الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في اللادينية – 7 - الأخلاق مُستتبَعة ً من: علم النفس – مدرسة: كارل جوستاف يونج.

نضال الربضي

2016 / 3 / 3
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


قراءة في اللادينية – 7 - الأخلاق مُستتبـَعة ً من: علم النفس – مدرسة: كارل جوستاف يونج.

تُقدِّم ُ المنظومة ُ الدينية الأخلاق َ على شكل ِ تعليمات ٍ و قوانين تُصدِرها الحضرة ُ الإلهية للبشر، ترتبط ُ بمشيئة ِ الإله و تحديده لما هو: صالحٌ و طالح، و باعتبار الوحي ِ أداة َ التبليغ و حُجَّته المُلزمة في ذات ِ الوقت، و تُسبغ ُ على هذه التبليغات قُدسية ً تتمكَّن ُ من قلوب ِ العابدين لتبني في داخلهم هياكل َ نفسية ً ترتبط ُ بهذه التبليغات و تصوغ ُ رؤيتهم للحياة و ردود َ أفعالهم الشمولية.

أشهر ُ القوانين ِ الإلهية هي الوصايا العشرة لليهود، و تبدأ ُ بأمر ِ عبادة ِ الإله اليهودي وحده (يُنسب ُ الأمر ُ للقرن الثالث عشر قبل الميلاد) دون أن تنفي وقتَها وجود َ آلهة ٍ أُخرى، فهذا النفي لا يظهر ُ لأوَّل ِ مرَّة سوى في سفر أشعياء النبي لكاتبه الثاني في القرن السادس قبل الميلاد أي بعد أمر ِ العبادة ِ الأوَّل بسبعة ِ قرون، و تنتهي (أي الوصايا العشرة) بالنهي عن اشتهاء ما للغير سواء ً كان كُممتلك مالي (بالنهي عن حسد الآخر) أو كارتباط شخصي (بالنهي عن اشتهاء نساء الآخر).

أمَّا أبسط ُ منظومات ِ القوانين الإلهية فهو نظام ُ: "أبناء ِ نوح" أو ما يُعرف ُ بـ "المنظومة النوحية"، و هو النِّظام ُ الذي يعتقد ُ اليهود ُ أنَّه ُ القانون الأوَّلي المُوجَّه ُ للعالم ِ أجمع من غير اليهود، و الذي قد تسلَّمه ُ موسى نفسُه من الإله لكي يضمن َ بواسطتِه ُ كلُّ مُلتزم ٍ و عابد ٍ الوُصول َ إلى درجة "الأُمَمِي ِّ البار"، أما كلمة ُ البار فهي دلالة ُ على أن الأُممي غير اليهودي يسير بحسب ِ الفكر ِ الإلهي و ينسجم ُ مع مقصد ِ الألوهة، و بالتالي و إن كان خارج الدائرة ِ القومية الدينية للقبائل العبرانية إلا أنه داخل دائرة المقصد الإلهي، اي بطريقة ٍ ما: مُنسجم ٌ مع الإطار ِ العام للمنظمة ِ الدينية.

(أورد ُ للقارئ ِ الكريم قوانين َ "أبناء نوح" السبع للاضطلاع و هي: لا تنكر الإله، لا تُجدِّف عليه، لا تقتل، لا تخض في علاقات ٍ جنسية ممنوعة، لا تسرق، لا تأكل حيوانا ً حيَّا ً، أقِم محاكِم و أنظمة ً قانونية لضمان طاعة القوانين).

