الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصب الشهيد...مأساة اللاوعي العراقي المزمن

نور العذاري

2005 / 11 / 18
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


وأنا عائد إلى أرض الوطن بعد رحلة مثيرة... بدت لي بغداد جميلة فوق ما يتصور البعض .. أنها فعلاً فاتنة شديدة الإغراء خصوصاً حين تراها من الأعلى... لقد دققت النظر ملياً فيها ووقعت عيني على نصب مثير أثار شجوني وذكريات وجروح لم تندمل بعد... ولحظات مع الأحبة الذين فرق الدهر بيننا وبينهم.. وحطت الطائرة أخيراً على تراب هذا الوطن الغالي الذي ليس له مثل في هذا الكون... والذي كان يستحق شعباً أفضل منا بطبيعة الحال.. فنحن شعب مهمتنا الإفساد والتملق... وصنع البروج العاجية لأشخاص هم في غاية الوضاعة والرعونة وفقدان الضمير... مهمتنا أن نعيث في هذا الوطن فساداً وأن نأخذ منه دون أن نعطيه...
العائد إلى ارض الوطن بعد طول غياب ولهفة إلى لقاء الأحبة الذين لا يستطيعون توديعك أو استقبالك في قاعات ومدارج المطارات كما هو الحال في كل دول العالم المتمدن وغير المتمدن بسبب الظروف الأمنية الراهنة إضافة إلى كرم الضيافة التي يتمتع بها إخواننا العراقيون والتي تجعلك تتمنى انك لم تفكر بالعودة مطلقاً إلى هذا الوطن العزيز...
في قاعة الانتظار في المطار ولأن المسئولين عن أمن المطار أخبرونا إننا لا نستطيع المغادرة قبل أقل من أربعة وعشرين ساعة ( لأنهم يردون أن يقوموا بواجب الضيافة العربية ) لذلك فقد عمدت إلى مطالعة بعض الصحف التي استلفناها من أفراد الأمن المسئولة عن مطار بغداد الدولي... كنت أطالع صحيفة الصباح وإذا بي اصعق عندما أرى ذلك القرار التاريخي الرهيب الذي اتخذته الحكومة الموقرة ( أمد الله في عمرها ) لمعالجة الإرهاب والبطالة والفلتان الأمني الذي يعصف بهذا البلد من كل حدب وصوب... فقد قرر السيد رئيس الوزراء المحترم إزالة نصب الشهيد... ذلك التحفة الفنية التي أقامها الفنان الراحل إسماعيل الترك والتي أثارت دهشة وإعجاب الفنانين العالميين الذين زاروا هذا النصب عند إقامته في بغداد أواخر عام 1986...
لا اعرف ما لحكومتنا الموقرة التي تنازع الروح من تفككها وضعفها وعدم قدرتها على اتخاذ قرار صارم وجاد يعالج جروح هذا الوطن تجيء إلى نصب الشهيد لإزالته لأنه رمز من رموز النظام السابق.. ولا اعرف إلى أي شيء يرمز هذا النصب الذي سطرت على جدرانه أسماء أكثر من مليون وستمائة ألف رجل من رجال العراق... راحوا أيضاً ضحية نظام صدام المجرم... وكأن حكومتنا العراقية الموقرة ومعالي السيد رئيس الوزراء وأعضاء الجمعية الوطنية من قائمة الائتلاف العراقي – الإيراني الموحد يريدون توجيه رسالة مفادها أن هؤلاء الذين راحوا ضحية الحرب الطاحنة التي دامت ثمانية سنوات هم معتدون وان إيران وحدها هي التي قدمت الشهداء متناسين أن صدام كان يأخذ أبناء العراق قسراً إلى جبهات القتال ومن يتخلف فمصيره الإعدام...
وهب إنهم ليسوا بشهداء أفلا تستحق تحفة فنية أن نبقيها بدل إزالتها خصوصاً أن لنا بها ذكريات مثيرة للشجون... هنالك كنا نذهب مع الأحبة... نجلس في مقاهي نصب الشهيد المقامة تحت الأرض... نحتسي القهوة التركية ونستمع إلى مقطوعات الموسيقى الكلاسيك الممزوجة بهدير المياه المتساقطة من الأعلى على العلم العراقي ونتبادل همسات العاشقين هناك... كثير من العشاق كانوا يذهبون إلى هنالك.. وكثير من الكتاب كتبوا هنالك في تلك المقاهي الرائعة... وكثير من الفنانين تمنوا إنهم يستطيعوا إيجاد مثل هذه التحفة الفنية الرائعة...
لا أعرف هل أن معالي رئيس الوزراء... طبيب العيون المشهور الذي قضى حياته المترفة في لندن... بلد الثقافة الغربية لم يتعلم هنالك كيف يقيم التحف الفنية الرائعة.. لم تعلمه لندن كيف يقيم الفن السامي... لم تعلمه لندن كيف يكون موالياً إلى وطنه بدل أن يكون عميلاً للفرس القادمين لتدمير هذا البلد العظيم...
ولا اعرف لماذا لا ينبس فنانو ومثقفو العراق ببنت شفة احتجاجاً على هكذا قرار...
لا اعرف لماذا لا يطالب الكتاب الذين تملأ كتاباتهم ومقالاتهم الصحف والمجلات بالكف عن هكذا قرارات بدل مطالبتهم بمطالب عرقية وطائفية تهدف إلى تقسيم العراق ابتداءً من فيدرالية الجنوب وانتهاء بدولة وإقليم كردستان- الحلم الكردي – الذي لن يتحقق...
سادتي... يجب أن نعلن موقفاً واضحاً اتجاه ما تحاول حكومة الائتلاف الإيراني – العراقي تنفيذه لتدمير هذا البلد وإزالة كافة الرموز الفنية الموجودة والمقامة عليه... فمصيرنا نحن أيضاً إلى زوال إذا بقيت الحال كذلك.. والى متى يبقى البعير على التل!!!!....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي متواصل على غزة وحصيلة القتلى الفلسطينيين تتجاوز


.. إسبانيا: في فوينلابرادا.. شرطة -رائدة- تنسج علاقات ثقة مع ال




.. من تبريز.. بدأت مراسم تشييع الرئيس الإيراني رئيسي ورفاقه


.. أزمة دبلوماسية -تتعمق- بين إسبانيا والأرجنتين




.. ليفربول يؤكد تعيين الهولندي آرني سلوت مدربا جديدا له