الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوار مع صديقي المؤمن (1)

منال شوقي

2016 / 2 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حوار مع صديقي المؤمن (1)
.
في هذا المقال و سلسلة مقالات تالية سأناقش فساد إستدلالات مصطفي محمود و مغالطاته المنطقية التي ضمنها كتابه ( حوار مع صديقي الملحد ) أو مع نفسه التي إحتال عليها في هذا الكتاب و كان قاسيا معها حد السخرية منها كي يرتاح الضمير الذي عذبه التمرد علي دين الأجداد و جلدته العاطفة الدينية التي إنتصرت في النهاية علي العقل .
هذا العقل الذي تصور أن الوضع الإجتماعي الذي تزلزل أو كاد و النبذ المجتمعي الذي يلوح في الأفق لابد و أن يكونا عقابا إلاهيا و جزاءً وفاقاً علي إجترائه علي إله الإسلام الذي لم ينجح في إثبات ألوهيته حصرا من بين كل الألهه ، فإثبات وجود خالق أو قوة ذكية مهيمنة لا يعني بالضرورة إثبات ألوهية رب الرمال .
.
يقول مصطفي محمود :
صديقي رجل يحب الجدل ويهوى الكلام.. وهو يعتقد أننا – نحن المؤمنين السذج – نقتات بالأوهام ونضحك على أنفسنا بالجنة والحور العين وتفوتنا لذات الدنيا ومفاتنها.. وصديقي بهذه
المناسبة تخرج في فرنسا وحصل على دكتوراه.. وعاش مع الهيبز وأصبح ينكر كل شيء .
.
يبدأ مصطفي محمود بتعريفنا بصديقه الذي يحب الجدل و يهوي الكلام و يبدو أنه يري أن حب الجدل و الكلام صفة مذمومة و سفسطة فارغة تدل علي طيش و نزق يترفع عنهما المسلمون الواثقون التُقاة ثم يعود في نهاية رده علي صديقه الملحد و يستشهد بأقوال الفلاسفة متناسيا أن الفلسفة قائمة في الأساس علي الجدل و الكلام و لولاهما ما كانت فلسفة و لا كانت أقوال عمانويل و لا أرسطو اللذان يستشهد بأقوالهما لاحقا لإثبات وجود خالق .
و لا عجب في كراهية الأديان للجدل و الكلام أليس الله يقول ( لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسوئكم ؟ ) فأغلق الباب علي العقول !
و بالطبع و لكي تكتمل و تترسخ صورة الشاب النزق المستهتر في أذهان القراء كان لابد و أن يكون صديقه الملحد من عشاق الهيبز الكفرة و قد درس في فرنسا و اختلط بالكفار و الملحدين مما يُفسر إلحاده الذي يتبناه تقليدا للغرب و ليس عن قناعة شخصية وصل إليها بعد بحث و قراءة و تفكير و ليالِ طوال أمضاها في دراسة دينه حتي قاده دينه نفسه و بمنتهي السلاسة إلي الإحاد .
.
ثم يقول :
قال لي ساخراً
أنتم تقولون: أن الله موجود.. وعمدة براهينكم هو قانون "السببية" الذي ينص على أن لكل صنعة صانعاً.. ولكل خلق خالقاً.. ولكل وجود موجدا.. النسيج يدل على النسّاج.. والرسم يدل على الرسّام.. والنقش يدل على النقّاش.. والكون بهذا المنطق أبلغ دليل على الإله القدير الذي خلقه
صدّقنا وآمنّا بهذا الخالق.. ألا يحق لنا بنفس المنطق أن نسأل.. ومن خلق الخالق.. من خلق الله الذي تحدثوننا عنه.. ألا تقودنا نفس استدلالاتكم إلى هذا.. وتبعاً لنفس قانون السببية.. ما
رأيكم في هذا المطب دام فضلكم؟
ونحن نقول له
سؤالك فاسد.. ولا مطب ولا حاجة فأنت تسلّم بأن الله خالق ثم تقول مَن خلقه ؟! فتجعل منه خالقاً ومخلوقا في نفس الجملة وهذا تناقض
والوجه الآخر لفساد السؤال أنك تتصور خضوع الخالق لقوانين مخلوقاته.. فالسببية قانوننا نحن أبناء الزمان والمكان
والله الذي خلق الزمان والمكان هو بالضرورة فوق الزمان والمكان ولا يصح لنا أن نتصوره مقيداً بالزمان والمكان.. ولا بقوانين الزمان والمكان
والله هو الذي خلق قانون السببية.. فلا يجوز أن نتصوره خاضعاً لقانون السببية الذي خلقه
وأنت بهذه السفسطة أشبه بالعرائس التي تتحرك بزمبلك.. وتتصور أن الإنسان الذي صنعها لا بد هو الآخر يتحرك بزمبلك
فإذا قلنا لها بل هو يتحرك من تلقاء نفسه.. قالت: مستحيل أن يتحرك شيء من تلقاء نفسه.. إني أرى في عالمي كل شيء يتحرك بزمبلك
وأنت بالمثل لا تتصور أن الله موجود بذاته بدون موجد.. لمجرد أنك ترى كل شيء حولك في حاجة إلى موجد، وأنت كمن يظن أن الله محتاج إلى براشوت لينزل على البشر ومحتاج إلى أتوبيس سريع ليصل إلى أنبيائه.. سبحانه وتعالى عن هذه الأوصاف علوّاً كبيراً .
.
و أقول له أنا : إذا فرضنا جدلا أن للكون خالقاً ، فما الذي يمنع أن يكون لخالق الكون خالقاً ؟
و هل منع خلق الرسام لرسمه أن يكون للرسام نفسه خالق ؟
هل منع خلق النحات لتمثاله أن يكون للنحات خالقاً ؟
و هل يمنع خلق إلهك للكون أن يكون لإلهك نفسه خالقا ؟
لقد إستدللت أنت نفسك علي فساد عقل صديقك الملحد بالعروسة التي تتحرك بالزمبلك و التي تتصور خطأً أن خالقها أو صانعها يتحرك هو أيضا بذات الكيفية و لكنك أنت من تفكر بعقل العروسة الزمبلك هنا فعوضا عن الحركة بالزمبلك أنت تخلق / تصنع أشياء و عليه يُصَور لك عقلك أنك أنت نفسك مخلوق ، فإن قلنا لك بل أنت لست مخلوقاً ...قلت : مستحيل أن أكون موجودا من تلقاء نفسي إني أري كل شيئ في عالمي له موجِد أو صانع , فالسيارة لها صانع و البيت له بناء و اللوحة لها رسام و النقش له نقاش فلابد أن يكون خالقا ما قد أوجدني .
فإن كانت عروسة الزمبلك لا تري أبعد من الزمبلك خاصتها و الذي يُحركها فأنت أيضا لا تري أبعد من يديك اللتين تصنعان / تخلقان أشياءً ، ثم كان أن رأيت نفسك شيئا مثل الأشياء في عالمك فتسائلت عمن يكون صانعك / خالقك .
.
و من الكوميديا الإلهية في حُجة مصطفي محمود قوله : فتجعل منه خالقاً ومخلوقا في نفس الجملة وهذا تناقض.
متناسيا تماما أنه هو نفسه يعتبر نفسه خالقاً و مخلوقاً في نفس الوقت ، فقد خلقه / صنعه ربه و خلق هو / صنع عروسة بالزمبلك !
فإذا كان الحال كذلك - و لا أستشهد سوي بأمثلة ساقها هو - فما الذي يمنع أن يكون الله خالقا و مخلوقا في نفس الوقت طالما أن المبدأ يسمح ؟
بدليل مصطفي محمود نفسه خالق العروسة الزمبلك رغم أنه هو نفسه مخلوق بواسطة خالقه !
الحقيقة أن المغالطة التي يقع فيها الخلقيون تنبع من البداية من طرح السؤال الخطأ ( من الذي أوجدنا ؟ ) و ليس ( كيف وُجِدنا ) و لذا فهم يدورون في حلقة مغلقة و يضربون الأمثال التي تصلح لأن تكون حجة عليهم لا لهم .
يقول مصطفي محمود علي لسان صديقه :
قال صديقي في شماتة وقد تصوّر أنه أمسكني من عنقي وأنه لا
مهرب لي هذه المرة:
أنتم تقولون إن الله يُجري كل شيء في مملكته بقضاء وقدر، وإن
الله قدَّر علينا أفعالنا ، فإذا كان هذا هو حالي ، وأن أفعالي كلها
مقدّرة عنده فلماذا يحاسبني عليها ؟
لا تقل لي كعادتك .. أنا مخيـَّر .. فليس هناك فرية أكبر من هذه
الفرية ودعني أسألك:
هل خُـيّرتُ في ميلادي وجنسي وطولي وعرضي ولوني ووطني
؟
هل باختياري تشرق الشمس ويغرب القمر ؟
هل باختياري ينزل عليَّ القضاء ويفاجئني الموت وأقع في
المأساة فلا أجد مخرجاً إلا الجريمة..
لماذا يُكرهني الله على فعل ثم يؤاخذني عليه ؟
وإذا قلت إنك حر ، وإن لك مشيئة إلى جوار مشيئة االله ألا تشرك
بهذا الكلام وتقع في القول بتعدد المشيئات ؟
ثم ما قولك في حكم البيئة والظروف ، وفي الحتميات التي يقول
بها الماديون التاريخيون ؟
أطلق صاحبي هذه الرصاصات ثم راح يتنفس الصعداء في راحة
وقد تصوَّر أني توفيت وانتهيت ، ولم يبق أمامه إلا استحضار
الكفن..
قلت له في هدوء:
أنت واقع في عدة مغالطات .. فأفعالك معلومة عند االله في كتابه
، ولكنها ليست مقدورة عليك بالإكراه .. إنها مقدَّرة في علمه فقط
.. آما تقدِّر أنت بعلمك أن ابنك سوف يزني .. ثم يحدث أن يزني
بالفعل .. فهل أكرهته .. أو آن هذا تقديراً في العلم وقد أصاب
علمك..
.
و ردا علي مصطفي محمود أقول :
لقد إلتففت علي القدر أو بمعني أدق المشيئة و الأرادة الإلهية التي يعنيها الملحد بأن وضعت أمثلة خاطئة و تعجيزية للإرادة و الإختيار علي لسان صديقك .
فالملحد ليس أحمقا لكي ينتقد قوانين الكون و سننه و لكنه يتعجب لربك الذي قبض قبضتين من الطين بعشوائية طفولية و قال هذه في الجنة و هذه في النار و لا أبالي .
فمصائرنا و ما هو مدون بصحفنا مقدر علينا بحسب ربك حتي من قبل ميلادنا .
.
يقول ربك في قرأنه : و ما تشاؤون إلا أن يشاء الله ، فمشيئة ربك سابقة علي مشيئة الإنسان بحسب كتابه و يقول أيضا : و لو شاء ربك لأمن من في الأرض جميعا .
إذن فمشيئة ربك و بنص قرأنه غالبة علي مشيئة الإنسان !
إنها مشيئة المنبع أو المصب الذي سبق فحكم بالكفر أو بالإيمان ،أما تفاصيل الوصول إلي جهنم أو الجنة فليس لها كبير أثر .
و قد إستدل مصطفي محمود بمثال متهافت عن الأب الذي ( يُقدِر) أن إبنه سوف يزني ثم يحدث و يزني إبنه بالفعل رغم أن الأب لم يُكرهه فلما اللوم علي الأب هنا رغم أنه لم يتدخل في زني إبنه و أن هذا تقديرا في العلم فقط ( قد ) أصاب .
.
و أقول أنا له :
بئس التدليس و المثال ، فالأب الذي يخمن أن إبنه سيزني قد يصح تخمينه و قد يخيب ، فهل ينطبق المثال علي ربك الذي يعلم السر و أخفي ؟
لا أظنك تعني ما قلت فأردت لربك أن يكون من متبعي الظن !
ثم إن الأب الذي توقع زني إبنه مُلام لتقصيره في تربية إبنه و لو كان يعلم قبل أن ينجبه أن إبنه سيرتكب جريمة قد تدفعه لإحراقه بالنار لكان من السفه و الغباء أن ينجبه فقط ليرتكب الإبن الجريمة فيحرقه هو !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقال رائع
ملحد ( 2016 / 2 / 18 - 05:11 )
مقال رائع فيه الرد الكافي والوافي,المنطقي والعلمي على ذلك الدجال المدعو مصطفى محمود

تحياتي


2 - مسير ام مخير
على سالم ( 2016 / 2 / 18 - 05:41 )
هذا سؤال حير البشر طوال الزمان والاوقات , حقيقه الامر اننى توصلت الى استنتاج منطقى , اقول ان الانسان وجد نفسه فى مكان محدود مثل المثلث مغلق عليه , هو داخل هذا المثلث ولايستطيع الخروج منه , حركته داخل المثلث محدوده جدا , اى عنده مقدار بسيط جدا للحركه والاختيار , لايستطيع ان يخرج خارج المثلث بمعنى انه مخير بدرجه عشره فى المائه فقط والنسبه الباقيه مجبر فيها ولايملك اى خيارات , هو لايستطيع ان يكسر هذا المثلث والخروج منه , اذن درجه اختياراتنا فى الحياه نسبيا بسيطه للغايه


3 - الاخ علي سالم
ملحد ( 2016 / 2 / 18 - 07:41 )

لا اتفق مع رؤيتك اعلاه , مداخلة رقم 2
بالطبع انه لامر طبيعي بل وصحي ان نختلف
وتقبل تحياتي واحتراماتي


4 - تعليق الى علي سالم
ايدن حسين ( 2016 / 2 / 18 - 09:23 )
لماذا الحيرة
كل شيء مكتوب في اللوح المحفوظ
ثم يعاد كتابة اعمال العباد ( مع انها مذكورة في اللوح المحفوظ بالنقطة و الفارزة ) مرة اخرى من قبل الملكين المرافقين للانسان
اعملوا .. فكل ميسر لما خلق له .. و يعمل المرء بعمل اهل الجنة .. حتى اذا حان وقت وقته .. يتدخل الكتاب .. فيعمل عملا بعمل اهل النار .. فيدخلها .. يا حلاوة
و يعمل المرء بعمل اهل النار .. حتى اذا حان وقت موته .. يتدخل الكتاب .. فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها .. يا حلاوة مرة اخرى


5 - نعم فيلسوفة وربما بروفيسورة أيضا
عراقي ( 2016 / 2 / 18 - 13:37 )
حبذا لو فتحت صندوق جديد على الأسلام مثل حامد عبد الصمد والبط الأسود على الأنترنيت واليوتيوب وهكذا تنشرين هذا العلم وتنقذين المغفلين والجهلة وخاصة لبنات جنسك المعبودات لذكورية النصوص ومن يقومون عليها


6 - أين المشكلة؟
عبد القادر أنيس ( 2016 / 2 / 19 - 00:03 )
مشكلتنا ليست مع الله بالمطلق. هناك ربوبيون محترمون يؤمنون بوجود الله، ولكنهم يرفضون أنه هو نفسه الواقف وراء هذه الأديان والشرائع التي نسجها خيال البشر ونسبها إلى الله وجعلها بذلك مقدسة وغير قابلة لأي نقاش أو تجاوز أو إصلاح. مشكلتنا إذن مع إله الأديان، أو آلهة الأديان الكثيرة التي اصطنعها البشر. لا ضير من الإيمان بإله كما يفعل الربوبيون، مادام هذا الله من ابتكارهم، ومادام خلق العالم وتركه يسير حسب قوانين الطبيعة الصارمة. مكشلتنا مع هذه الأديان التي ظهرت للوجود في فترة الطفولة البشرية، وهو ما يفسر تهافتها وخرافاتها وهمجيتها. الله، إن وُجِدَ (وهو غير موجود عندي) لا يمكن أن يكون وراء هذه الأديان. لا يمكن لكائن كامل إلا أن يكون كاملا في صفاته، بينما إله الأديان لا يختلف عن البشر الذين خلقوه: يهدي من يشاء ويضل من يشاء، يمكر وهو خير الماكرين، يدخل من يشاء في رحمته ويمنع من يشاء، أعد الجنة والنار مسبقا، خلق البشر وخلق نقائصهم ثم يعاقبهم عليها، هو قادر على هداية الجميع ولا يفعل (كن فيكون) ومع ذلك دعا أتباعه إلى ارتكاب المذابح ضد أعدائه (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض..)
تحياتي

اخر الافلام

.. لحظة الاعتداء علي فتاة مسلمة من مدرس جامعي أمريكي ماذا فعل


.. دار الإفتاء تعلن الخميس أول أيام شهر ذى القعدة




.. كل يوم - الكاتبة هند الضاوي: ‏لولا ما حدث في 7 أكتوبر..كنا س


.. تفاعلكم | القصة الكاملة لمقتل يهودي في الإسكندرية في مصر




.. عمليات موجعة للمقاومة الإسلامية في لبنان القطاع الشرقي على ا