منشأ ُ القانون الأخلاقي في المنظومة ِ الدينية هو الكيان ُ الإلهي المُفارِق ُ للطبيعة ِ البشرية، و لن تجد َ تفسيرا ً في النصِّ الديني الُموحى للوصايا يتَّفق ُ مع الإطار الفلسفي أو الجذري لماهية ِ الفعل ِ المنهيِّ عنه أو المأمور ِ باتِّباعِه، لأنَّ التفسير الوحيد هو في حقيقتِه ِ إقرار ٌ لمبدأ ِ مفارقة الأُلوهة للواقع و ترسيخ ٌ لحقِّها في تقرير ِ ما يجب ُ أن يُتبّع و ما على العابد ِ أن ينتهي عنه، و بدون ِ حاجَة ٍ لبيان ٍ الحكمة ِ أو السَّبَب ِ أو المنفعة. و أمَّا ما يقوم ُ به العابدون َ لاحقا ً من بحث ٍ في الأسباب ِ المُوجبة لاتِّباع ِ المأمور به، و الانتهاء ِ عن ِ المنهيِّ عنه إنَّما هو اجتهاد ٌ شخصي ٌّ لا وحي ٌ مُنزَل، و إن كان َ يملؤ ُ كُتبا ً و مُجلَّدات ٍ و يتَّخِذ ُ أسماء ً مثل َ: المشنا و الجمارا و التلمود و كتابات الآباء القديسين و التأمُّلات و الدسقوليات و السِّير و التفاسير و الصِّحاح و المساند، إلى آخره من الأسماء التي لا يدَّعي أصحابُها أنَّها كُتب ٌ موحاة مع أن َّ جمهور العابدين و المُشتغلين بالدِّين يولونها قدسية ِ النصوص المُوحاة بحسبهم.

إن َّ هذا التغليف َ الإلهي للقوانين ِ الأخلاقية و إن كان َ مُريحا ً في إعفائِه ِ للباحث ِ من عناء ِ الغوص ِ نحو الجذور ِ و الأسباب، إلّا أنه يبقى غير مُقنع ٍ و لا مُشبِع ٍ لتساؤلات ِ العقل المُلحَّة، و اضطرابات ِ النفس ِ الجائشة ِ بنتائج ِ التفاعُلات ِ الديناميكية ِ لجدلية الإنسان ِ و الواقع الطبيعي، و لا بُد َّ للساعي المُجتهِد من تنقيب ٍ دقيق ٍ عن أُصول ِ الأخلاق ِ الإنسانية، و جُذورها، و بواعِثها. و في هذا المَقام ِ العقلي، مقام ِ الفضول ِ المعرفي التَّوَّاق ِ لاستكشاف ِ ماهيِّة ِ الإنسان بدلالة ِ ما يجعلُه ُ لنفسه من أخلاق، لا نملك ُ إلَّا أن نُفارق َ المنهج ِ الديني المُستسلم َ لتفسيرِ: المشيئة ِ الإلهية، لننطلق َ إلى المنهج ِ اللاديني المُتأصِّل َ في الحتميات ِ البيولوجية ِ للكائن الحي كعامود ٍ مدماك ٍ أوَّل َ، و في القدرة ِ العقلية ِ البشرية وعيا ً مُنطلقا ً من البيولوجيا و مُرتقيا ً فوقها دون َ أن يُفارقها كعامود ٍ مدماك ٍ ثانٍ.

في المنظومة ٍ اللادينية لا بُدَّ أن تنتج ُ المُخرجات ُ عن أسباب ٍ مُنشئةٍ، هي في ذاِتها تجلِّيات ٌ لطبيعة ٍ مادِّية ٍ مُرتبطة ٍ بالواقع ِ البشري ِّ المُجتمعي التفاعلي الذي يتشابك ُ فيه ِ الفرد ُ مع المجموعة، و يكتسب ُ هويَّتَه ُ من خلالِها و تكتسب ُ هويَّتها الجمعية من خلال فرديَّته. في هذه المنظومة ِ لا ثبات َ إلَّا لقانون ٍ واحد ٍ هو قانون ُ: حتميَّة ِ التغير. فالثبات ُ يتعارض َ مع طبيعة ِ الكائن ِ الحيِّ الذي يتحرَّك ُ ضمن مُجتمع ٍ خارجي، و كيان ٍ داخليٍّ كيميائي ٍ بيولوجي أزيد ُ عليه لفظ َ: إلكتروني كهربائي.

و من السابق ِ لا بُدَّ لفهم ِ منشأ ِ الأخلاق أن َّ نفهم َ النفس البشرية َ على مستواها الثاني: كمُستوى نوع (النوع هنا هو: الإنسان العاقل Homo Sapiens)، و قبلَهُ على مُستواها الأوَّل: كمُستوى فرد ٍ في النَّوع. و إنَّما جعلت ُ الفرد مُستوى ً أوَّل َ لأنَّه ُ الأصل في البحث و منه ُ نلج ُ إلى النوع، و يستحيل ُ بدونِه ِ أو قبلَهُ أن نتناول النوع.

تناول ِ المُعطى البشري في المنظومة ِ اللادينية ِ على هذين ِ المُستوين لا بُد َّ أن يقودنا بالضرورة ِ إلى مدرسة العالم النفسي: كارل جوستاف يونج.

بدأ يونج كتلميذ ٍ و صديق ٍ لعالم ِ النفس الأشهر: سيجموند فرويد، و تحمَّس لمدرسته النفسية، و تأمَّل َ فيها، و درسها، ثم َّ ما لبث َ أن بنى على أساساتِها، و فارقها في بعض ِ جُزئياتهِا حتى أتى بجديدِه ِالذي بِه ِ جاءت القطيعة ُ بينه و بين مُعلِّمِه ِ فرويد، كشهادَة ٍ للاختلاف ِ في المنهج و الاستنتاج و النتائج. و هذا حال ُ العلم ِ و الُعلماء فإنَّهم مُخلصون َ للحقيقة ِ إينما تكون لا للأفراد ِ و لا للقيمة ِ الشخصية و لا للاعتبارات ِ الاجتماعية.

يرى يونج أن َّ الشخصية َ النَّفسية تتركَّبُ من ثلاثَة ِ مُكوِّنات ٍ هي:

- الوعي conscious.
- الـلاوعي الفردي (الشخصي) private unconscious.
- اللاوعي الجمعي collective unconscious.

الوعي conscious هو الجزء ُ المعني بالخبرات الحياتية ِ التي يتعرَّضُ لها الإنسان، و فيه يتركَّز ُ "الأنا" كاستعلان ٍ للوعي، أو لنقل كآلية ٍ تُقرِّر ُ ما يريد أن يبقيه الإنسان في حيِّز المشاعر و التفكير، و ما يريد أن ينفيه إلى الطبقة التالية، ليختبئ َ هناك دون أن يقلق بشأنِه ِ على المستوى الشعوري. "الأنا" عند كارل يونج هي آلية ٌ تُشبِه ُ حارس البوَّابة ما بين الشعور و الوعي و بين اللاوعي أو اللاشعور، فيقرِّر ُ ما يريده و ما لا يُريده: فأمَّا ما لا يُريده فيتمُّ الزج ُّ به إلى مُستودع التركيب النفسي إلى اللاوعي الفردي، و أمَّا ما يريده فيبقى عاملا ًمُؤثِّرا ً في الحياة الفردية.

و بالضرورة لا بد َّ بما أننا قد فحصنا الوعي، أن نفحص الطبقة َ الثانية في الشخصية ِ النفسية عند يونج و المعروفة َ بـ اللاوعي الفردي private unconscious. تعمل ُ هذه الطبقة كمخزن ٍ للخبرات ِ التي عاشها الفرد لكنَّه ُ وضعها هناك إمَّا لأنَّه ُ لم ينتبه لها لانشغالِه، أو لقد دفع َ بها الرفض ُ الاجتماعي و الإدانة الأيدولوجية إلى هذا المستوى اللا شعوري اللا واعي حتَّى يتجنَّب الفردُ النتائج َ الوخيمة لبقائها كعامل ٍ مُؤثِّر ٍ في وعيه و صياغة ِ توجُّهاته المُباشرة و مقاصدة التي يُمكن ُ للناس ِ أن يروها. إن َّ طبقة َ اللاوعي الفردي عند يونج طبقة ٌ إيجابية ٌ في فعلِها فما يتم ُّ وضعُه ُ فيها لا بدَّ أن يعمل َ لتحقيق ِ "اكتمال ِ الفرد" و إتمام ِ نُضجه و توازُنِه ِ بطريقة ٍ أو باُخرى، فهذا هدفُها و إليه تتَّجِه ُ تفاعُلاتها. (لاحظ عزيزي القارئ الفرق َ الكبير بين يونج و فرويد في هذه الناحية ففرويد كان يرى اللاوعي كمُجرَّد ِ مخزن ٍ مُظلِم ٍ لكل ِّ ما هو سلبي و يهدف ُ لإخفاء ِ العُقَد ِ النفسية، بينما يراه يونج مخزنا ً لكل ِّ ما تم َّ إبعادُه من حيِّز ِ الشعور و الوعي: صالحا ً و طالحا ً إيجابيا ً و سلبياً، و بهدف النضوج و التوازن لا الإخفاء).

المُكوِّنان ِ السابقان ِ للشخصية ِ عند َ يونج يتكاملان ِ و يتفاعلان ِ مع ثالِثهما و هو: اللاوعي الجمعي collective unconscious، و هو الاكتشاف ُ المُذهِل الذي قدَّمه ُ للطب النفسي كآداة ٍ لمنهج ٍ جديد ٍ في فهم ِ الشخصية ِ الإنسانية.

تكمن ُ عظمة ُ هذا المُكوِّن ِ النفسي الجمعي في أنَّه ُ يمضي بخط ٍّ نفسي ٍّ تطوُّري متواز ٍ مع الخط ِّ البيولوجي التطوري للجنس ِ البشري، بمعنى أن يونج يعتقد ُ أن َّ التطوُّر البيولوجي قد رافَقَه ُ تطوُّر ٌ في البُنى النفسية التي تنتج ُ عن العقلِ البشري الذي هو نتيجة ُ تطوُّر بيولوجي للدماغ. هذا التوظيف ُ المُذهل لنظرية ِ التطور بقياس ٍ علميٍّ صائب أفضى إلى تعبير ٍ عن تاريخ التّطوُّرِ للبنى النفسية فيما يُعرَف ُ باسم: "النَّماذِج الأصيلة" أو "الأُطر البدائية" Archetypes.

ببساطة شديدة يقول يونج أن الجسد يتطور و من ضمنه الدماغ، و ما دام الدماغ ُ يتطوّر فإن الوعي يتطور أيضاً، و التطوُّر في الوعي يُنتج أنماطا ً أو أُطرا ً أو بُنى ً نفسيه مُتطوِّرة ً يرثها الإنسان ُ من جيل ٍ إلى جيل. هذه البُنى النفسية هي في حقيتها "اتجاهات لفعل ٍ ما" أو "ميل ٌ للتصرف ِ بطريقة ما إزاء َ حادث ٍ ما" أو "قواعِد ُ أوَّلية ٌ للاستجابة ِ إلى موقِف ٍ ما بطريقة مُعينَّة"،،،

،،، يونج هنا يُحلِّل ُ بطريقته النفسية الحتمية َ البيولوجية للتطور، إنَّه ُ بعبارات ٍ نفسيه، و بطب ِّ النفس يقول بكل ِّ وضوح أن الجينات تطبع ُ في الكائن ِ الحي: قابلية ً للفعل إزاء مُثير ٍ في البيئة، إنَّه ُ يقول أن البشر عبر ملاين السنين قد "اكتسبوا فهما ً للخبرات" يورِّثونه لأبنائهم يُشكِّل ما نقول عنهم اليوم: الفطرة،،،

،،، و هنا قارئ الكريم بيت ُ القصيد ِ كُلِّه!

إن الأخلاق َ في الكائن الحي ميول ٌ طبيعية في جيناته، طبعتها ملاين ُ السنين من التطور من أسلاف ٍ مُشتركة مع القرود ِ العُليا قبل حوالي إثني عشر مليون ِ عام، و قبلها ملاين ٌ كثيرة من السنين قبل أن يكون َ السلف ُ القديم ُ من الثديات، أي حينما كان َ زاحفا ً.

إن َّ الأخلاق َ الإنسانية َ نتيجة ٌ حتميَّة ٌ لسلوكيات ٍ ساعدت ِ الكائن َ الحيَّ على الاستمرار ِ و البقاء ِ في البيئة ِ الاجتماعية ِ المُعزِّزَة ِ لبقائه اي ضمن المجموعة، و حفظته ُ من البيئة ِ المُعادية خارج المجموعة. فسلوكُ التعاون ِ و الصداقة كان َ ضمانا ً لوفرة ِ الطعام و الحماية ِ من المفُترسات و لرفعِ احتمال ِ نجاح ِ فُرص الحلول المُبتكرة للمشاكل التي تعانيها الجماعة، بينما كان السلوك ُ الأناني و الانفصالي بمثابة ِ حكم ٍ بالموت ِ على الفرد ِ المُنفصِل ِ عن الجماعة ِ بإرادته.

