الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المطلوب تجريف الخطاب الديني وليس تجديده

علي الخليفي

2016 / 2 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إذا كنا نسعى بالفعل للخروج من هذا التصحر الفكري، فعلينا أولاً وقبل كل شيء، أن نتخلص من هذا العته المٌقدس الذي ورثناه عن معتوهيه قريش .
أن نجعل من العته والهبل والعبط والحُمق شريعة لنا، ونقبلها حَكماً على حياتنا في كل مناحيها، ثم نتحدث على بناء مُجتمعات حديثه، فهذا ليس سوى عَته جديد يُعطي إضافة قيمة للعته القديم المتوارث .

الدعوات التي تتصاعد وتيرتها هذه الأيام والتي تدعو إلى إصلاح الخطاب الديني، هي في حقيقتها دعوات لإصلاح العَته، ولا أحد يدعو لإصلاح العَته إلا المعتوهين .
العَته يتم علاجه للخلاص منه وليس لإصلاحه، لكن المعتوهين الذين يتصدون لهذا الإصلاح المزعوم لا يفقهون من أمرهم شيئا، ونحن لو إستعرضنا كل من ركبوا موجة الإصلاح هذه فلن نجد بينهم شخص واحد يستحق الإحترام. فالحديث ميزان العقل وأنت بمجرد أن تستمع لأحد هؤلاء تُدرك على الفور مدى سطحيته ومدى سذاجة منطقه وضحالة معارفه، ولمعان نجم هؤلاء وسيطرتهم على وسائل الإعلام ووسائط التواصل الإجتماعي ووجود الملايين من المُعجبين بهم والمتابعين لهم لا يعني أبداً نبوغ هؤلاء وعبقريتهم ومنطقية طرحهم، بل يعني إنحطاط وتدني المستوى المعرفي للمتلقي مما يجعله يرى في هؤلاء قمم شامخة في المعرفة لأنه   يقارن معارفهم المتواضعة جداً إلى معارفه التي تساوي صفر .
الإنتشار يكون دليل على التميز عندما يتم ذاك الإنتشار في وسط راقي معرفياً، ولعله من المُفيد ذكر حادثه حصلت قبل عقدين من الزمن، عندما نشر الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب أخر روائعه الفنية (من غير ليه)، وفي ذات الوقت نشر أزعر مجهول الهوية لا أظن أن أحداً يتذكر حتى إسمه اليوم، نشر أغنية هابطة تحت عنوان "لولاك" ، فكانت المُحصلة أن رائعة عبد الوهاب لم يوزع منها في الأسواق سوى عدة ألاف من النُسخ، في حين وزع من تلك الأغنية الهابطة خمسة ملايين نسخة.
عندما سئل عبد الوهاب عن تعليقه عما حدث علق بأن هذا شيء طبيعي في مجتمع يتدنى فيه مستوى الذوق الفني، لكن الآن وبعد مرور عقدين من الزمان لا نزال نرى رائعة عبد الوهاب تعيش بيننا وتشكل جزءاً من ذائقتنا الفنية بينما ذهبت تلك الأغنية الهابطة إلى مزبلة الفن .
بعد عقد أو عقدين من الزمان سيذهب كل هؤلاء الداعين لإصلاح خطاب العَته الديني إلى مزبلة التاريخ، ولن يذكرهم أحد، لأنهم يراهنون على جهل وتدني معارف المُتلقي، ومع إنتشار المعرفة وإرتقاء المُتلقي بمعارفه سيكتشف حقيقتهم، وحقيقة الخدعة التي خدعوه بها عن وجود إمكانية لإصلاح العَته.

عُلو كعب هؤلاء المعتوهين من دعاة إصلاح خطاب العته لم يحدث بالصدفة، فتسخير وسائل الإعلام ووضعها تحت تصرف هؤلاء، ودعمهم مادياً لنشر تفاهاتهم وسخافاتهم ونظرياتهم المتهافتة عن العته الموديرن الذي يدعون إليه، كل ذلك مدبر ومُخطط له وترصد له ميزانيات لدعمه من قبل جيل جديد من المستبدين العسكر، أدرك بعد حدوث الهياج الكبير في هذه المنطقة منذ بداية ما يُسمى بربيع العرب، أدركوا أن هذه المؤسسة الدينية المُتهالكة قد فقدت قدرتها على السيطرة على القطيع، ولذا وَجَبَ إحالتها إلى التقاعد وإبدالها بهؤلاء المُصلحين المزعومين .

المُستبد يعلم أن قوته العسكرية ومهما كانت قاهرة لن تفلح للأمد البعيد في منع هياج القطيع الذي يستبد به، وأنه لا شيء قادر على تخدير القطيع مثل العَته المُقدس، فلقد نجح هذا العَته المُقدس في ترسيخ الإستبداد لألف وأربعمائة عام، ولذلك لا ينوي المستبد التخلص منه، بل يُخطط لتلميع هذا العَته، وتقديمه للقطعان على أيدي كهنة جُدد، يزعمون أنهم يخوضون صراعاً طاحناً ضد كهنة العَته القديم، ويظهرون على القطعان بمظهر مخالف لمظهر كهنةالعَته القديم، فهم حليقي اللحى، وحديثي الملبس، ويرطنون ببعض الكلمات الأجنبية، مما يجعل القطعان ترى فيهم طوق النجاة الذي سيصل بهم إلى بر الأمان حيث يستطيعون الموائمة بين عتهم القديم الذي لاتزال بقاياه تُعشش في تلافيف أمخاخهم وبين الحداثة التي تُبهرهم كل يوم بجديد .

هذا العَته المودرن لن يقودهم إلى أي بر سوى بر السذاجة والغفلة والإنحطاط الذي قادهم إليه العَته القديم، وهؤلاء الكهنة والكاهنات الذين يشرفون على تقديم العته الجديد سيملأون جيوبهم وكروشهم من الضحك على ذقون المُغفلين، كما فعل أسلافهم تماما، والنتيجة هي مرحلة جديدة من الإستبداد ستأكل من أيام القطعان وأعمارهم ما شاءت لها الغفلة أن تأكل، حتى يأتي موعد هياج جديد سيجد له المُستبد الذي يواجهه تخريجة جديدة مختلفة، تحفظ له إستبداده، وتحفظ للقطعان عَتههم المُقدس .

تخاريف بدو قريش، وتصوراتهم عن الله وعن إمكانية وجود حياة أخرى للإنسان لا ترقى لأن تكون تصورات لشخص متدني المعرفة فضلاً أن تكون خطاب إلهي مُنزل من السماء .هذه التخاريف عبارة عن تهيئوات عقول مُختلة كانت محاصرة بالرعب وسط صحراء التيه في نجد والحجاز، ومادامت هذه الأمة تُصر على أن تلك التخاريف إن هي إلا وحيٌ يُحى نزله شديد القوى، فستظل في هذا العَته التي هي فيه الأن، وسيظل يُطل عليها كل مئة عام معتوه جديد ليجدد لها عتهها .
الحل هو الأخد على يد هؤلاء المعتوهين الجدد، وفضح سخافة وإنحطاط عَتههم الجديد، ودعوة الناس لتجريف هذا العته قديمه وجديده، ورميه في مزبلة التاريخ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بابا الفاتيكان فرانسيس يصل لمدينة البندقية على متن قارب


.. بناه النبي محمد عليه الصلاة والسلام بيديه الشريفتين




.. متظاهر بريطاني: شباب اليهود يدركون أن ما تفعله إسرائيل عمل إ


.. كنيسة السيدة الا?فريقية بالجزاي?ر تحتضن فعاليات اليوم المسيح




.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا