الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ( الأنا ) إلى ( الإنية ) فإلى (الغيريٌة) ومن (الهُو ) إلى (الهُويٌة )

عبد اللطيف بن سالم

2016 / 3 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من ( الأنا ) إلى ( الإنية ) فإلى (الغيريٌة)
ومن (الهُو ) إلى (الهُويٌة )

إنما الكلمات مفاتيحٌ لأبواب التفكير في أي مجال من مجالات المعرفة وتحديدُ دلالاتها بوضوح هو الذي يساعدنا على فرزها بعضها من بعض واستعمالها في أماكنها المناسبة وحسن الاستفادة منها فما الذي تعنيه ( الأنا والإنية والغيرية والهو والهوية ) المستعملة هذه الأيام في الدراسات الفلسفية ؟ .

(الأنا )هي الذات بمفردها دون اعتبار لغيرها ومنها كانت الأنانية أي الاعتبار بالذات وحدها والتفكير فيها وتفضيلها على غيرها وهذه صفة عازلة – بشكل ما – الفرد عن المجتمع لأنها صفة منبوذة من الناس جميعا رغم أنهم يتّصفون بها ،إنها غريزية في أصلها ولايمكن لأحد التحرٌر منها بصفة مطلقة أبدا مهما أوتي من علم وثقافة رادعة وتحمل ( الأنا ) هذه في مفهومها العام كل الخبرات الأخرى المتعلقة بها وكل الخصوصيات المتركبة عليها من ثقافتها التي تحصل عليها من العائلة ومن المدرسة ومن الحياة الاجتماعية التي تنتمي إليها .

( الإنّية ) أما الإنية فهي إحساس المرء ب" أناه " هذه في علاقاتها بغيرها من الناس القريب منهم والبعيد ، هي الذات في أبعادها الأربعة : الوجودي منها والوجداني والمعرفي والعملي وبمعنى آخر هي الشخصية بكاملها في وجهها الذاتي أي في وعي صاحبها.
أما (الغيرية) فهي إحساس المرء بأن له وجودا آخر في العالم ، وجوده الموضوعي (في نظر الآخرين وفي نظره )،إنه الوجه الآخر لوجوده الذاتي وإنه لا يمكنه أن يُدرك هذا إلا بذاك ولكي يعيش في سلام مع نفسه لابد له أن يُحكم التوازن في ما بين الوجودين معا .الغيرية هي بمعنى آخر الإحساس بأننا لسنا وحدنا في هذا الحياة الدنيوية ، هناك الأسرة والعائلة والمجتمع المحلي والمجتمع العالمي أي أننا نحن و الآخرون في مكان واحد وزمان واحد وأننا نعيش في محيط متشابه ولابد للشبيه أن يُدرك شبيهه ويُحسن التعامل معه خصوصا وقد صار الوقت اليوم مناسبا أكثر لمثل هذا التفاعل والتقارب بفضل هذه التكنولوجيات الحديثة المتطورة التي قد سهلت عملية التواصل بين جميع الناس في العالم .
(الهو) وهو أيضا جانب هام من مكونات هذه الذات،وهو كل ما فيها غريزي وطبيعي ،هو بشكل ما الذات في غياب الوعي بها أي الجسد بكل مقوماته المادية البيولوجية وهو نتيجة لولادة في زمن ما ونمو طبيعي من مرحلة ما إلى أخرى في صيرورة حياته الخاصة وفي إطار مرحلة ما من مراحل التطور الطبيعي الذي أصابه النوع البشري حتى الآن .هو معطى حيوي خارج عن إرادتنا وليس لنا فيه اي اختيار وإلا فمن منا قد اختار مولده أو عائلته أو جسده أو حتى مجتمعه الذي وُجد فيه ولكنه داخل أيضا في تركيبة وجداننا أي هو أيضا من مقومات شخصيتنا أحببنا ذلك أو كرهنا ؟
(الهوية) تنطلق الهُوية من الهو في أساسها من حيث أنه ليس لنا فيها أيضا أي اختيار لأن هذا " الهو " له أرض يوجد فيها وله تاريخ طويل عمل على تكوينه وله مجتمع ينتمي إليه ولغة يعبر بها عما يحسّ به ويتواصل بها مع غيره وبواسطة هذه اللغة يكتسب المرء قدرة على التحكم في طبيعته هذه والتصرف فيها وتوجيهها رغم أنها هي ذاتها طبيعية .وبهذه اللغة يصنع المرء الثقافة التي بها يتميز عن باقي الكائنات الحية وعن الأشياء إذ تصير له أداة تحوير وتغيير وتصرّف في هذه الطبيعة بكاملها إلى درجة الرغبة في تجاوزها إلى ما يُفارقها ، إلى ما لا يكون طبيعيا أصلا . وفي هذا المستوى من الثقافة يختلف الناس ويتبا ينون .( الهوية ) إذن قوامها الأرض والتاريخ واللغة المشتركة في ما بينها وبقية الهويات المعايشة لها بما فيها من علم ودين ورؤى مختلفة ، لكن يمكن لهذه المقومات أن تكون محلية ونوعية كثرة في وحدة باعتبار الفصل النوعي الذي يُفرد كل مجموعة بشرية بخصوصياتها المميزة لها عن غيرها كما يُمكن أن يتسع مجال هذه المقومات فيدرك الوحدة الواحدة مع كل أشباهها وذلك بفضل ما يتوفر اليوم من إمكانيات لتوسيع تلك المجالات إلى أبعد مدى فقد تصير الأرض واحدة والتاريخ واحدا وكذلك المجمتع واللغة المستعملة والثقافة التابعة لها ولكن تسقط في هذه الحالة الأغلبية في الهامشية لتعيش أقليةٌ قوية و مهيمنة ويحتدم من جديد ذلك الصراع من أجل البقاء الذي كانت في الماضي الثقافات الخصوصية تعمل على الحد منه وتلطيفه وتوجيهه في ما يعود بالخير على الانسانية قاطبة .أما في غضون هذا الوضع الجديد الذي تعمل العولمة على إرسائه فإن ما يُعرف بالمبادئ الإنسانية التي انتشرت بين الناس في الماضي والتي كانت المؤطرة لحياة الفرد والراعية لحقوقه ستأخذ في الزوال تدريجيا لتحل محلها مبادئ السوق القائمة فقط على الرغبة في النهب والسلب والاغارة من أجل الكسب السريع وهي لعمري تلك المبادئ التي كانت تعيش بها البشرية سابقا في أيام بداوتها ووحشيتها وهكذا سنكون بذلك إذن نتقدم إلى الوراء ونعود من حيث كنا شئنا ذلك أم أبينا لأن الواقع المفترض أن نعيشه غدا هو فقط واقع الأغنياء وليس كل الأغنياء على حد سواء وإنما هو واقع الأغنياء من التجار والسماسرة وأصحاب الشركات المغامرة والعابرة للقارات والتي لا يهمها في هذه الدنيا إلا المزيد من الربح للمزيد من الهيمنة .

عبد اللطيف بن سالم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل تسعى إسرائيل لـ-محو- غزة عن الخريطة فعلا؟| مسائية


.. زيلينسكي: الغرب يخشى هزيمة روسية في الحرب ولا يريد لكييف أن




.. جيروزاليم بوست: نتنياهو المدرج الأول على قائمة مسؤولين ألحقو


.. تقارير بريطانية: هجوم بصاروخ على ناقلة نفط ترفع علم بنما جنو




.. مشاهد من وداع شهيد جنين إسلام خمايسة