عند َ يونج تنطبع ُ هذه السلوكيات كبُنى ً نفسية ٍ مُتطوِّرة ٍ من البُنى البيولوجية المُتطوِّرة للنوع، و يحمِلُها في شخصيته و يورثها لأبنائه، و تتفاعل ُ على مستوى اللاوعي مع لاوعي الفرد المُكتسب من حياتهِ الشخصية، و مع وعيه الإرادي الذي يقود ُ به حياته.

ينسجم ُ هذا التقديم ُ و التشخيص "اليونجي" مع استقراءات ِ التاريخ ِ و الواقع ِ للأمم ِ التي أنشأت قبل َ الأديان ِ الإبراهيمية ِ أنظمتها الإجتماعية و الأخلاقية و الدينية مثل السومرين و البابلين و الفراعنة الفرس و اليونان و الرومان، و حتّى القبائل الأمازونية و الأبورجينية ِ المعزولة ِ عن الحضارة ِ و الاتِّصال ِ بالإنسان ِ الجديد. فعند َ الفراعنة كان الفلَّاح ُ البسيط يعتقد ُ أنَّ خُلودَه في الآخرة ِ مع الآلهة مرهون ٌ بأمانته في العمل، و حفظه لنقاء مياه النيل، و عدم ظلمه للآخرين، بينما وضع َ حمورابي نظامَه الأوَّل قائما ً على اعتراف ٍ بحق ِّ الإنسان في حفظ ِ كيانِه و ترجم َ هذا الحق إلى مبدأ "العين بالعين و السن بالسن" أي مبدأ: عينُك َ مُقدَّسة فإذا ذهبت فلا بُدَّ من عين ٍ مُقدَّسة ٍ عِوضا ً عنه يُقدِّمُها الجاني للمجني عليه، و الأمثلة ٌ لا تُحصى في هذا الصدد.

إن َّ امتلاك َ الإنسان ِ العاقل ِ للدماغ و ما ينتج ُ عنه ُ من وعي ٍ و عقل ٍ و بُنى ً نفسية ٍ كفيل ٌ بأن يقودَه ُ لاستقراء اشباع ِ حاجاتِهِ ضمن الجماعة بالطريقة ِ الأمثل له ُ و لها، و بالتَّالي و بالضرورة سيُنشئ ُ الكيان ُ البشري ُّ الجمعي نظامَه ُ الديناميكي الإنساني الذي يُلبي الحاجات و يضمن ُ الاستدامة، على أساس ِ جذرُه ُ الاعتراف ُ بالطبيعة ِ البشرية التي هي هُويَّة ُ الإنسان الحقيقية.

تولد ُ الأخلاق ُ من هنا بالضبط: من التطور ِ البيولوجي، الذي يأتي بالتطوّر النفسي، الذي بواسطته يتعامل ُ الفرد ُ مع المجتمع ليبنيه بقيم ِ التعاون ِ و إيثار ِ الغير و الحرص ِ على السلام ِ و إشباع ِ الحاجاتِ الفردية في إطار ٍ جمعي، و من هنا تُبنى القُرى و المُدن و الدول، و من هنا تأتي القوانين، و بالضبط من هنا تولد ُ الأخلاق!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الحقيقة
nasha ( 2016 / 3 / 3 - 03:48 )
استاذ نضال المحترم كيف حالك وكيف حال الاردن الجميلة.
لازلنا وسنبقى نبحث عن الحقيقة ويستحيل ان نصل لها . البحث جاري سواء ديني و لاديني.
اقتباس (هذا حال ُ العلم ِ و الُعلماء فإنَّهم مُخلصون َ للحقيقة ِ).
الحقيقة نسبية والعلماء مخلصون في البحث عن الحقيقة وليسو مخلصين للحقيقة.
اقتباس (أشهر ُ القوانين ِ الإلهية هي الوصايا العشرة لليهود، و تبدأ ُ بأمر ِ عبادة ِ الإله اليهودي وحده ( دون أن تنفي وقتَها وجود َ آلهة ٍ أُخرى،)
الوصايا العشرة انجاز حضاري بشري مذهل لانها لا زالت صالحة للتطبيق الى اليوم.
عبادة الاله اليهودي وحده / فكرة عبقرية اخرى لانه منطقياً لا يمكن ان يكون اكثر من حقيقة مطلقة واحدة خلف هذا الوجود. وعدم نفي الالهة الاخرى هي كذلك عين النسبية وعدم محاولة احتكار الحقيقة.
المفاهيم البشرية الثابتة لحد هذا اليوم هي 1- التغير بمرور الزمن (التطور او عكسه) 2- نسبية الاشياء 3- مجهولية الحقيقة المطلقة.
تحياتي


2 - العزيز - 1 Nasha
نضال الربضي ( 2016 / 3 / 3 - 20:51 )
تحية مسائية طيبة أخي Nasha،

الأردن بخير و طِيب طالما أن َّ أبناءه يفدونه بقلوبهم و أنفسهم، و ها إن َّ شهيدنا النقيب راشد الزيود قدم بالدم شهادته و هو يقود مجموعته لاجتثاث سفلة داعش لكي يبقى الأردن طيبا ً و بخير.

أجد ُ نفسي مُتَّفقا ً معك في أن َّ الثابت الوحيد هو التغير، و في نسبية الرؤى و مجهولية الحقيقة المُطلقة،،،

،،، و أودُّ أن أُضيف أن هذه المجهولية تصغر ُ كلَّ يوم لصالح ِ الاكتشافات الجديدة التي تقرِّبنا من الحقيقة أكثر َ فأكثر.

فكرة الآلهة المتعدِّدة في الديانات الوثنية أغنت ثقافتها المُجتمعية و سمحت بالخيارات المُنعكسة من هذا الغنى، بعكس فكرة التوحيد التي فرضت اللون الواحد و لاحقت المُختلفين و أقامت و ما زالت تقيم محاكم التفتيش الفكرية.

إن َّ الأساس الأوَّل للوجود أكبر ُ من أن يتم َّ التعبير ُ عنه بواسطة فكرة الإله، لأن هذا الإله ما هو إلّا انعاكس ٌ أو إسقاط ٌ لرغبة الإنسان في أن يكون كائنا ً فائقا ً، و بالتالي فالفكرة ُ الإلهية تخدم ُ كمرآة تضخيم لصورة الإنسان مع تغير الإسم إلى: إله.

يتبع


3 - العزيز - 2 Nasha
نضال الربضي ( 2016 / 3 / 3 - 20:58 )
تابع

تنوع الكائنات الحية، و العناصر الكيميائية، و الأعداد شبه اللانهائية للكواكب و النجوم و الظواهر الفلكية يُعلِّمنا أن المبدأ الوجودي الذي ننظر إليه أكبر من أن يتمَّ حصرُه بفكرة إلوهة ذكيِّة تُخاطب الإنسان و تطلب منه أشياء مُحدَّدة و تنتظر الخضوع لقوانين ثابتة،،،

،،، هناك تعارض واضح ما بين الأنظمة الدينية و من ضمنها: الوصايا العشرة، و أبناء نوح، و بين تطوُّر المجتمعات و اختلاف حاجاتها و نضوج نظرتها للحياة عبر العصور.

أعتقد ُ أن َّ الإصرار َ على فكرة الألوهة يكبح ُ التساؤل َ المشروع َ و الذكي عن ماهية الوجود و أصله، و يُبقي الإنسان َ محصورا ً في إطار: كائن ذكي، بينما الأدلة العلمية ُ حتى هذه اللحظة تُفسِّر ُ الوجود َ باستغناء ٍ عن َّ أي ِّ ارتباط بهذا الكائن، كونه ليس جُزءا ً من الأدلة و لا تقود ُ إليه الإستنتاجات و لا يوجد ُ بحسب المنهج العلمي ما يُوجب أن يجعله جزءا ً من معادلات التفسير.

على الرغم من مجهولية الحقيقة المطلقة فإننا نستطيع بمراقبة الكون، و الكوكب، و الجنس البشري و الكائنات أن نضمئن لعدم وجود هذا الإله.

أرحب بك َ على صفحتي و دمت َ بود!


