الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأزمات النفسية للملحدين 1/2

منال شوقي

2016 / 2 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أزمتان عويصتان يعانيهما اللاديني علي المستوي النفسي و تدفعان المعتقدين في الأديان علي شكر ربهم الذي جنبهم الوقوعهم فريسة للإلحاد و الذي أنعم عليهم بتمسكهم بدينه الذي يوفر لهم السلام النفسي و الطمئنينة
.
أولهما : أن الملحد يعيش بلا هدف و قد فقد الأمل للأبد في الحياة الثانية و في الخلود الأخروي فلا فرق بينه و بين الحيوان الذي ليس له سوي الحياة الدنيا بل لعل الحيوان أفضل حالا منه كونه لا يُدرك فنائه !
و كثيرا ما يسأل أتباع الأديان اللادينين عن سبب إستمرارهم في الحياة و لماذا لا ينتحرون طالما أن الموت أت لا محالة و ما هي إلا مسألة وقت و في الأخير ينتظر العدم !
.
و للوهلة الأولي يُخيل لنا أن الطرح منطقي بل إننا قد نذهب إلي أبعد من ذلك و نري منطقا كبيرا في سهولة إصابة الملحد بالإكتئاب و اليأس من الحياة و شتي الأمراض النفسية طالما في النهاية يُصَدق في مقولة ( إن هي إلا أرحام تدفع و أرض تبلع ) علي نهج أسلافهم من ملحدي عرب ما قبل الإسلام .
و للوهلة الأولي أيضا نجد أنه علي العكس من ذلك تماما يكون حال معتنقي الأديان فلديهم حياتان و واحدة منهما أبدية و فيها كل المتع التي لم تخطر علي قلب بشر حيث سيجد الواحد منهم في جنته كل ما حُرِم منه في دار الإختبار , فكل من رأي صورا لقصر الوليد بن طلال و شعر بغصة في حلقه سرعان ما استعاد سلامه النفسي بمجرد أن تذكر أن قصر الوليد ليس سوي ( عشة فراخ ) مقارنة بقصره في الجنة !
و كل من أُبتُلي منهم بزوجة دميمة سمينة تذكر حور عينه في الجنة و تخيلهن علي صورة نجمات السنيما العالميات و فتيات الإعلانات من بني الأصفر , و كل موظف مُعدم يعيش علي الفُتات بلا رعاية صحية أدمية و لا ضمان إجتماعي و لا تعليم لأولاده يصلح أن نسميه تعليما إحتسب الأجر و الثواب عند ربه في عظيم صبره علي ضنك العيش و نام قرير العين متيقنا من التعويض الإلهي الأخروي .
و حتي هذا الذي يذهب إلي عمله صباحا عابرا الطريق كبهلوان في سيرك كي لا تصدمه السيارات التي يقودها عميان طرشان لا يعترفون بإشارات المرور و أحقية المشاة في عبور أمن للطريق , حتي هذا القرد القافز بين السيارات و اضعا عينيه في وسط رأسه قد يسخط لثوان ثم يعود إلي رشده مطمئنا و راضيا مرضيا داخلا في عباد ربه و في جنته !
أما المسكينة التي نهرها زوجها أو حتي ضربها فهي صابرة قانعة بحكمة ربها التي شَرَعَت فعدلت فرضيت واحتسبت أجرها العادل الذي لا تضيع عنده المظالم
.
و هكذا يتضح لنا ذلك البون الشاسع بين الفرقتين دينيون و لا دينيون, من هم علي يقين من رحمة ربهم و عدله الذي لن يضيعهم و سيكافئ صبرهم بأحسن منه و هؤلاء الضائعون الذين لا يرجون أملا و قد حكموا بأنفسهم علي أنفسهم بالفناء و العدم فأي يأس و أي ضياع و قد فقدت الحياة من حولهم معناها و تلاشت دوافع التمسك بها فكان حريا بهم السقوط في بئر الإكتئاب النفسي و الذي مآله الحتمي التفكير في الإنتحار إن لم يكن الإقدام عليه !
.
و الحق أن الملحد يمر في بداية إلحادة بفترة حرجة تتناوب عليه خلالها مشاعر حادة كالذهول و الصدمة و الغضب الشديد و الحزن , و هذا بديهي لمن إكتشف لتوه أنه قد عاش طيلة حياته ضحية خدعة كبيرة بل قل الأكبر و أكثر ما يعانيه في تلك المرحلة هو الشعور بالنقمة علي النصاب / النصابين الذين ضللوه و جعلوا منه مغفلا أمام نفسه , و لكن ولحسن الحظ فإن تلك الفترة ليست طويلة و لا سيما بالنسبة لصغار السن من المستيقظين من سُبات الدين .
و علي عكس ما يفترض أتباع الأديان تماما فالملحد يتقبل بمنتهي الرضا حقيقة الحياة الواحدة !
.
