الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شعوذة التاريخ - حتمية التاريخ

موسى راكان موسى

2016 / 2 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع




الطرف (أ) : إن أخرجت السمكة من الماء ، فحتما سوف تموت .
الطرف (ب) : لكن ها هي السمكة خارج الماء ، و هي لا تزال على قيد الحياة .


الطرف (أ) بدأ مأساة الحتمية ــ بداية يمكن إيجازها بـ :
1. نقص المعطيات ؛ الجهل بالكل المعني .
2. الإطلاق في الحكم ؛ موقف متصلب ، دون إطار نسبي لإحتمال آخر .

و حين اصطدم الحكم بالمحكوم عليه ، ظهر الخطئ و الغلط في الحكم ؛ فتزعزع الحكم ذاته منتهيا إلى الإنهيار ــ و تكتمل المأساة حين يلحق شيء من هذا الإنهيار بالحتمية ؛ و هذا لا يعني أن الحتمية ذاتها في إنهيار ، فحتى و إن تزلزت الحتمية ، إلا أنها أكثر صمودا من الحكم [ المرتبطة به كصفة ] .

فعلى الرغم من أن حكم الطرف (أ) سقط ، إلا أن هذا ليس مبرر للطرف (ب) ليعلن موت الحتمية .

* تجنب مأساة الحتمية يكون بتجنب شروط المأساة (نقص المعطيات) و (الإطلاق في الحكم) ؛ ما يعني سعيا نحو إحاطة أكثر شمولية بالمعني به ، ضمن إطار نسبي يتوخى الحذر .

***

قد تبنى الحتمية بالإستناد على التكرار [ للدقة أكثر : بالإستناد على التشابه في التكرار ] ، و هذا أحد منابع المأساة ــ فعلى الرغم من أن التكرار يحوي بعض التشابه ، إلا أن الإختلاف سمة رئيسية فيه ؛ فمن الأحكام الحتمية ما بُنيّت على أوجه التشابه ، دون النظر إلى أوجه الإختلاف [ بل إن الأمر قد يتجاوز مجرد الحكم ، فيكون هناك تطبيق عملي هو في الأساس تقليد ؛ غايته في التقليد أن يحقق ما حققه الذي يقلده ، دون توخي أوجه الإختلاف ــ فلا عجب أن ينتهي التقليد إلى مأساة ] .

* فالضوابط و الشروط العامة لتجربة ما (كيميائية مثلا) ، تنبني على نسبة معينة من التشابه في التكرار ، دون إهمال للإختلاف في التكرار ؛ و على الرغم من كون نسبة التشابه إلى الإختلاف تكون هي الأطغى ، إلا أن هذا لا يُعدم الإختلاف [ و هنا الحتمية تُطلق على نتيجة تكرار تجربة ، ضمن إطار ضوابط و شروط عامة ؛ و نسبة التشابه إلى الإختلاف (أطغى) ] ــ نسبة التشابه إلى الإختلاف [ في التاريخ ] تلعب دورا في تحديد التمرحل و التطوّر في التاريخ ؛ فالأطراف و البناءات تعيد إنتاج النمط الكلي ، لكن ليس تماما ، إذ أنها لا تعيد إنتاجه في حالة من التوافق و السلام ، بل في حالة من التناقض و الصراع [ هذا لا يعني أن (( التاريخ في تكرار )) ، لكنه يعني أن التاريخ في حركة و تغيّر ، و هما ليسا من خارجه ــ فالسببية كامنة في التاريخ ] .


و في تناول السببية ــ فما أطلقنا عليه (الأسباب الممكنة) و (الأسباب الغير ممكنة) ، يرتبط بالحتمية و مأساتها . و يمكن تلمس التداخل بين السببية و الحتمية ، الذي يجعل منهما لضعيف التمييز شيئا واحدا ؛ فالحتمية ليست إلا نتيجة في النهاية ، و يمكن أن نسمي الحكم الحتمي بـ(النتيجة المتوقعة) ، لكن النتيجة الواقعة هي (النتيجة الحتمية) [ فالنتائج تلي الأسباب ] .

* ففي حالة (نقص المعطيات) [ و هي تتداخل مع حالة الجهل بـ(الأسباب الممكنة) ] ، فسينتهي الأمر إلى نتيجة واقعية [ نتيجة حتمية ] تختلف عن النتيجة المتوقعة [ الحكم الحتمي ] ؛ و الجدير هنا بالإنتباه التمييز بين (النتيجة الحتمية) و (الحكم الحتمي) ، ففي إبتعادهما تكمن مأساة الحتمية ــ و الجنوح في (الأسباب الغير ممكنة) سينتهي أيضا إلى إختلاف بين النتيجة الواقعية و النتيجة المتوقعة .


في الختام ــ يجب التمييز بين النتيجة الواقعية [ النتيجة الحتمية ] و النتيجة المتوقعة [ الحكم الحتمي ] ، كما يجب أن نعي أن رفض الحتمية يعني نزوحا خارج التاريخ ، هذا النزوح له أسماء عدة إلا إن الجوهر واحد ، منها : (الله) ، (العدم) . و كما أن الخلط بين السبب و النتيجة هو غلط ، أيضا الخلط بين السببية و الحتمية هو غلط ؛ على الرغم من الإرتباط الكائن و الكامن . و الأهم أن كل حتمية ناقصة المعطيات و مطلقة في الحكم ، فهي شعوذة بإسم الحتمية .
في كل سلسلة { شعوذة التاريخ } التي تم تلخيصها بتناول منفصل [ إلا أن هذا لا يعني إنعدام الإتصال و التداخل ــ دون إهمال الـ(مقدمة) ؛ فهي مفتاح هذه السلسلة ] ، كان التركيز بالإنطلاق من علم التاريخ ؛ لكن هذا الإنطلاق لم يحسنه البعض أو لم يلتزم بكل شروطه ، و ذلك للإنتصار لمساعيه المموهة ، أو لحجب المغالطات ، أو التغطية على ضعف الحجج [ إن وُجدت ] ــ شعوذة صيّرت التاريخ شعوذة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يطالب عضو مجلس الحرب ب


.. عالم الزلزال الهولندي يثير الجدل بتصريحات جديدة عن بناء #أهر




.. واشنطن والرياض وتل أبيب.. أي فرص للصفقة الثلاثية؟


.. أكسيوس: إدارة بايدن تحمل السنوار مسؤولية توقف مفاوضات التهدئ




.. غانتس يضع خطة من 6 نقاط في غزة.. مهلة 20 يوما أو الاستقالة