الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيام زمان: زواج الأرملة من شقيق زوجها

سيلوس العراقي

2016 / 2 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في تعليق للزميل الأخ بارباروسا آكيم في مقالنا السابق "صور من أشكال إهانة العالم الاسلامي للمسيحيين"

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=505596

المنشور في هذا الموقع، طلب توضيحًا حول الحليتصا، أرجو أن يكون في هذا المقال المختصر توضيحًا للموضوع المقصود، مع انني لست بمفتي أو رابي يهودي متخصّص في الموضوع، لكن فقط من باب الاهتمام والبحث في التراث اليهودي عبر التاريخ.

إن موسى الذي يعتبر المشرّع الاسرائيلي، وعلى ضوء خبرته مع يهوه وخبرته مع شعبه، مضافًا اليها خبرته مع المصراييم، وضع تشريعات لشعبه الذي قاده في الصحراء وعلى ضوء الوصايا، ومن بعده تم تسليم الشرائع لمن جاءوا بعده، تم تنظيم ما يشبه دستورًا ينظم حياة المجتمع الاسرائيلي، والذي طاله التطوّر واعادة النظر والاصلاح منذ موسى ولغاية يومنا هذا.

وتعتبر العائلة لدى المشرّع الاسرائيلي النواة المهمة لشعب الله. كما أن أغلب الأسفار المقدسة للتنخ، تكرّر وتعيد التركيز على اليتيم والأرملة والفقير والمحتاجين من أفراد الشعب، لتأمين حياة كريمة لهم.
ويحتلّ موضوع الزواج ركنًا خاصًا باعتباره الجهاز أو المؤسسة istitution المنظم للعائلة ولنمو المجتمع.. ولم يفت المشرّع الاسرائيلي النظر في أمور حياة الأشخاص في حالاتها الخاصة كموت شريك الحياة مثلا، ليضع توصياته للحفاظ على استمرارية الحياة بعد فقد واحد من شركاء المؤسسة العائلية.
إنه من المعروف، أن وضع المرأة (وكذلك الأطفال القصر ومنهم بشكل خاص الأيتام) كان خاصًا في المجتمع الشرقي القديم (ومنه المجتمع الاسرائيلي) باعتبارها الجزء الأضعف في مجتمع امتاز بكونه ذكوريًا. فالمشرع ودائمًا استنادًا للأصول الكتابية حاول الحفاظ على التناغم بينها وبين الأوضاع الاجتماعية الراهنة في زمنه.
فحين نظر الى وضع الرجل أو المرأة، وهنا هي موضوع اهتمامنا، حين تفقد زوجها مالذي يحصل لها؟
فالأرملة التي لها أولاد من زوجها حالتها لا تعتبر خاصة جدًا وهناك العديد من التشريعات التي تحمي عائلتها، لكن الأرملة التي مات زوجها من دون أي ولدٍ، فنظر إليها المشرّع بشكل خاص جدًا ليساعدها في الاستمرار بحياتها بطريقة كريمة من دون أيّ خدشِ أو تجاوز للوصايا الكبرى للشريعة التي تضمن كرامة الفرد الاسرائيلي كشخصٍ انسانيّ وبنفس الوقت تنفيذ البركة والنعمة المطلوب منه تأديتها بالنسل والتكاثر.
يستند المشرّع الى سفر التثنية 25: 5ـ 6 "اذا أقام أخَوان معًا، ثم مات أحدهما ولا ابن له، فلا تتزوج امرأته برجلٍ ما، بل أخوه يدخل عليها ويتزوجها ويقيم نسلاً لأخيه، ويكون البكر الذي تلده منه هو الذي يحمل اسم أخيه الميت، فلا يمحى اسمه من بني اسرائيل".
اذا فزواج الأرملة من شقيق زوجها يعتبر حكمًا بالاجباري في حال أنّ أخيه الذي مات لم يترك ولدًا أو بنتًا. كما يعتبر أمرًا الزاميًا على الأرملة حديثًا الزواج من شقيق زوجها ـ الزواج هذا يسمى باليبُّوم (يِ بّ وو م ) ـ وليس من أي رجل آخر من خارج العائلة.
الشقيق الأكبر سنًا من الأخوة الذين على قيد الحياة تقع عليه الأولوية الالزامية لانجاز هذه الوصية. كما أن هذه الوصية تمنحه حق وراثة أملاك أخيه.
الهدف العلني من الوصية في نصّ التثنية أعلاه هو أن يقوم شقيق المتوفي بانتاج وريثٍ لأخيه الميت لكي لا يموت أو يُمحى اسم أخيه من شعب بني اسرائيل، ولتأكيد ذلك يدعو النص لإعطاء اسم الأخ الميت للمولود الذي سينتجه أخيه ليبقى ذكره.
ومن شروط الزواج من شقيق المتوفي، هو أن يكون الشقيق وأخيه الميت من ذات الأب.
هناك قصة في سفر التكوين الفصل 38 تروي قصة تامار كنة يهودا أحد أبناء يعقوب، التي مات زوجها الأول فتزوجها شقيقه ومات هو الآخر، لكن حموها يهودا منع ابنه الثالث من الزواج منها، وسيحصل ومن دون أن يدري (يهودا)، قام هو بعلاقة معها فولدت ابنًا، وتامار ستكون احدى جدّات داؤد، وإحدى جدات يسوع المسيح.
في حال لم يكن يريد شقيق الميت الزواج من زوجة أخيه ، مالعمل ؟
يأتي هنا دور ممارسة الحليتصا (ح ل ي ص ه)، بدلا من الزواج من أرملة الشقيق، وبحسب سفر التثنية:
"فان رفض الرجل أن يتزوج امرأة أخيه فعليها أن تذهب الى محكمة الشيوخ عند بوابة المدينة وتقول لهم :
رفض أخو زوجي أن يقيم لأخيه اسمًا في بني اسرائيل ولم يقبل بي زوجة له.
فيستدعيه شيوخ مدينته ويكلمونه في ذلك فيقف ويقول:
أنا لا أرضى أن أتزوجها.
فتتقدم اليه امرأة أخيه وتخلع نعله من رجله وتبصق في وجهه وتقول:
هكذا يجازى الرجل الذي لا يبني بيت أخيه. ويدعى بيت ذلك الرجل في بني اسرائيل بيت المخلوع النعل" تثنية 29: 7ـ 10

