الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية اجتماعية للصعود للقمر

محمد لفته محل

2016 / 2 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


كان لصعود القمر قفزة علمية لأمريكا عندما وطأت قدمان أول بشر القمر ورفع العلم الأمريكي على أرضه ففتح بذلك عصر ارتياد الكواكب، كان هذا الانجاز تحدياً للاتحاد السوفيتي والدولة الأوربية المتخلفة عن هذه التقنية، لان صعود القمر كان استجابة أمريكية لتحدي الاتحاد السوفيتي في غزو الفضاء ما جعلها تجري مراجعة شاملة لمناهج تعليمها لإصلاح خلل تراجعها عن اللحاق بالسوفييت. أما نحن العرب فلم نرى فيه (تحدي) أو (تحفيز) بل جرحا نرجسياً يضاف للجروح النرجسية التي تولدت من الاحتكاك بالغرب المتفوق علينا. فكانت ردت فعلنا الشعبية على الحدث منفعلة وتكشف محاولة تضميد جرحنا كأفضل امة ودين ونسب وشرف، فقد أشيع بين الناس أن رائد الفضاء حين نزوله للقمر سمع آذان إسلامي فأسلم؟ فريق آخر من الناس قال أن المركبة ما كان لها أن تنفذ من غلاف الأرض لولا فتحة فوق القدس ثقبها الرسول أثناء رحلة الإسراء والمعراج، أما فريق آخر فقد أنكر الخبر مستدلاً بالآية (لن تنفذو إلا بسلطان) هذه مجمل الآراء التي كانت شائعة في ذلك الوقت كرد فعل على الانجاز العلمي ويمكن تحليل (إشاعة الآذان) بأنها توظيف لهذا الانجاز للترويج للإسلام فهي إشاعة دعوية في جوهرها، أما (إشاعة الفتحة) فهي إثبات أن الانجاز ما كان ليتم لولا الإسلام ليكون الانجاز مشترك عربي غربي! فيكسر التفوق الغربي بالتالي التخفيف من الجرح النرجسي، أما الإنكار فهو رفض لأي حقيقة تخالف القرآن وهو الوحيد الذي عبر عن الصدمة بإنكارها. وهناك من راح يفسر آيات القرآن على أنها وصف للمركبة الفضائية (سورة النور:35)! وأن (البراق) وهو دابة طارت بالرسول ليلة الإسراء والمعراج ما هو إلا مركبة فضائية! ليكون السبق بالاختراع للإسلام أيضاً، وهذه ردود الأفعال تأتي في سياق الدفاع عن الذات العربية الإسلامية بتبرير فشلها بسرقة الغرب لمعارفنا واستخراج أسرار العلم من قرآننا وإنهم يحيكون الفتن والدسائس والمؤامرات ضدنا، وبهذه التبريرات تبقى الذات العربية مستقرة انفعالياً مطمئنة نفسياً لا تحاول أن تغير وضعها وتتطور.
واليوم بعد أربعين عاماً صار ارتياد القمر عملية سياحية متاحة للجميع، ولحقت بأمريكا روسيا والصين، أما نحن فقد ابتدعنا (فقه الفضاء) والادعاء بين الناس أن بعض علماء المسلمين هم خامس علماء فلك بالعالم! ولازلنا نعيش بإشاعات من نوع آخر، حيث يعتقد البعض أن الغرب سيبني فنادق أو معامل على سطح القمر! رغم استحالة الحياة بدون بدلات الفضاء الخاصة، وهذه الإشاعات نتيجة الانبهار المبالغ به بالغرب.
في حين أن صعود أمريكا للقمر مثل لديهم تأكيداً لتصوراتهم السابقة حول أن البشر ليسوا متميزين عن بقية الكون فقد شاهدو الكرة الأرضية مثل أي كوكب آخر وان الكون فضاء واسع لكواكب ومجرات أخرى قد تكون مأهولة بالحياة الذكية وان قوانين الفيزياء تنطبق على بقية أجزاء الكون الأخرى لان الكون كله مادة/طاقة وليس هناك أرواح فيه، وراحوا يتوسعون بالبحوث والنظريات وإرسال المراكب الآلية لاكتشاف الكواكب الأخرى ونصب الأقمار الصناعية لمراقبة الدولة الأخرى ولبث وسائل إعلامها وأيديولوجيتها، ولم يخشعوا أمام ظواهر غريبة مثل الثقوب السوداء أو المادة المظلمة بل اعتبرت لديهم ظواهر تستلهم الذكاء والتفسير ولا تكسر وحدة الكون الفيزيائية، بعكسنا نحن الذين نفسر ابسط الأمور الطبيعية بقدرة الله فقط، دون تمييز بين الظواهر الطبيعية والظواهر الدينية التي لكل منها مجالها وهذا راجع كما أوضحته في مقال سابق (العراقي والله) إلى هيمنة الجماعة على الفرد وربطه بمعاييرها بالجزاءات الدنيوية والأخروية، فحتى ُيربط الفرد بمحللات الجماعة ومحرماتها فإن انتهاك شريعتها يصبحه عقاب أو ثواب بمعيشته أو عمله أو صحته أو أرضه أو سمعته الخ وكل شيء يمس وجوده وحياته مرتبط بهذه الجزاءات التي أصبحت كلها بيد الله/الجماعة لهذا نحن بحاجة لنقل الفرد من هيمنة الجماعة إلى هيمنة القانون المدني وجعل الدستور مرجعية الفرد العامة الأخلاقية والمعيارية والشرعية والجزائية أما ما يخص حياته ومعتقداته فهذه متروكة لحرية حياته الخاصة بدون تدخل من أي سلطة قاهرة، عندها من الممكن للتعليم وللتنمية وللمجتمع المدني وللحداثة أن تؤثر وتغير وتطور من ذهنية هذا المجتمع الذي يحتكم للسلف القبلي والديني فقط في تفكيره ولعاداته وتقاليده وأعرافه. وبدل أن يكون القمر والكواكب علم خاص بالأبراج والتنجيم عندنا يجب أن تكون ظواهر موضع بحث ودراسة وتجارب كي نطور أنفسنا علمياً ونلحق بالأمم الأخرى وحتى نظرياتهم يجب أن لا تكون مادة للتلقين أو التصنيم فهم أنفسهم يتجاوزونها أو يطورنها كل فترة زمنية، وكذلك نحن نستفيد من جهدهم المبذول ونختصر الزمن ونكمل ما وصلوا إليه، أما البقاء على ما نحن عليه من هذه العقلية الخرافية التبريرية فإننا سنبقى متخلفين محنطين سلبيين دون أن نتقدم خطوة واحدة للأمام وتبقى الأمم الأخرى تنظر إلينا بدونية واحتقار ولا تقيم لنا وزنا سياسياً وتستغل مواردنا لمصلحتها، بينما شعوبنا تشكوا من هدر كرامتها وإنسانيتها أو تقنع بالعيش الحيواني فقط شاكرة هذه (النعمة) ودوامها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دون إجماع على البيان الختامي.. اختتام قمّة السلام في سويسرا


.. بقارب مفخخ.. هجوم حوثي جديد على سفينة يونانية وحراس أمنها يق




.. شاب مُصاب يتلو القرآن خلال نقله للمستشفى


.. قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان: واثقون من عودة الوطن




.. حميدتي: ما حدث في الفاشر تتحمل نتيجته حركات الارتزاق التي تخ