إن اللادينين بصفة عامة يتمتعون بميزة يفتقر إليها أتباع الأديان و هي غالبا حجر الزاوية و أساس الفروق بين الفريقين . فاللاديني لديه قدر عظيم من الشجاعة و الإستعداد للمواجهة و لتقبل الحقائق علي قسوتها - و هذا بديهي كون تركيبته النفسية من البداية عقلانية - مما يساعده علي الصمود و علي تخطي تلك الفترة الحرجة .
و تلك الشجاعة الأدبية و القدرة علي المواجهة هي ما أهله من البداية للبحث عن الحقيقة و لو كان يفتقر إليها - كحال المؤمن - لاستمر في تجاهل شكوكه و في الإستعاذه من عقله / شيطانه و كان قد تفل عن يساره ثلاثا كلما نقح عليه العقل مطالبا إياه باستخدامه .
ومن هنا كانت قدرة اللاديني علي التكيف مع الواقع الجديد و لأنه في الأساس لا يفتقر لذكاء - و إلا ما شك و طرح أسئلة و إنتهج مسارا منطقيا في التفكير و الاستدلال - فإنه يعيد ترتيب أوراقه واضعا الخطة (ب) خالقا جنته علي الأرض و هذا يُفسر إهتمام اللاديني بالإصلاح و سعيه الدائم للقضاء علي كل ما كان ليس مثاليا و كل ما من شأنه أن يضر بمجتمعه و بالإنسانية بصفة عامة .
.
لن تجد ملحدا راضيا مرضيا بظلم وقع علي غيره و لا صامتا عن حق سُلِب من غيره , علي عكس المؤمن الذي يردد كببغاء إن هو نفسه تعرض للظلم : و أصبر علي ما أصابك من الأذي فإن ذلك من عزم الأمور , اللاديني لن يصبر علي الأذي بل سيواجهه فإن كان الصبر علي الأذي من عزم الأمور فكيف تكون السلبية ؟ لن يتجاهل الملحد فشله بعبارة مثل ( المؤمن دايما مُصاب ) أو ( إذا أحب الله عبدا إبتلاه ) بل سيواجه هذا الفشل متحديا إياه و المسألة عنده أكون أو لا أكون !
.
و الملحد يحترم عقله , بل و يقدسه و يري في الإنكار و الإحجام عن المواجهة جبنا ينأي بنفسه عنه و في إدعاء الإيمان و تبني رهان باسكال حطا من قدره و ازدراءً لنفسه , و ما أكثرهم أتباع الدين المراهنين في حلبة الرب علي حصان إحتمالية وجوده فإن ربح نجوا من العذاب و فازوا بالثواب و إن إتضح أن الحصان كان وهميا ما خسروا شيئا !
و نسوا أنهم خسروا أنفسهم و عاشوا و ماتوا قطعانا في حظائر واضعي الأديان هؤلاء الذين أطعموهم علفا حتي و هم في قبورهم , و نسوا أن ربهم لو كان حقيقة لعلم قبلهم برهانهم و نفاقهم و وضاعة نفوسهم .
.
هذا هو المحور و الفرق الجوهري بين إناسا عاشوا ليموتوا فما التفتوا لقوانين قمعية و لا لدساتير مُخزية و لا لظروف حياتية لا أدمية فقبلوا بكل شيئ و أي شيئ لأنهم إعتقدوا في أن زيادة جرعة العذاب و الإذلال في الدنيا يقابلها تعويضا إلهيا أخرويا و كلما عانوا في حياتهم كلما هون عليهم ربهم حسابهم و أحسن جزائهم و بحبح يده في عدد القصور و الحوريات و أنهار العسل و اللبن و الخمر فماذا يُضير من مر يوميا علي تلال القمامة و الذباب و شَرِب ماء المجاري و تعثر في الحُفر التي لا يخلو منها شارع طالما كان الإمعان في معاناته الدنيوية تعني الزيادة في مُتعه و مكافأته الأخروية !!! ( منطق ) !
لاحظ فلسفة المؤمن التي تقول بتخليص ذنوبه في الدنيا كلما وقع عليه ضرر أو حتي إن أصابه مرض , بل و حمد ربه و شكره علي الألم ( منطق أيضا ) !
.
أما اللاديني فقد وُلِد ليحيا , و هذا هو بالضبط سبب وجوده إن كان لابد لوجوده من سبب و بما أنها حياة واحدة فينبغي أن يجعلها علي أكمل وجه و ينبغي أن يُحسِن إستغلال كل لحظة فيها لأنها لن تُعَوَض و نعلم - نحن اللادينيون - أنه ليس من الحكمة أن نحزن فنُطيل الحزن بل من العقل أن نسعد فنمد في سعادتنا إلي أقصي ما نستطيع بل أن نجتر سعادتنا إجترارا , فلا إكتئاب و لا يأس و لا دياوله .
رحلة و قضيناها علي الأرض و كنا محظوظين جدا من البداية عندما أُتيحت لنا الفرصة فعشناها لأن غيرنا لم يشأ له القدر أن يُولد من الأساس و كما كنا بعضا بلا وعي من مادة الكون قبل أن نولَد سنعود بعضا خالدا في الكون بمادة أجسامنا و بلاوعي كما كنا , فهل كان ذلك ليضايقنا !!!
.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق الى منال شوقي
ايدن حسين ( 2016 / 2 / 16 - 22:30 )