رفض الشقيق الزواج من أرملة شقيقه يعتبر اعلانًا منه بأنه يريد الموت النهائي لذكر أخيه من بني اسرائيل، لذلك يتم التعامل معه بقسوة لأنه عصى الوصية وتقليد الشعب بأن يصبح حيًا ذكر ابنائها عن طريق الأولاد الذين يحملون اسمهم بين أبناء شعبهم. وقيامها بالبصق على وجهه، أعتقد انها ترجمة غير دقيقة في العربية، والأصح هو البصق أمامه على المكان من الأرض التي يقف عليها، إهانة وتحقيرًا له. ومنذ هذه اللحظة تكون الأرملة حرة في اختيار من تريده ليصبح زوجًا لها.
في التلمود :
مع أن الزواج من أرملة الشقيق وصية بحسب سفر التثنية ومفضل على الحليتصا التي كما رأينا فيها تحقير وعار، لكن ظهر من فضّل الحليتصا على الزواج من ارملة الشقيق.
مثلما نعرف فأن المدارس الرابينية تختلف فيما بينها في الانفتاح أو التشدد والانغلاق والبقاء في حدود النص، والاختلاف وارد في المدارس الرابينية دائمًا من دون أن يقوم أي طرف بانتقاد لاذعٍ أو تكفيريّ للنهج المختلف عنه.
ففي القرون الوسطى كانت هناك مدرستان احداها تتبع تعاليم ميمون ـ الاسباني والتي تفضل اجراء زواج الشقيق من أرملة شقيقه، والأخرى التي ترأسها الرابي الفرنسي الشهير راشي فضلت الحليتصا.
وهذا ما جعل الاختلاف بين السفرديم والشرقيين الذين اتبعوا التقليد الميموني، وبين الاشكينازيم الذين اتبعوا نهج راشي.
لكن في اسرائيل فالمعمول به من قبل الرابيين عمومًا هو تفضيل الحليتصا الى درجة أنْ أصبحت هي الالزامية وذلك لأسباب عديدة اجتماعية ونسائية وموضوعية وواقعية وعقلانية، يمكن للقاريء أن يتوصل اليها بذكائه، ولا مجال لذكرها لعدم الاطالة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل لازال هذا متبع في دولة اسرائيل
كنعان شـــماس ( 2016 / 2 / 22 - 00:14 )
تسلم يااخ سيلوس على هذا التوضيح والايجاز ال ( الصادم ) وسوال ياترى هل لازال هذا متبع في دولة اسرائيل ؟ فمما نعرف ان بريطانيـــــــا في زمن هنري الثامن تخاصمت وابتعدت عن الفاتيـــــــكان بسبب البلاوي الكامنــة في هذه الزيجات الغابـــــرة تحية


2 - هذا الزواج و ارتباطه بالحياة بعد الموت
نضال الربضي ( 2016 / 2 / 22 - 05:58 )
تحية طيبة أخي سيلوس،

نلاحظ أن الهدف من هذا الزواج هو إبقاء - إسم - الأخ المتوفى، و كأن َّ ذهاب الإسم هو إعلان -الموت النهائي- كما تفضلت َ بالشرح، ألا يدعم هذا حقيقة َ عدم وجود -ملكوت سماوي- أو -جنة- أو -آخرة- في العقيدة اليهودية في بدايتها؟ و خصوصا إذا ما تذكرنا أن جماعة الصدوقين كانوا ينكرون القيامة و الحياة الثانية.

لا نملك إلا أن نلاحظ ثانيا ً أن للإسم دلالة ً و قيمة مرتبطتين بالوجود، فالإسم يحمل -ذات- الجوهر، و من يعرف الإسم يعرف الجوهر و الكينونة، و بالتالي غياب ُ الإسم يعني غياب الجوهر و غياب الكينونة و غياب وجود الشخص نفسه، و عليه فإن الوجود هنا يبقى وجود الإسم الذي يدل على الجوهر الغائب فيزيائيا ً و الذي لا يمكن ُ إعادة ُ استدعائه، و هذا بالضرورة يتنافى مع أي إيمان بآخرة أو حياة ثانية.

ألا يدلنا هذا على الجذور الوثنية للديانة اليهودية بشكل ٍ واضح؟

احترامي لكم!


3 - شكرا استاذ سيلوس
nasha ( 2016 / 2 / 22 - 07:46 )
شكرا على التوضيح زواج أرملة الشقيق مذكور في التوراة ولكنها ليست بالتفاصيل التي وضحتها استاذ سيولوس.
الأمر يبدو غريبا بالنسبة لما نمارسه من علاقات في العصر الحالي ولكنه بالتأكيد كان تصرفا .طبيعيا في ذلك الزمن البعيد وفي تلك الضرورف القاسية والصعبة للتكاثر
تحياتي


4 - الاخ كنعان شماس
سيلوس العراقي ( 2016 / 2 / 22 - 08:37 )
مرحبا
شكرا لمرورك
لا لم تعد قائمة هذه الطقوس بتفاصيلها اليوم
بقي منها فقط الاسم
تقبل تحياتي


5 - الاخ نضال
سيلوس العراقي ( 2016 / 2 / 22 - 09:04 )
مرحبا وشكرا لمرورك وتعليقك أخ نضال
اولا
ان الشعب الاسرائيلي في تاريخه كان شعبا واقعيا جدا وموضوع استمرارية الاسم موضوع انتروبولوجي اجتماعي من المواضيع العادية في المجتمعات الشرقية، ربما بني اسرائيل قد تركوه اليوم ولازال العرب ملتزمين به، انه يتعلق فقط بذرية الشعب المقدس وانقطاع الذرية اما استنتاجك بأن جذور اليهودية هي وثنية أنا لا يمكنني أن أقوله بهذه البساطة
لانه لا يكفي أن نرى حجرة على الارض بجانب جدارٍ لنقول ان هذه الحجارة جزء من هذا الجدار
لان ليهودية لها حالتها الخاصة في نشوئها،لانها لم تولد ديانة بل ولدت شعبا عاديا بسيطا
شعب الوعد أو العهد المرتبط مع أرض وشريعة ونمى الفكر الديني اليهودي مع الزمن لذلك نرى حقب دينية مختلفة تباينت فيها الرؤى اللاهوتية اليهودية فاليهود منذ الحقبة اليونانية والرومانية غادروا الحقبة الكتابية ودخلوا حقبة اخرى رابينية لغاية نهاية الالفية الاولى ثم دخلوا مرحلة الاصلاح والتاسيس للعودة ثم الاصلاحات والعودة والتاسيس لاعادة الملك
في الحقبة الكتابية لم تكن قد ولدت بعد فكرة القيامة والحياة الاخرى
فالقيامة هي من الامور غير الكتابية
شكرا لاغنائك بالتعليق


6 - الاخ ناشا
سيلوس العراقي ( 2016 / 2 / 22 - 09:12 )
مرحبا
شكرا لمرورك والتعليق
نعم ان في تاريخ اليهودية نمو مستمر
فاليهودية لم تتوقف عند المرحلة الكتابية قبل الميلاد
لذلك لا يمكن نقدها ومعرفتها بطريقة علمية استنادا فقط على المراجع الكتابية وعلى الروايات والقصص التي تحتويها
الامر المركزي المهم في اليهودية هو علاقة الاسرائيلي بيهوه وبشعبه (الجماعة) وبالعالم ، عبر التاريخ ولغاية اليوم
وبتعبير معاصر : من أجل بناء حياة انسانية أفضل مؤسسة على العدل والسلام والرحمة
وتقبل تقديري


7 - لذلك العنوان هو أيام زمان
سيلوس العراقي ( 2016 / 2 / 22 - 09:15 )
مرحبا أخ ناشا
شكرا لمرورك والتعليق
نعم ان في تاريخ اليهودية نمو مستمر
فاليهودية لم تتوقف عند المرحلة الكتابية قبل الميلاد
لذلك لا يمكن نقدها ومعرفتها بطريقة علمية استنادا فقط على المراجع الكتابية وعلى الروايات والقصص التي تحتويها
الامر المركزي المهم في اليهودية هو علاقة الاسرائيلي بيهوه وبشعبه (الجماعة) وبالعالم ، عبر التاريخ ولغاية اليوم
وبتعبير معاصر : من أجل بناء حياة انسانية أفضل مؤسسة على العدل والسلام والرحمة
وتقبل تقديري

اخر الافلام

.. النزوح السوري في لبنان.. تشكيك بهدف المساعدات الأوروبية| #ال


.. روسيا تواصل تقدمها على عدة جبهات.. فما سر هذا التراجع الكبير




.. عملية اجتياح رفح.. بين محادثات التهدئة في القاهرة وإصرار نتن


.. التهدئة في غزة.. هل بات الاتفاق وشيكا؟ | #غرفة_الأخبار




.. فايز الدويري: ضربات المقاومة ستجبر قوات الاحتلال على الخروج