الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهزيمة والمظلومية

جواد البياتي

2016 / 2 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الهزيمة والمظلومية
جواد البياتي
الهزيمة هي الانكسار في الحرب ، او الفرار من ارض المعركة والهزيمة هي ايضا الخسارة والتقهقر وهي عكس كلمة النصر والفوز بالحرب الاّ ان ميادين الحرب ليست الوحيدة التي يحكم نتائجها الصراع دائما . فهذا الصراع موجود في السياسة والفكر وحتى العلوم والاداب والرياضة واللغات . اما السياسة فهي اهم ميادين الصراع على الاطلاق ، والهزيمة في ميادينها هو تراجع في كل الميادين الاخرى وعليه وجب ان يقود معركة السياسة قوم متخصصون خبراء في الانتصار فقط واذا ماحصل نكوص في بعض المنحنيات فيمكن تحويله بسرعة الى منطلق مغر للعودة الى ميادين الانتصار مرة اخرى ، وباختصار شديد، ان الانتصار والهزيمة هو مايكون على الارض من وقوعات او وقائع مادية او عينية محسوبة وموثقة .
اما المظلومية فهي الهزيمة والانكسار والتراجع والفرار داخل النفس فهي احباط دائم ونكوص نحو الوراء وصاحبها يصبح اشبه بالمتسول الذي يبتكر اغرب النظريات ويقوم بأعجب الفعاليات ليستدر عطف الاخرين للحصول على اكثر المساعدات والتعاطف ، ولذلك فلا تصلح لأن تكون منطلقا نحو انتصار مهما كان نوعه او طبيعته ، اللهم الاّ في استدرار البسطاء واستقطابهم وضمهم الى حضيرة المظلومية ، وهذه ليس لها مكان ثابت ، فهي تنمو في المجتمعات الاستهلاكية وتلك التي تقع تحت تأثير الفكر الديني ، واذا كانت الهزيمة يمكن ان تكون منطلقا للنصر في احيان كثيرة ، فليس للمظلومية اية فرصة للوثوب بدافع الانتصار .
ان عقائدية المظلوم وعقيدته هي التي تدفعه الى خلق المزيد من الاسباب لزيادة مظلوميته وهي ليست حبا في الخضوع الدائم لها وانما املا في تعويض سماوي يحفظه له الله لما بعد الموت ، لان فكرة الحق المفقود التي تراوده دائما لايتخيل او يتوقع او يأمل الحصول عليها على الارض ، بل انها تنتظره عند الله وفي معشر انبيائه وائمته الاطهار .
ان من ابرز اسباب المظلومية هي الوقوع تحت تأثير الظلم المؤلم لأجل غير مسمى ولأسباب لايعرفها او يتحسسها الاّ المظلوم نفسه وتحصل هذه في ظل ظروف سياسية استثنائية عصيبة كمراحل التحول السياسي او مرحلة التحول الفكري او الديني وتستمر كمنهج سياسي غير منصف تبعا لعدة عوامل قد يكون اهمها الفتن والعواصف السياسية التي تتخللها حالات النفاق والخيانة والتنافس التي تمر به الدولة .
والمظلوم لاتجد لديه مناسبة للفرح الاّ واستغلها لتذكّر احزانه حتى ان لحظات الفخر لديه تعني تذكّر المزيد من مظلومياته وابتكار طرق جديدة لزيادة الامه وخسائره واهدار ماله ووقته ، وما دام ذلك يتعلق بالعقيدة فمعنى ذلك ان اي اعتراض على هذه المظلومية او تخفيفها هو مساس بالعقيدة وتلك المقدسات ، ومع ان اصحاب نظرية المظلومية يتطلعون الى الاجر والثواب في الاخرة الاّ انهم اكثر تشبثا بالحياة من خلال تهالكهم على جمع المال والسعي له بكل الطرق والاساليب ، كما لاينتظر هذا المظلوم ان ينتقده احد او ينقذه من هذا الظلم ، اما الخلاص فيمكن ان يأتي على يد اقوام اخرى لاتمت له بأي صلة .
ان التطلع للخلاص من المظلومية واعلان الانتصار المطلق هو منح المظلومين حرية التعبير عن مظلوميتهم بكل الطرق المتاحة ولكن يمكنه السماح بتوجيه التعبير عن المظلومية وفق اساليب استثمار جديدة معنوية وتحويلها الى فعل مادي تقلل خسائر التعبير عنها ويتجه نحو حصاد حقيقي مثمر يفتح امام المظلوم باب المنافسة في صنع الحياة حتى يبدو منتصرا .
ان النواح المستمر والحزن المفرط ولطم الوجوه وجلد الذات ليس هو الانتصار وانما الانتصار هو فعل شئ للاخرين يدخل في الجانب المادي والمعنوي والتربوي والاخلاقي للحصول على مجتمع متكامل ومتعاون وصادق محبا للعمل حريصا على الوقت ضمن مجتمع بنّاء ومخلصا لوطنه ومتحمسا لمنافسة المجتمعات المتحضرة التي انتصرت على مظلوميتها في زمن ما وانتقلت لتغيير حياتها بالشكل الذي هي عليه الان ولكن بنسخة اسلامية تراعي فيها مبادئ ديننا الحنيف وتقاليد مجتمعنا الاصيلة ، ومن اجل الوصول الى هذه النتائج لابد من قيام النخبة والصفوة من مفكرينا للدعوة الى خلع رداء المظلومية والانتقال الى ميادين العمل الحقيقي لصناعة التاريخ بصيغته الجديدة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است


.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب




.. الفوضى التي نراها فعلا هي موجودة لأن حمل الفتوى أو حمل الإفت


.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق




.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با