لسبب انني لا اعلم سن حضرتك .. فلا ادري بماذا اخاطبك .. هل اقول اختي ام سيدتي
و لكن في كل الاحوال يبدو انك استاذة قديرة و لك اطلاع واسع في ما تكتبين
على العموم لدي طلب عند حضرتك
اود لو تكتبين مقالة عن رهان باسكال
لا بد و انك ستكتبينه بشكل مختلف
و لك فائق احتراماتي
..


2 - هل السعادة في إيمان اليمن أو في إلحاد النمسا
amer nasser ( 2016 / 2 / 17 - 09:16 )
يبدو أنكي قد عشت لحظة إلحاد وهذا التجربة الخاصة لا يمكن تعميمها على الملحدين وإن لم تعيش تجربة الإلحاد فكيف لكي أن تحكمي على نفسية الملحدين. ثانيا إذا كان الاستلاب الديني سعادة فإن المؤمن في صنعاء أسعد من الملحد في مدينة فيينا. تحياتي


3 - عنوان المقالة غير موفق!
ملحد ( 2016 / 2 / 17 - 10:02 )

ليس كل الملحدين يتعرضون لازمات نفسية.
انا شخصيا لم اتعرض لاي ازمة نفسية فقد كنت ملحدا ( بالفطرة )!
اي انني بدأت اشك في خرافات ما يسمى بالاديان منذ كنت طفلا في الثامنة او التاسعة!

عنوان المقال يوحي للقارئ للوهلة الاولى عكس ما ذهبت به في ثنايا المقال...
كان يجب صياغة المقال بطريقة افضل! على الاقل بالنسبة للفقرتين الاولى والثانية

تحياتي


4 - أنت مخطئة
ملحد1 ( 2016 / 2 / 17 - 13:06 )
. يبدو أنت لست ملحدة لأن الملحد لا يتعرض لأزمات نفسية


5 - نبية العقل وطبيبة علم النفس أيضا
عراقي ( 2016 / 2 / 17 - 16:54 )
, والى المزيد من التألق والتنوير , قريحة فذة وبأمتياز


6 - أتفق مع رد ملحد هنالك فرق بين اللاديني وملحد
عراقي ( 2016 / 2 / 17 - 17:27 )
ربما لم تتم الأشارة الى ذلك في المقالة , وربما سيتم التمييز بينهما في الجزء , الثاني بدون شك وأن رد فعل كل شخص يختلف عن الآخر , ولكن الكاتبة تشير الى معاناتها الشخصية في بداية الصدمة حسب المرحلة العمرية بصورة خاصة لأنها كانت تدين بدين عنيف وهذا يختلف عن من كان على دين مسالم ويدعوا الى الصفح والمحبة وسيبقى يحمل تلك الصفات والمميزات وأن أعتبر يسوع بشر وليس الاها

اخر الافلام

.. عمليات موجعة للمقاومة الإسلامية في لبنان القطاع الشرقي على ا


.. مداخلة خاصة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت




.. 108-Al-Baqarah


.. مفاوضات غير مباشرة بين جهات روسية ويهود روس في فلسطين المحتل




.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك