الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قال إنه واحد فعلمتُ أن له ثانٍ !

منال شوقي

2016 / 2 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كنت و مازلت أتصور إلها مختلفاً ،إله تعجز الصفات عن وصفه و عندما أقول صفات الإله فأنا أخادع نفسي إذ إنني كي أعرف صفات الإله لابد أن تكون له نسخا أخري عنه يُعّرَف بها و تُعّرَف به .
فنحن نقول : صفات المرأة و صفات الحديد و صفات الحصان و هكذا
نذكر المرأة و نعني كل إمرأة ، نذكر الحديد و نعني أي حديد و كذلك الحصان و نعني الأحصنة بصفة عامة .
و لكي أعرف صفات الإله لابد لهذا الإله أن يكون له نسخ .و لا تقع في خطأ و تقول صفات الماء و الماء شيئ واحد لا مثيل له لأن كل جزئ ماء هو واحد له نسخ عديدة منه .
إذن صفات الإله مجهولة لأنه واحد وحيد ، أما تلك التي ندعيها له فما هي إلا تصورات لصفات إنسان مثالي نحن إخترعناها أملين في هكذا إله .
و نحن أعطينا للإله الصفات التي نحب أن يكون عليها ، ثم حدث أن تغير موقعنا منه ، فمرة أنت مذنب و لذا هو غفور و مرة أنت مطلوم و بالتالي هو جبار و منتقم ، ثم أنت في شدة فهو رحمن و لطيف و قد يكون ضار إن أصابك ضُر و نافع لمن إنتفع و كذلك هو خافض أحيانا و رافع أحيانا أخري و باسط تارة و مانع تارة أخري و هكذا .
و كلها صفات نسبية بالنسبة لنا ، فنحن لا نستطيع أن نقيس شدة ضره و لا شدة نفعه ، شدة حكمته و لا شدة حياته ( الحيّ ) و أيضا لا نستطيع أن نُقًيّم درجة بصيرته و لا متانته .
.
ثم إن بعض الناس يطلقون علي أبنائهم أسماء الله الحسني مسبوقة بعبد ، عبد الرازق ، عبد الفتاح ، عبد الباقي ... إلخ و المُلاحظ أن أسماء الله ليست كلها محبوبة أو علي الأقل ليست كلها علي نفس الدرجة من الأفضلية فلا أحد يُسمي إبنه عبد الضار أو عبد المميت أو عبد الخافض أو عبد المقيت و لا عبد المنتقم ، و هذا إن دل فإنما يدل علي أن تلك الصفات في الله لا يحبها الناس رغم أنهم يعترفون بها و بحقه في أن يتخذ منها صفات له .
.
إن السؤال الأذلي الذي يطرحه المؤمنون علي اللادينيين : من أبدع كل هذا ؟
أيُعقل أن يكون كل هذا الكون البديع محض صدفة أو عشوائية ؟
أنظر في نفسك لتري عبقرية الله و بديع صنعه .
و رغم أن الكون ليس بديعا كما يعتقد الحالم الناظر له من ثقب كوكب الأرض و رغم أن ما نحن عليه الأن نتيجة جهود أسلافنا الحثيثة و المتواصلة لنكون علي الصورة التي نحن عليها الأن و التي ليست هي منتهي الإبداع و الإتقان ، إلا إنني سأفترض وجود إله هيأ و أوجد و أبدع !
و العظيم - بداهة أو هكذا أعتقد - لن يفعل العظمة ثم يقول عن نفسه أنا العظيم و لن يتصرف بحكمة فيسمي نفسه حكيما و لن يتعالي فيطلق علي نفسه المتعال ، فالعظيم و الكبير و الحق و العدل و القادر يعلم عن نفسه أنه كذلك و يتوقع أن صفاته تلك من فرطها واضحة للعيان و هنا أستطيع أن أقول أنها خارج نطاق القياس و التقدير فلن تخطئها عين و لن يغفل عنها عقل و لن تخفي علي متأمل .
الإله ليس بحاجة أن يقول أنا الغني لأن من قالها يشعر فقرا، ليس بحاجة أن يقول أنا الكامل لأن قائلها يخاف أن يُظَن أن فيه نقصا.
الإله لن يكون أبدا مهووسا بألوهيته كموظف صغير إستيقظ يوما فوجد نفسه مديرا كبيرا فإذا به يمر علي مكاتب الموظفين يسألهم من مديركم ليتأكد من اعترافهم و قبولهم به كمدير لهم تماما كما فعل الله عندما سأل لمن الملك اليوم ؟
ثم أجاب هو علي نفسه : لله الواحد القهار !
.
قوله تعالى: ( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ) : اتفقوا على أن هذا يقوله الله عزّ وجلّ بعد فَناء الخلائق.
واختلفوا في وقت قوله عزّ وجلّ له على قولين :
أحدهما: أنه يقوله عند فَناء الخلائق إِذا لم يبق مجيب. فيَرُدّ هو على نفسه فيقول: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ، قاله الأكثرون.
والثاني: أنه يقوله يوم القيامة.
وفيمن يُجيبه حينئذ قولان: أحدهما: أنه يُجيب نفسه ، وقد سكت الخلائق لقوله تعالى . قاله عطاء.
والثاني: أن الخلائق كلَّهم يُجيبونه فيقولون: «للهِ الواحدِ القهارِ» ، قاله ابن جريج ".
انتهى من "زاد المسير" (7/212) .
و سواء أكان يجيب نفسه أو يجيبه الخلائق فهو أراد أن يسمعها و سيسعده بالتأكيد أن يسمعها و إلا ما كان سأل .
و نحن نحب أن يمتدحنا الأخرين بما فينا ، فالكريم يحب أن يسمع من يذكره بالكرم و هذا المقابل يمثل دافع للكريم ليواصل كرمه و من أعد وجبه شهية يطربه أن يسمع مديح من المتذوق كثمن معنوي علي مجهوده في الطهي . هكذا نحن البشر و ذلك لأن الكريم لم يكن أكيدا من درجة كرمه و بذكر كرمه فقد تأكد من كونه كريم و الطاهي بالمثل لم يكن متأكدا من جودة طهيه إلا بعد إستحسان الأكلين ، و عليه فإني أتسائل : هل يشك الله في عظمته و لذا أراد إعترافا دامغا عليها ؟
إن موقف الله هنا يستدعي إلي ذهني كاراكتر عامل البناء الغلبان الذي و بعد جهد جهيد أصبح مقاولا ميسورا فاهتم جدا لسماع إبتهالات الشكر و المديح من العمال حين توزيع لحم عجل ذبحه لهم بمناسبة إمتلاكه عمارة لأول مرة في حياته علي العكس تماما من أخر وُلِد لعائلة غنية و لا يحفل لسماع عبارات الإطراء من فلاحين عزبته حين يأمر بتوزيع عطية ما عليهم .
.
و يقول الله عن نفسه أنه الغني ، و لكن غني عن ماذا ؟
ماذا بحوزتنا نحن و قد نظن أنه يحتاجه فيصرح لنا بأنه غني عنه ؟
أنا من البدء لم أفكر في إحتمالية كونه غني أم فقير و أعتبره سؤال فاسد و ينزع عن الإله صفات الألوهية ، و كذلك تعريفه لنفسه بأنه الغني يفقره في نظري و قوله أنه الكامل ينقصه لأنه ليس بحاجة لقولها ، أيحتاج نور الشمس لأن يُسميه الناس نوراً ؟
هو نور شئنا أنا أم أبينا !
.
إن المحامي في حاجة لسماع لقب أستاذ قبل إسمه و كذا المهندس سيستاء إن لم يناديه مرؤوسيه بيا باش مهندس و الملك سيقطع رقبة من لا ينطق إسمه مسبوقا بالجلالة و هذا لأنهم بشر إجتهدا ليكونوا مهندسين أو محامين أو اجتهدوا هم او ابائهم ليكونوا ملوكا و قد يصلح غيرهم للقيام بأعمالهم كما يقوموا هم بها أو أفضل منهم ،أما الله فلا ينبغي له أن يكون له صفات شبيهه بتلك التي لنا نحن البشر و لهذا كفرت به حين تصاغر فجعل لنفسه أسماء و صفات هي في غني عن الذكر لأنها بديهية فيه .
و نحن نصف الشمس بأنها النجم المنير و الدافئ و الملتهب و لكنه ليس النجم الوحيد الذي يحمل تلك الصفات إذ يوجد شموس أخري في مجرات أخري تحمل نفس الصفات و هي كذلك - أي الشمس - بالنسبة لنا لأننا يحين نصف الشمس فإننا نعني تلك التي في مجرتنا و علي العكس من ذلك حين نتحدث عن الكون و الذي لا نعرف له ثان لن نستطيع أن نضع له صفات داله عليه فلن نستطيع أن نسميه الكون المظلم أو الكون الكبير أو الواسع أو الرهيب و هذا راجع إلي أننا لا نملك تصور سابق عن الكون و عن الكيفية التي يكون عليها أي كون حتي نقارن كوننا بأخر و بالتالي نضع له صفات و ذلك ببساطة لأن الكون واحد أو هكذا هو حتي اللحظة .
لا نستطيع أن نصفه بالكون العظيم لأننا لم نقارنه بأخر و إن كان عظيما في لاوعي كلُ منا رغم ذلك .
لا نستطيع أن نطلق عليه أي صفه لأنه لا مثيل له لأستنبط موقعه علي سلم الصفات فهو الكون و فقط ، الكون الذي لا تساعه صفات و هو قد يساع - مجازاُ- كل الصفات .
هو واحد و تلك بديهة ليست في حاجة لتأكيد بينما الله و الذي كان في صراع مع ألهة أخري كان في حاجة للتأكيد علي وحدانيته و انتزاع إعتراف منا بذلك .
.
إن الخدعة التي تقع فيها عقولنا هي محاولة تصور صفات الله بلا نهاية بحيث لا تدركها عقولنا بينما مجرد تحديد صفات له في حد ذاته يحده و يؤطره داخل حيز تلك الصفات .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق الى منال شوقي
ايدن حسين ( 2016 / 2 / 23 - 20:10 )

