورها، اي ان الانسان يصبح عبيدا لا يستحق سوى رضى هذه الاحزاب و قادتها المقدسين كظل المقدس الاكبر على الارض. انطلاقا من هذا الفهم تنطلق هذه الاحزاب في ان تفعل ما تشاء ، وهي مشيئة المقدس الاكبر، مع الانسان المحكوم عليه بالعبودية منذ ايام سومر و بابل .. فكر تسلل الى عقول قادة اليوم من خلال عقائد دينية متسلسلة. وذلك هو جذر الشر وليس امام الانسان الذي يملك عزة النفس و كرامتها سوى التحرر من جذر الفكر الشرير اي كان تجسيده. تحرير الانسان لم يتم ولن ياتي بالترقيعات و التحايلات السياسية الخبيثة بل من بوابة الفكر الحر الواعي المدرك لصيرورة التاريخ البشري منذ ملايين السنين. لسنا بحاجة الى هكذا مؤتمرات تلتهم من خزينة الدولة الشبه الخاوية دولارات و دنانير من الاولى بها ان تنتهي في جيوب لم تستلم رواتبها منذ شهور ... و اذ كانت الناس بحاجة الى مؤتمرات فلتكن مؤتمرات حقيقية لباحثين و اخصائين يسعون الى اخراج الوطن من عنق الزجاجة من خلال ابحاث و طروحات ورؤى تناقش بحرفية وتنتهي بتوصيات واقتراحات لاصحاب الشان تاخذ بها في عملية تغيير لا بد منها. و لتكن ندوات شعبية تقيمها نوادي ثقافية و منظمات مجتمع مدني لا تعتاش على الاحزاب السياسية وخاصة احزاب السلطة بل تتمتع بدعم الدولة كحق من حقوق المواطنة. الوطن يحتاج الى مؤتمرات لا يرى فيها المواطن استقطابات طائفية كما هو الحال مع مؤتمرات المصالحة الوطنية ومجالس و مؤتمرات حوار الاديان و التعايش السلمي التي تجسد الطائفية و لا تعالجها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا


.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة




.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه


.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب




.. البابا تواضروس الثاني : نشكر الرئيس السيسي على تهنئته لكل أق