الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نظرية الكهنوت الإسلامي

انور سلطان

2016 / 2 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نظرية الكهنوت الإسلامي

لم يجعل القران (وكذلك النبي محمد) لأحد من الناس مكانة دينية لا في حياة النبي ولا بعد وفاته. ولأنه حدث اختلاف وصراع سياسي, واختلاف وصراع ديني في قسم منه ناتج عن الاختلاف السياسي وفي قسم آخر ناتج عن الاختلاف الفكري وعن الاختلاف في تصور الدين, وهو تصور لا ينفك عن ظروف وثقافة عصره, أدى ذلك الصراع إلى محاولة كل طرف تفسير الدين بطريقته الخاصة, وتصوير نفسه أنه هو المهتدي وخصمه هو الضال الذي يحتم الدين قتاله. ووضع كل طرف نفسه مكان النبي ووضع خصمه مكان خصوم النبي من المشركين العرب, وأنزل الآيات التي نزلت في المشركين, الذين لم يعد لهم وجود, على خصمه السياسي والديني.

ومحاولة التفسير الخاصة للدين استتبعت اختراع صلاحيات دينية للنفس, ونزعها من الآخرين. ولذلك نقرأ ونسمع كثيرا أن هذه الفرقة أو تلك, أو هذا الشخص أو ذاك, لا يُعتد برأيه. ونتج عن هذا الأمر ليس فقط فرض وصاية على الدين, بل أصبح البعد الشخصي مقوم من مقومات الحجة. ولذلك ليس مستغربا أن يُحتج بأقوال من يُسَمون بالأئمة. وكثيرا ما نقرأ ونسمع, أيضا, هذه العبارة تتردد: قال: فلان, مثل: قال عمر, قال علي, قال الشافعي, قال أحمد, قال ابن تيمية ...الخ. وكأنهم أنبياء وكأن أقوالهم في ذاتها حجة.
الذي حدث هو أن نظرية الكهنوت الاسلامي جعلت من أقوال غير النبي حجة كنصوص القران وكأقوال النبي وإن كانت أقل مرتبة.

وتقوم نظرية الكهنوت الاسلامي على مجموعة من الأسس المبتدعه الدخيلة على الاسلام, بغض النظر عن مصدر الإسلام, وهل هو دين إلهي أم دين من وضع النبي نفسه تقليدا لليهودية والنصرانية أوتوفيقا بينهما كما يُقال. وهذه الأسس الفكرية هي:
(1) القول أن الشريعة شاملة تستغرق كل صغيرة وكبيرة من الحياة العامة والفردية. ولأنها ليست كذلك فعلا, تم تقسيم الشريعة الشاملة إلى شريعة منصوص عليها وشريعة غير منصوص عليها.
(2) القول أن قسما من الدين, الذي لم ينزل فيه نص, وهو القسم الأعظم, هو محل لاجتهاد البشر, ويُعرف عن طريق الاجتهاد.
وهذا القول اما نتيجة مباشرة لمقولة شمول الشريعة. أو العكس, مقولة الإجتهاد التي خلقت كهنوت ديني استلزمت القول بشمول الشريعة, الذي استلزم تقسميها حسب مصدرها الى منصوص عليها وغير منصوص عليها, لتبرير مقولة الإجتهاد كطريق لمعرفة شريعة السماء في المسائل التي لم تـُنزل السماء نصا فيها. وعلى أية حال فكل مقولة منهما مكملة للأخرى.
(3) تقسيم الأمة الى مجتهدين ومقلدين. والقول أن الائمة المجتهدون هم ورثة الانبياء الذين يقومون مقام النبي في أمته. فالمجتهد بالنسبة للمقلدين كالنبي بالنسبة للمسلمين في حياته.
(4) القول أن الاجماع (وهو إجماع بشر) مصدر قطعي ملزم من مصادر الشريعة الإلهية.

المقولات أعلاه ليست إلا دعاوى باطلة ومحض افتراءت تم الاستدلال عليها بالتحكم في معنى النصوص أو بتحريف معناها.

لقد نشأ الاعتقاد بصحة هذه المقولات, ثم بحثوا لها عن دليل, عملا بالقاعدة غير المعلنة: أعتقد ثم استدل. ولا يُفهم من النصوص التي استدلوا بها معاني هذه المقولات لا من قريب ولا من بعيد. ولا تدل على مرادهم حتى دلالة ظنية.
وعدم وجود نص صحيح صريح على هذه المقولات يكفي لاسقاطها. فهذه مقولات خطيرة جدا, فهي تضع أصولا في الاسلام, وليست مجرد مسائل فرعية. ولا يمكن القبول بوضع أصل في الدين لم يكن له وجود في عهد النبي, ولم تتم ممارسته في عهده, بنص ظني. هذا اذا سلمنا أن النصوص التي يستدلون بها على هذه المقولات الخطيرة جدا ترقى الى الظنية.

وعندما جاء الشافعي جمع شتات هذه المقولات ونظمها و "اجتهد" في الاستدلال عليها بنصوص من القران في كتابه "الرسالة".

وهناك مقولة خامسة حاول الشافعي التأصيل لها في كتابه الرسالة, وهي مقولة: الزامية العمل بحديث الآحاد "الصحيح". (ووصف قسم من أحاديث الآحاد بالصحيح مغالطة لتمريره على العامة, لأن هذا الوصف, وإن كان اصطلاحيا, يوحي أنه غير مشكوك فيه وأن النبي قاله فعلا. والأولى وصفه بالمقبول, وليس حتى بالقوي, إذا توفرت فيه شروط صارمة).

جعل الحديث حجة حوله إلى حصان طرواده مكن الدولة الأموية والعباسية والسلاطين والفرق والأفراد من تكييف الإسلام ليتماشى مع أهواءهم وتصوراتهم.

وستكون الحلقات القادمة, تحت عنون: "نقد الشافعي", نقاشا لتأصيل الشافعي لنظرية الكهنوت الإسلامي, بأركانها الخمسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل


.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي




.. - الطلاب يحاصرونني ويهددونني-..أميركية من أصول يهودية تتصل ب