4 - 😢-;- يعني لازم تكتب بأكاديمية بحته
هباش أبو فريال ( 2016 / 3 / 3 - 21:58 )
بسط وحاول تبسطها اكثر مستقبلا لنلحق على اللي بدك توصله 😎-;-


5 - تعريف الله
n a s h a ( 2016 / 3 / 3 - 23:04 )
استاذ نضال المحترم
اقتباس(،،، و أودُّ أن أُضيف أن هذه المجهولية تصغر ُ كلَّ يوم لصالح ِ الاكتشافات الجديدة التي تقرِّبنا من الحقيقة أكثر َ فأكثر.)
نحن نعتقد اننا نقترب من اكتشاف الحقيقة ولكن الحقيقة مجهولة ويستحيل اكتشافها واسلافنا لم يكونو اغبياء باختراع الاديان نحن لسنا اذكى منهم. لقد فهم الانسان منذ القديم ان اكتشاف الحقيقة مستحيل فالتجأ الى الاسطورة والى الله ليخلق له ثابت يبني عليه فكره وحياته.
فكرة (الله واحد) هي كذلك انجاز مهم ومنطقي وهي محاولة عبقرية لتثبيت مفهوم منطقي ثابت وواحد فقط يشمل الجميع.
الحروب القائمة الان في منطقتنا هي بسبب تعدد الالهة وليس بسبب توحيد الاله. اله المسيحيين يختلف عن اله المسلمين واله الشيعة يختلف عن اله السنة ويختلف عن اله الملحدين واللادينيين وهكذا.
تعريف الاله عمليا وواقعاً :
الله هو الدستور هو القانون هو النظرية السياسية هو الثابت الوحيد .
الهك هو مبادئك التي تؤمن بها فانت مؤمن بالهك كما ان المتدين مؤمن بالاهه.
اما من يدعي الالحاد المتجرد من اية مبادئ فهو مجرد مادة خالية من اي وعي وهو صنم.
تحياتي


6 - تبسيط و توضيح - 1
نضال الربضي ( 2016 / 3 / 4 - 08:32 )
تحية طيبة للأخ هباش أبو فريال و الحضور الكريم،

أحاول قدر الإمكان أن أعرض المعلومات العلمية بطريقة بسيطة، لكن َّ بعض المواضيع المُعقَّدة بطبيعتها تفرض تعقيدا ً مماثلا ً - أو ربما أقل لكن موجود و ملحوظ - على طريقة العرض. في سلسلة -قراءة من سفر التطور- يمكنك أن تلاحظ تبسيطا ً كبيرا ً للمفاهيم و كنت ُ أتمنى أن يكون هذا المقال أيضا ً كذلك، لكنَّه لم يكن.

اسمح لي كبداية قبل أشكرك َ على ملاحظتك القيِّمة و التي تعني أن كثيرين أيضا ً وجدوا ذات الغموض و التعقيد، مما يحفِّزُني في هذا التعليق و الذي يليه أن أُقدِّم خلاصة المقال في نقاط محددة و بسيطة:

- الدين يعتقد أن الأخلاق تأتي من الإله، و لا تتغير فهي ثابتة.

- الدين يفصل بين الحاجة البشرية و الواقع البشري و بين الأخلاق، لأن الأخلاق هي أمر إلهي و حكمة إلهية، و مشيئة و تكليف.

- المنظومة اللادينية تفهم أن الأخلاق تأتي نتيجة لرغبة المجتمعات التي اتفقت على سلوكيات معينة مرغوبة و أخرى مرفوضة.

- المجتمعات تتفق على السلوكيات المقبولة لأنها تخدمها و تلبي حاجاتها، و ترفض السلوكيات التي تعيقها.

يتبع


7 - تبسيط و توضيح - 2
نضال الربضي ( 2016 / 3 / 4 - 08:41 )
تابع

- نتيجة ملاين من السنين تطور جسد الكائن الحي، و تطور شخصيتة النفسية أيضاً.

- كارل يونج يقول أنه نتيجة لتطور الشخصية النفسية فإنه يمكنك أن تقسمها إلى ثلاثة مستويات:

1. الوعي: و هو ما نفكر فيه.
2. اللاوعي الفردي: هو مكان نخزن فيه كل تجاربنا و يتم -التفكير- بداخله دون أن نحس لذلك يؤثر على قرارتنا.
3. اللاوعي الجمعي: هو مجموعة الاستعدادات المشتركة بين البشر لفعل شئ ما. فكر فيه على شكل مجموعة تعليمات (كتالوج) مشترك بين جميع البشر. و -التفكير- يتم أيضا ً في منطقة اللاوعي الجمعي دون أن نعرف.

- الوعي و اللاوعي الفردي و اللاوعي الجمعي جميعها تكون شخصية الإنسان، و بالتالي ميوله نحو اختيار أنظمة سلوكية أخلاقية معينة.

