الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الفكر الديني

محمد مسافير

2016 / 3 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نسهب في نقاش المسألة الدينية، إيمانا منا بالدور العميق الذي يلعبه الدين في تخلف الأمم، خاصة إذا كان يمس مختلف مناح الحياة، حين يجعل الأحياء منا يفكرون بعقول الموتى، يلجؤون إليهم كلما أحسوا الضيق، وحين يوكلون ظالمهم إلى الله، وحين يصبرون على الأذى الذي يلحق بهم من مؤسسات الدولة تحت ذريعة القدر والابتلاء، إننا نريد أن نتقدم بالنقاش إلى مسائل أكثر حيوية، إلا أننا دوما نصطدم بعقلية متحجرة متصلبة خاملة لا تحمل أي هم للإنسانية ما عدا العمل لحياة أخرى لا توجد إلا في أذهانهم.
إن أغلب ما يبرر به المتدين وجود الإله هو الدهشة أمام عظمة الكون، فيقول كيف لهذا الوجود أن ينتظم على النحو الكائن عبثا؟ ودون أن يغوص في وحل التفاصيل أو الافتراضات، يخلص إلى ما مفاده أن هناك قوة خارقة تسهر على تسيير الكون، وهذه القوة لا بد لها أن تتجسد في ذات الإله...
إذن فالفكر الديني ينبني على جواب غير مؤسس له من الناحية العلائقية، وهذه الطريقة في التعامل مع الإشكال الفلسفي، تكتفي بإراحة المتأمل فيه دون أن تضع نصب عينيه المبررات الكافية، لأن عقلية الإنسان المتخلف تميل أكثر إلى التسليم بعرض الأسلاف لتقي نفسها شر البحث عن اليقين، ولو اكتفت الشعوب المتقدمة بهذا النمط من التفكير، لما غزت الفضاء، ولبررت عدولها عن ذلك بأن السماء ملك لله يسكنها، ولا يحق لنا التطاول على بيت الله، ولما اخترع أو ابتكر شيء مما نراه اليوم، لهذه الأسباب وغيرها، ربطنا فكرة التسليم والجمود العقائدي، بالإنسان المتخلف.
ربما نجد في حقب تاريخية غابرة، جماعات من البشر تتضرع للنسور، أو ربما اعتبرتها أبناء الآلهة، فقط لأنها عاجزة عن التحليق مثلها، لكننا أصبحنا اليوم نحلق. كذلك يمكنهم أن يجعلوا من الأسود والنمور آلهة، لقوتهم ولشراستهم، وأصبحنا اليوم نروضها أمام الملأ فتنصاع لأوامرنا..
تقدم الإنسان وتقدم فيه السؤال، حتى غدا في يوم من الأيام، يتعبد بالسحاب علها تمطر، ونحن اليوم نخصب السحاب ونحلي مياه البحر، دون أن ننتظر جود الآلهة، وقد سبق للإنسان أن خلق له آلهة من طين تقيه شر الزلازل أو البراكين، ظنا منه أنها غضبة الإله، وأصبحنا ندرك أسباب الزلازل والبراكين، ويمكننا أن نسترسل في عرض سلسة غير متناهية من هذه النماذج التي نلخصها في مقولة متداولة: إذا ظهرَ السبب، بطُلَ العجب !
ماذا قبل البيغ بانغ؟ يقولون هنا توقف العلم، وحار العلماء، وإن سألتهم يجيبون:
- هناك الله !
- وما مبرركم؟
- لكل موجود واجد...
- إذن فالله موجود؟
- نعم..
- إذا كان لكل موجود واجد، والله موجود، فمن أوجده؟
- استغفر الله يا زنديق !
هكذا في الغالب ينهون المحاورة... لكنكم يا سادتي قد تناسيتم العرض الممهد، لكل مرحلة في تاريخ الإنسان سؤال محير نسعى إلى الإجابة عنه على أسس علمية، دون الارتكان إلى التسليم الأعمى، وربما لم يجد الإنسان بعد إجابة عن ذاك السؤال، لكن عجز الإنسان الحالي ليس دليلا ضد العلم وفي صالح اللاهوت، إنه تحدٍّ علمي آخر يواجه الإنسان، وسيتخطاه كما تخطى التحديات القديمة، ربما قد يتأخر التخطي، وربما أيضا قد يفشل الإنسان في الجواب، لكنه مرة أخرى لن يقدم هذا الفشل أي حجة ضد العلم !
يقول المسلمون دليلنا محمد رسول العالمين، ونتساءل بدورنا، كيف لمبعوث إلى قوم صغير يكاد ينعدم في الكرة الأرضية أن يكون رسولا للعالمين، طبعا هذا في زمن لا يعرف العولمة ولا الخريطة ولا القارات ولا الفايسبوك ولا الواتساب، كيف له أن يوصل رسالته إلى العالم أجمع؟ أم حسبه أن ينتظر أحفاد الصحابة حتى تبلغ الرسالة؟ وماذا عن أقرانه التي لم تصلهم الرسالة؟ هل سيعذبون بالجهالة، أم أن وجودهم مجرد استئناس لا غير؟ ما ذنبهم إن اتبعوا دين أجدادهم أو كانوا دون دين أصلا؟ ولماذا محمد رسول العالمين، قضى حياته بالكامل في كنف قريش والقبائل التي تجاورهم، أما كان الأجدر به أن يمتطي براقه ويجول الدنيا مرشدا ووجيها بدل أن يعرج به إلى السماوات السبع؟ أليس وجود الإله شيئا ذو أهمية مصيرية بالنسبة للإنسان يستحق أن يتفرغ له ويزهد في عيشه ويحمل الهم كله بعون الله حتى يبلغ الرسالة إلى العالمين، بدلا من أن يعتكف بقريش ويعدد في الأزواج؟
قالوا إن القرآن كلام الله بلسان نبيه، وهو كلام معجز لا يمكن أن ينطق به إلا رب العالمين؟
ونقول ونعم بالله؟ إن كان القرآن كونيا فلماذا أنزل باللغة العربية دون بقية اللغات؟ إذن فقولوا إنه قرآن قريشي لن يفهمه إلا قوم قريش، أم أن العالمية فيه يجب أن تنتظر 15 قرنا حتى يترجم إلى بقية اللغات؟ ثم ما المعجز فيه، بعض السجع، بعض البلاغة والبيان، أبدا ما في ذلك إعجاز، لأن أغلب ما جاء في القرآن ليس بلغة عربية أصيلة كما يؤكد الباحثون، بل هي مزيج من اللهجات القومية وقتئذ، وليس في ذلك عيب، لأن أصل اللغات جميعا هو التناسل فيما بينها، لكن الغريب في الأمر أن غدا القرآن مرجعا لغويا، فأغلب القواميس تستدل بالمعنى إلى سياقه في القرآن، فإذا كان القرآن هو صنبور اللغة، فكيف لأوعية الأدب أن تتفوق عليه، هذا طبعا دون تناول البحوث النقدية التي طالت لغة القرآن.
لا يمكننا أن نعتبر القرآن كلاما مرسلا من خالق الكون ما دام قد تجاهل اختلاف الألسن، بل تجاهل أيضا مستويات الإدراك، لأن خطاب الإله، ما دام يحمل رسالة مصيرية للإنسان، يجب عليه أن يكون في مستوى فهم المعني به، وما دام يحمل طلاسيم تتحمل بعض النخبة فك رموزها، فإنه يزيغ بالفعل عن مقصده، وإذا عجز عقل الإنسان عن فهم مضمون الخطاب ثم كفر به، فإن الذنب ذنب الخطاب، أو ربما ذنب الدماغ الذي أبدعه الخالق كما يدعون، وفي كلتا الحالتين، الإنسان غير مذنب في كفره !
ثم إن ذاك الإله الذي يحاسب الإنسان بسبب كفره أو تخلفه عن أداء الفرائض، هو إله مصاب بعقدة النقص، مريض نفسيا، لماذا يعذب إنسانا لم يستطع إقناعه بوجوده، إنها سادية مطلقة ومجنونة، والله الذي يصورونه لنا، يجب عليه أن يتعالى عن ذاك الفعل الدنيء، تعذيب كائنات مجهرية تكاد تنعدم وسط عظمة الكون.
ما مصيرنا بعد الموت؟
نجيب: سنتلاشى، سنكف عن الوجود...
إلا أنهم يستغربون كثيرا لهذا الجواب، يعتبرونه غير معقول، لأنهم ألفوا الحياة وتعودوا عليها ونسوا الأصل، لا يستطيعون تخيل أنفسهم غير موجودين، لكن إذا سألت أحدهم الآن: كيف كنت في القرن السابع أوالثامن ميلادي؟ يرد: لم أكن موجودا. وكذلك ستكون حين تموت، اللاوجود هو الأصل، وحين يكف الدماغ عن العمل، تنقطع حلقة وصل الإنسان بماضيه، فيكف عن الوجود كإنسان، ويستسلم لنوم أبدي غير متناه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تبدأ النظر في تجنيد -اليهود المتش


.. الشرطة الإسرائيلية تعتدي على اليهود الحريديم بعد خروجهم في ت




.. 86-Ali-Imran


.. 87-Ali-Imran




.. 93-Ali-Imran