الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسلمون الشكليون بين لحية ماركس وشكلي الذي لا يسر1

الشربيني عاشور

2005 / 11 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


على الرغم من المقائل المتجذرة في الفكر الإسلامي ( إن الله ينظر إلى قلوبكم لا إلى صوركم ) ( رب أشعث أغبر لو أقسم على الله لأبره ) ( إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى ) ( الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل ) وغيرها الكثير من المقائل التي تكرس للجوهر الديني كأساس في التعامل البشري ، والى القلب كموضع للتدين يعكس إشعاعاته على رقي سلوك المسلم في خطابه مع الآخر ، إلا أن هذه المقائل باتت غريبة بل مهجورة اليوم لدى فئة من المسلمين آخذة في النمو والتمدد باتجاه المناصب والمراكز القيادية والحلم بالسلطة ومن ثم التسلط على الآخرين وفرض مفاهيمهم العقيمة للدين على أنها الحق والحقيقة وما دون ذلك هو الباطل والضلال .

هذه الفئة يمكن أن نسميها ( المسلمون الشكليون ) الذين هم نتاج واضح لنظرية الأخذ بظاهر النص والتي ترفض أي تعامل مع النص الديني من خلال العقل والتأويل ، وهؤلاء يتميزون بالمحافظة على الشكل ، شكل المسلم الذي يختصرونه في الثوب والعمامة والسواك والمكحلة والمشط وطبعا إطلاق اللحية بكثافة معينة أو مختلف فيها حسب ما يجوزه البعض وما لا يجوزه البعض الآخر .

أحدهم دخل على جماعة كنت فيها الوحيد الحليق أي بلا لحية أو شارب فصافحهم جميعا من يعرفه ومن لا يعرفه بالأحضان وعندما جاء دوري نظر إلى عابسا وهو يقول : معذرة .. فأنا لا أسر برؤية رجل حليق !!!

هكذا وبلا مقدمات بدأ بمهاجمتي لأن شكلي لم يعجب حضرته .. بعد قليل وفي نفس الجلسة كان لابد أن أرد إليه إهانته ولكن بطريقتي .. فانتظرت إلى أن قدم مضيفنا شرائح من البطيخ للحضور وهنا سألت هذا الذي لم يسر برؤيتي على مسمع من الحضور : هل تعرف كيف كان النبي يأكل البطيخ ؟ فأبدى تعجبه وقال وهل كانت هناك طريقة يأكل بها النبي البطيخ ؟! قلت : نعم . وشرحت له كيف كان النبي يبدأ أكل شريحة البطيخ من اليمين إلى أن يصل إلى الوسط فيعكس الشريحة بين يديه ليبدأ من الأكل من اليمين مرة ثانية فينتهي إلى الوسط أيضا وبذلك تكون آخر قطعة في فمه هي أحلى موضع في الشريحة . وهكذا علمته أنا الحليق الذي لم يسر برؤيته شيئا لم تعلمه إياه لحيته الكثة ولا طريقته الهجومية التي أهانني بها !!

الشاهد الأول في هذه الواقعة هو الاهتمام بالشكل فقط فهذا الذي لم يسر برؤيتي توقف عند شكلي ولم ينتظر إن كان جوهري سيعكس سلوكا إسلاميا أم لا ؟ وتلك هي المصيبة فحيث يغيب الجوهر عند هذه الفئة من المسلمين لا يبقى إلا الشكل الذي يقيمون عليه الآخر المسلم وربما يغالي بعضهم فيخرجه من الملة بمجرد أنه يختلف في الشكل عنهم وهم يحتجون بالآية القرآنية ( وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) والرسول قال ( اطلقوا اللحية وحفوا الشارب ) وبالتالي يصبح هذا الأمر واجب التنفيذ وإلا فأنت فاسق مخالف لأمر النبي . على الرغم من أن الآية القرآنية الآنفة يمكن أن تفهم بما أتانا النبي به في القرآن لأنه هو الشيء الذي آتانا به وبالتالي ينحسر الأمر في الأوامر والنواهي التي جاء بها القرآن . كما أن إطلاق اللحية والشارب شيء لم يأت به النبي لا من عند الله ولا من عند نفسه وانما كان سنة من سنن العرب في الجاهلية أو عصر ما قبل الإسلام وما فعله النبي هو أنه أبقى على هذه السنة أي أنه لم يأمر بمخالفتها .