- كخلاصة: نقول أن أخلاق الإنسان هي نتيجة تطور الجسد و الشخصية النفسية و لذلك فهي متغيرة بحسب المجتمع و الوقت و الحاجة.

أتمنى أن أكون قد قدمت عرضا ً مفيداً.

أرحب بك على صفحتي، تقبل الاحترام.


8 - العزيز-1 Nasha
نضال الربضي ( 2016 / 3 / 4 - 08:50 )
نهارا ً طيبا ً أتمناه لك أخي Nasha،

الإنسان القديم كان يحاول تفسير واقعه بحسب أدواته المحدودة و معارفه الضيقة، و لذلك قدَّم لنا تصورات تتناسب معهما.

نمتلك اليوم معارف واسعة و أدوات مُدهشة و مناهج علمية ساعدتنا على إعادة تعريف هويتنا البشرية و مفاهيمنا عن الحياة و الوجود و علاقتنا بالكون، و من هنا عرفنا أن فكرة الإله الواحد صغيرة جدا ً بل متناهية الصغر مقارنة ً بالوجود بكل عظمته و لذلك يجد التخلص منها و الخروج إلى فضاء العلم الرحب.

جميل ٌ قولك أن الله بالنسبة لك هو المفهوم الثابت و الوحيد، أي أنك هنا خرجت َ من عباءة إله الدين لتنطلق إلى مفهوم الإله الربوبي أو الإله الوجودي، و بهذا يتحتم عليك أن تعيد تعريف منظومتك الاعتقادية كاملة ً، و أتمنى أن لا يكون قصدك بالله إله دين معين، فعندها -كأنك يا أبو زيد ما غزيت- و -مكانك سر- عودة ً إلى فكر احتكار الحقيقة عند جماعات الدين.

الحروب القائمة في منطقتنا أحد أسبابها (و ليس سببها) التوحيد لا التعدد، فالديانات الإبراهيمة ترفض التعدد، و لو كانت كل ديانة منها تقبل التعدد لما رفض كل منهم الآخر، أنت هنا تقلب الاستنتاج المنطقي إلى عكسه :-))


9 - العزيز-2 Nasha
نضال الربضي ( 2016 / 3 / 4 - 09:00 )
أختلف معك في كلامك أن إله الإنسان هو مبادؤه التي يؤمن بها، فأنت بهذا تجعل للشخص الذي يمتلك نظام أخلاقي جميل لكنه لا ديني أو ملحد، إلها ً، و بالتالي تجعل منه مؤمنا ً، و هذا مخالف للواقع و المنطق،

لا يستقيم إقحام ُ الإله بأي طريقة كانت في أي نظام حتى عند من يرفضونه و حتى لو جرَّدته من خاصية الحياة و من خاصية الذكاء و من خاصية الكيان الوجودي الفيزيائي (أو الروحي) و جعلت منه -مفهوماً-،

اللاديني و الملحد يعيش حياته دون أن يفكر بالإله أو يرتبط به، و له بالقطع نظام أو أنظمة معينة يتبناها منها اجتماعية و منها شخصية و منها إنسانية شمولية، و يتفاعل مع المجتمع و يُعمل و يُنتج و يبدع و يبني الحضارة و الإنسانية، و هذه كلها تفاعلات غنية و مُشبعة للاديني و الملحد تملأ عليه حياته، فهو واعي و مُمتلئ لا كما وصفته أنت أبدا ً.

الفكر الديني يمنعك من النظر إلى المنظومة اللادينية بما هي عليه، و يضع أمام عيون وعيك نظارات و مصافي و فلاتر قائدية بحتة أو منهجية أيدولوجية.

الخلاصة: عندما نكون سادة عقولنا نستطيع أن نقول أننا نحيا، لا حياة بدون حرية، لا حياة مع الإله الذي يرسخ مبدأ كل عبودية.

تحياتي!

اخر الافلام

.. ماذا يحدث عند معبر رفح الآن؟


.. غزة اليوم (7 مايو 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غزة




.. غزة: تركيا في بحث عن دور أكبر خلال وما بعد الحرب؟


.. الانتخابات الرئاسية في تشاد: عهد جديد أم تمديد لحكم عائلة دي




.. كيف ستبدو معركة رفح.. وهل تختلف عن المعارك السابقة؟