تحية طيبة
اكبر خطأ يرتكبه الملحدون و الملحدات .. عند خوضهم التفكير في الذات الالهية .. نسيانهم لاهم صفة من صفات الكمال الا و هي الحرية
الله كامل .. اذن لا يجوز ان يحاول اثبات وجوده لنا حسب زعم الملحد
و لكن اذا فكرنا بهذا الشكل نفينا عن الاله صفة الحرية .. هو حر .. اذا اراد اثبت وجوده لنا .. و اذا اراد لم يثبت وجوده لنا
و هذا لا يقدح في كماله
يقولون الله ازلي .. اي هو ليس داخل الزمن .. الزمن لا يحكمه
طيب .. هل الله لا يدخل الزمن ابدا .. اي حتى لو هو اراد ذلك
اذا كان هذا صحيحا .. اصبحت قدرته غير كاملة في هذه الحالة
فهو غير قادر على دخول الزمان .. لكن الكمال يستدعي ان يكون قادرا على ذلك
يبقى المسالة .. هل يفعل ذلك ام لا يفعل .. يكون تابعة لحريته
..


2 - اغرب الاسماء والصفات
كوردي عراقي ( 2016 / 2 / 23 - 22:01 )
( يكيدون كيدا واكيد كيدا ) هل من المعقول ان الله خالق الكون واذا قال كن فيكن يحمل هذه الصفة الغير الحميدة وهي ( الكيّد ) ولمن .. وضد من ؟!.. للناس او البشر الضعفاء الذين ( خلقهم ) وهل يحتاج الامر بالنسبة الى الخالق العظيم لكي يضع الخطط ويخيط المؤامرات والدسائس ويكيد المكائد ( باعترافه هو ) ضد اعدائه من البشر المستضعفين .. ولاجل توضيح كلامي اقول لايوجد في كل سجلات الاحوال المدنية في العراق شخصا يحمل اسم ( عبد الكائد ) لانها صفة كما قلنا غير حميدة ولكن هناك في بعض الدول العربية هذا الاسم ولكن باللهجة المحلية وهي ( عبد الكايد ) ..


3 - الإنسان هو ن خلق الإله 1
Zaher Zaman ( 2016 / 2 / 24 - 00:53 )
الإنسان هو من خلق ذلك الوهم المسمى بالإله ، وذلك فى الفترات التى كان العقل البشرى فيها لا يزال طفولياً عفوياً ، يتعامل بشكل مباشر مع الطبيعة وظواهرها التى تؤثر فى تواجده وبقائه حياً على كوكب الأرض أو تلك التى تعصف به وتفنيه من على ظهرها وتعيده الى عناصره الأولية التى فى التراب ! كل شىء كان لغزاً أمام الانسان فى طفولة العقل البشرى .. البرق ..الرعد ..الليل ..النهار ..البراكين ..السحاب ..المطر .. العواصف والأعاصير .. حتى الكائنات الحية الأخرى التى تشاركه تواجده على سطح هذا الكوكب كانت لغزاً .. الحياة والموت والميلاد والنجوم والكواكب .. المرض .. جميع ماحول الانسان فى طفولة العقل البشرى كان لغزاً .. مايخيفه ويعرضه للهلاك كان لغزاً ..مايسعده ويساعده على البقاء كان لغزاً ! ولأن ديناميكية عمل العقل البشرى كما تبرمجه عليها متطلبات بقائه على قيد الحياة هى السبب والمسبب .. راح ذلك العقل يطرح الأسئلة .. بمعنى أصح أو أدق : راح يتتبع بعقله الفطرى الأسباب
يتبع


4 - الإنسان هو ن خلق الإله 2
Zaher Zaman ( 2016 / 2 / 24 - 01:10 )
ربط الانسان الكثير ممايساعده على البقاء بأسباب ظاهره أمامه وحوله من خلال التجربة والممارسة ، فراح يوجد الأسباب التى تؤدى الى نتائج تفيد بقائه واستمراره على قيد الحياة ..كتعلمه الزراعه مثلاً ..أو اكتسابه لخبرة اشعال النار .. وكذلك ربط بين الأسباب التى تؤدى الى نتائج تعصف به وتؤدى الى تدميره ، وكيفية الهروب من تلك النتائج بتلافى أسبابها .. عرف مثلاً أن النار تؤدى الى تدميره عندما شاهد فعلها بغيره من بنى جنسه .. طبعاً لم يكتسب الانسان خبراته فى التوافق مع بيئته الكونية بين عشية وضحاها ، وانما استمرت تلك العملية لأجيال طويلة متعاقبة على مدى زمنى يقدر بمئات الألاف من السنين ..حتى وصلت البشرية الى ماوصلت اليه فى عصرنا الحاضر ! عندما عجز العقل عن تفسير أمور كالرعد والبرق والموت والميلاد والحياة والرياح وغير ذلك من الأمور ، نسب كل ذلك الى قوى غيبية ! من لحظتها بدأت أسطورة خلق الإله ، ثم عبادته عبر قرون طويلة من عمر العقل الانسانى !
تقبلى تحياتى أيتها الكاتبة المتألقة


5 - مفكرة ومبدعة
طاهر مرزوق ( 2016 / 2 / 24 - 16:12 )
الأستاذة المبدعة/ منال شوقى
يسعدنى ان أقرأ بأستمرار مقالاتك الشيقة والمبهرة بأفكارها وإبداعها وواقعيتها ومنطقيتها ، يسعدنى أن أقول لك أننى أتفق مع كل كلمة تكتبيها وأتفق معك على كل ردودك وخاصة مقالك السابق تعقيباً على المدعو/ نبيل هلال، وقد تيقنت أننى أمام مفكرة كبيرة من أمثال نوال السعداوى ، لديك تمكن من اللغة والفكر والتعليق وطرح الأفكار، وتمنيت فى داخلى أن يكون الحوار المتمدن وغيره من المواقع التى تقود التنوير مليئة بأقلام مثل قلمك المبدع.
ليس لدى ما أعلق به على هذا المقال المتكامل إلا أن أشكرك عليه وعلى فكرك الذى ينتظره غيرى من القراء .
شكراً لك


6 - انطباع
على سالم ( 2016 / 2 / 24 - 19:34 )
الاستاذه منال شوقى , سعيد جدا بمقالاتك التنويريه الهادفه , الطريق امامنا لايزال وعر جدا وطويل بسبب الارث الاسلامى الظلامى الجامد والمتجذر والذى تمكن من العقول ووجدان الامم التعيسه , الارث الاسلامى بالذات عفن جدا وقبيح ودموى وغبى , وحقيقه اقول لكى ان من اجمل امنياتى ان اقتلع الاسلام من جذوره , السبب ان الاسلام اصبح حجر عثره وعقبه كؤود فى مسار الاصلاح , بل اصبح الاسلام وتشريعاته الارهابيه تهدد العالم بأسره بالخراب والدمار

اخر الافلام

.. حاخامات يهود يمزقون علم إسرائيل خلال مظاهرة في نيويورك


.. بايدن يؤكد خلال مراسم ذكرى المحرقة الالتزام بسلامة الشعب الي




.. نور الشريف أبويا الروحي.. حسن الرداد: من البداية كنت مقرر إن


.. عمليات نوعية لـ #المقاومة_الإسلامية في لبنان ضد تجمعات الاحت




.. 34 حارساً سويسرياً يؤدون قسم حماية بابا الفاتيكان