الشيء الأهم هو التعامل مع قول النبي ( اطلقوا اللحية وحفوا الشارب ) فالملاحظ فيه أنه قول تهذيبي تعليمي بمعنى أن المسلمين باعتبارهم عربا كانوا يطلقون اللحية والشارب بالفطرة أو لافتقاد أدوات الحلاقة المعروفة الآن ولو أنهم كانوا يحلقونهما لكان قول النبي مخصوص بحدود الأمر بالإطلاق أو لقال : لا تحلقوا اللحية . ولكن الأساس في مقولة النبي هو التهذيب وتحديدا تهذيب الشارب الذي كان يبتل بشرب الحساء من الإناء أو يعلق به الطعام . ومن ثم فحف الشارب هو المعني بقول النبي والهدف هو النظافة لمن يطلقون لحاهم وشواربهم .

النقطة الأخرى هي هل إطلاق اللحية مظهر إسلامي فقط أي يختص به المسلمون وحدهم بالتأكيد لا .. فاليهود والمسيحيون والمجوس والهندوس وغيرهم من أصحاب الديانات السماوية وغير السماوية يطلقون لحاهم وشواربهم وبالتالي فان قول بعضهم بأن الحليق يتشبه بغير المسلمين والتشبه بغير المسلمين منهي عنه مردود عليه لأن غير المسلمين أيضا يطلقون لحاهم فهل يتشبه بهم المسلمون الحريصون على إطلاق اللحى ؟!!

الشاهد الثاني في الواقعة هو تغييب الجوهر ونفي التعامل معه قبل المرور بالشكل الذي إن صلح من وجهة نظر هذه الفئة فانه يكفي أو سيعني صلاح الجوهر وهي فكرة خاطئة تماما ، ومن الواقعة ذاتها يمكن الاستدلال . ذلك أن هذا الذي لم يسر برؤيتي كوني حليق وقع في عدة أخطاء جوهرية هي أولا التعدي باللفظ على شخصي .. ثانيا إفساد صفاء الجلسة بجعلي أ فكر في كيفية الرد على إهانته وإحراجه كما أحرجني .. ثالثا تجاهله لتلك المقائل الأساسية في الفكر الإسلامي والواردة في صدر هذا المقال .. رابعا تغييب العقل في التعامل مع النصوص وتعقيمها بحيث تفقد ثرائها الدلالي الذي يسمح بتعدد الرؤى ومن ثم يتيح صلاحية النص للتعامل الزماني والمكاني المتغير .. خامسا هذا التعقيم يؤدي إلى التحجر الفكري والعزلة المكانية والزمانية وبالتالي البعد عن روح العصر الذي نعيشه فتبدو هذه الفئة بفهمها المنغلق خارج الزمن والتطور وهذا الخروج هو ما يدفعها للشعور القاتل بالعزلة والاغتراب الذي يحيل إلى ( نرجسية جريحة ) تقود إلى إبطال صوت التسامح والعقل وإعلاء صوت التشفي والقتل . وكما قيل فإن النار تبدأ من مستصغر الشرر وهذا المستصغر كامن في الشكليات التي تتوقف عندها هذه الفئة بلا فهم أو تعقل فتقودها في النهاية إلى الإجرام .

وهنا أطرح سؤالي الافتراضي الأخير لو أن كارل ماركس كان حاضرا في هذه الجلسة بلحيته الكثة الشهيرة ودخل هذا الذي لا يسر إلا برؤية اللحى دون أن يعرف أن الجالس هو ماركس المحذر من تغييب الأديان للعقول هل كان سيوسعه تحضينا وتقبيلا ؟ أعتقد نعم .. وستكون أحضانه حميمة ودافئة وكثيفة قدر كثافة لحية ماركس ذاتها !! وتلك كارثة الشكل والشكليين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah