الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الالحاد قادم

راضي العراقي

2016 / 3 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يبدو ان شبح الالحاد اصبح يطرق ابواب القلاع الدينية ( المقدسة ) هذه الايام اكثر من اي وقت مضى .. فرغم ان الالحاد قديم قدم الاله وقدم الديانات .. سواء كانت ديانات ( الهية ) او ديانات وضعية .. الا انه بقي محاصراً ومكبوتاً ضمن نطاق الفلاسفة والمفكرين المتمردين على السائد من الافكار المتمترسة وراء قداسة وهمية لها سطوة وحصانة جعلت الاقتراب منها نوعاً من الانتحار .. وبقيت محاولات الملحدين في الظهور تصطدم بهذا الخوف الذي ابتدعته الاديان التي اصبحت قلاعاً عالية الاسوار تطحن كل من يقترب اليها بتهمة الردة او الزندقة او الهرطقة .. فكانت اساليب المحاكمات التعسفية وطرق الموت المبتكرة تثير الرعب في نفوس كل من يتجرأ ان يفكر خارج النظم الفكرية لهذه الاديان .. والشواهد التاريخية كثيرة في هذا المجال .. وكانت حجج الملحدين في ما مضى لا تعدو كونها تنظيرات فلسفية تتقاطع مع كينونة الاله وشخصيته ولم تكن تملك الحجج العلمية والمنطقية التي تمكنها من الصمود امام جبروت الفكر الكهنوتي المتسلط والعنيف .. ولكن الامر اختلف بعد الثورة الصناعية العلمية التي اجتاحت العالم بعد فترة ما سمي بالقرون الوسطى .. ثم بزوغ عصر التنوير الانساني الفكري الذي حمل قيم الحرية والمساواة والعدل والذي اعقبه تراجع دور رجال الدين وانحسار تأثيرهم على الحياة العامة في اوربا بالتحديد .. فكانت الاكتشافات العلمية الكبرى والتي اعطت الكثير من التفسيرات المنطقية للظواهر الطبيعية التي حيّرت عقل الانسان الذي كان مجبراً على قبول تفسيرات النصوص الدينية المقدسة .. وانطوت صفحة حادثة محاكمة العالم الايطالي غاليلو غاليلي عندما تجرأ على تحدي الكنيسة بحقيقة ان الشمس مركز الكون .. تلك المحاكمة التي كانت دليلاً واضحاً على شراسة الفكر الكهنوتي الخرافي .. كما ساهمت الاكتشافات التاريخية والاثارية على حل الكثير من الغاز التاريخ ( المقدس ) فكانت فك رموز اللغات القديمة كالسومرية والهيروغليفية كفيلة بأكتشاف الجذور التاريخية للديانات الابراهيمية وفي ربط الخرافات والاساطير الدينية بجذورها القديمة في الحضارات القديمة .. وكذلك كان لاكتشاف المتحجرات كالديناصورات وبقايا الهياكل العظيمة للمخلوقات التي عاشت على الارض دوراً مهماً في رسم خريطة جديدة لتاريخ العالم ..
ومع انتشار مباديء العلمانية بدأت ملامح الالحاد تبدو اكثر وضوحاً وخاصة في اوربا والعالم المسيحي بشكل عام .. بحيث لم يعد الخوف من اعلان عن الالحاد يبدو مرعباً بالشكل الذي كان عليه في االعصور التي سبقت عصر النهضة .. وفيما كانت اليهودية كديانة تخوض صراعاً من اجل الوجود وتحقيق احلام ارض الميعاد .. ولم شمل شتات اليهود الذين اضطهدوا من باقي الديانات التبشرية ، لم يكن هناك ما يشير الى تفشي ظاهرة الالحاد داخل اليهودية كونها ديانة مغلقة وغير تبشيرية وتضم افراداً قليلين حافظوا على خصوصيتهم الدينية التي تبدو قومية عنصرية اكثر منها دينية ..اما في العالم الاسلامي فبدا الامر عصياً اكثر من العالم المسيحي او في البلدان التي تدين بافكار البوذية او الوثنية او الديانات الاخرى .. وذلك لان مباديء الاسلام كانت متطرفة جداً ضد كل ما يخالفها .. فالنصوص الدينية كانت حازمة ضد كل من يتجرأ مجرد التفكير بالالحاد .. فهذا الدين الصحراوي الذي كانت بدايته دموية وكان السيف هو الطريق الاكثر فعالية في انتشاره قطع الطريق على معتنقيه بعقوبات صارمة لا رحمة ولا تساهل فيها .. فالبداية كانت في الاية القاطعة التي تقول ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) وهذا يعني ان كل الذنوب ومهما كانت فضاعتها يمكن غفرانها .. الا الشرك بالله فهو غير قابل للمغفرة اطلاقاً .. كما ان القرآن والسنة يزخران بالكثير من الايات والاحاديث التي تحمل التهديد والوعيد لمجرد التفكير بما هو مخالف للشريعة المحمدية ويبدو القرآن قاطعاً في منع المسلمين من التفكير في خلال الاية التي تقول ﴿-;- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ﴾-;- .. إضافة الى الكثير الكثير من الايات والاحاديث يلخصها الحديث النبوي ( من بدل دينه فأقتلوه ) .. وهكذا بقي المسلم يعيش هاجس الخوف والرعب من العقاب الالهي بعدم المغفرة فيما لو اشرك بالله وتجنب الخوض في امور تضره من وجهة نظر الدين .. اما الخوف من الموت الذي ينتظره فيما لو بدّل دينه فكان هو الاقوى .. لانه حكم حازم وقاطع .. أضف الى ذلك ان المسلمين ربطوا الحياة بكل تفاصيلها بهذا الدين فهو يتدخل في ابسط تفاصيل الحياة ابتداءاً من الجلوس في دورات المياه وانتهاءاً بطريقة ممارسة الجنس والزواج حتى وكأن المسلم لا يستطيع ان يعيش بدون هذا الدين ويمكن ان يتحول الى كائن يشبه الحيوان .. بل اسوء من الحيوان فيما لو فكر خارج نطاق ما يفرضه الدين عليه .. ( أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ ۚ-;- إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ ۖ-;- بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ) فصوّر الكهنة ورجال الدين الملحدين او من يفكر خارج تعاليمهم بأبشع الصفات والنعوت .. فالملحد منحرف وشاذ وسارق ويمارس الجنس مع محارمه اضافة الى الكثير من الاتهامات التي كانت تبدو اقرب الى التصديق في نظر الكثيرين من المغفلين والمغييبين .. وبقي الالحاد بالنسبة للمسلم من اكبر الكبائر والافعال المحرمة لما سيواجه الملحد من (خزي) في الدنيا والاخرة حسب تعبيرهم ....
الا ان الامر لم يعد كما كان في السابق وخاصة في السنوات الاخيرة .. فظهرت اصوات تمتلك بعض الشجاعة في مسألة نقد النص الديني ورفع القداسة عنه ومحاكمته محاكمة عادلة بعيداً عن التأويل والترقيع .. ساهم في ذلك حالة الانقسام التي يعيشها المجتمع الاسلامي بين مكوناته منذ نشأته .. فالشيعة الذين يجردون بعض رموز الصحابة والشخصيات الاسلامية من القداسة .. ساهموا في كشف المستور من الاحداث ووضعوا الكثير من النقاط على الحروف في مسائل كانت تبدو محرمة ولا يجوز الخوض فيها .. كما ان الصراع الديني القديم بين مكونات المجتمع الاسلامي وفرقه المتعددة ساهم هو الاخر في خلق ردة فعل عميقة في نفسية المسلم .. وكانت اخر الصراعات هو الحرب الدينية الدموية التي ظهرت في السنوات الاخيرة وبروز تنظيمات وحركات متطرفة كشفت الكثير من مواضع الخلل في الفكر الديني الذي اثبت انه يلغي مبدأ المواطنة ليعطي للدين والطائفة الافضلية في كل شيء .. فانقسمت المجتمعات على نفسها وتمزقت دول وبلدان واصبح القتل على الهوية هو السائد في عالم اصبحت مباديء المساواة والحرية واحترام حقوق الانسان هي السائدة .. فأخذ المسلم يقارن بين ما وصل اليه العالم المتحضر وبين مجتمعه الذي تسوده الانقسامات والكراهية والقتل .. وكان على المواطن السوري ان يسأل ، لماذا دمر بيته وهُجّرت عائلته ؟ وكان على المواطن العراقي الذي فقد ابنه ان يسأل ما ذنبه عن خلاف قديم عمره اكثر من الف سنة بين عمر وفاطمة وعلي ؟ وكان على المرأة التي اصبحت ارملة والاخرى التي فقدت ابناءها ان تسأل ، لماذا يقتل هؤلاء ؟ هل من اجل قضية عمرها الف سنة ؟ وهكذا بالنسبة لكل المسلمين الذين وجدوا انفسهم يعيدون صراعات الماضي فيما يتطور العالم وينتقل نحو افاق من السعادة والرفاهية ..
لكنني ارى ان النقلة الكبرى والانعطافة المهمة بدأت مع انطلاق الانترنيت عموماً ومواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك والتويتر .. ومنذ العام الفين وعشرة بالتحديد انقلب العالم رأساً على عقب وانفجر البركان الذي كان خامداً .. فظهرت حممه وتداعياته على شكل انقلابات وثورات سميت بثورات الربيع العربي .. رغم تحفظي على ابعادها ونتائجها الكارثية بالنسبة لشعوب المنطقة .. لكن الموضوع لا يقتصر على الثورات والاحتجاجات ضد الظلم والفساد وضد انظمة الحكم .. بل تعدى ذلك الى كشف المستور ..فبعد ان كان كل شيء يتم في الخفاء وخلف الكواليس اصبح بأمكان الكثيرين ان يفصحوا عن توجهاتهم الفكرية .. بعد ان تمزقت جدران الخرافة وتحطمت اصنام القداسة من خلال الحقائق التي ظهرت بعد طول تعتيم وتزوير .. فما عادت هناك حواجز تعيق معرفة الحقيقة التي اصبحت في متناول الجميع .. فالكتب الممنوعة من التداول اصبحت متوفرة للقرأة بسهولة .. والحقائق المغيبة اصبحت مكشوفة ولم يعد الاكتفاء بمشاهدة فلم الرسالة هو الحل الامثل لادامة الايمان .. فقد تمكنا من قراءة تفاصيل مذبحة بنو قريظة وعرفنا ان هناك معركة اسمها معركة اليس او معركة نهر الدم ذُبح فيها سبعون الف عراقي على يد خالد بن الوليد الذي لم نكن نعرف الا انه سيف الله المسلول .. واكتشفنا اننا كنا نقرأ الوجه الناصع او المزوّق من تاريخنا المثخن بالمآسي .. فكانت هذه الثورة الفكرية التي كبرت كما تكبر كرة الثلج مع كل يوم يمر ومع كل حقيقة تكشف ومع كل سلوك غريب وغير حضاري وجريمة يرتكبها المتدينون .. ولم تعد مقولة ان الخلل في التطبيق وليس في الاسلام نفسه مقبولة .. وان المتطرفين لا يمثلون الاسلام مستساغة .. فالف واربعمائة سنة كافية وكافية جداً لنعرف ان عدم امكانية التطبيق الحقيقي مجرد وهم .. وان ما يفعله المتطرفون هي الصورة الحقيقية للاسلام المحمدي وان كل محاولات الترقيع والتلميع لا يمكن لها ان تكون مفيدة في هذا الزمن الذي اصبحت فيه الشعوب تعيش في حالة من الامان والاستقرار والرفاهية فيما تعاني شعوبنا من الجهل والتخلف والصراعات القاتلة . ولهذا ارى ان مصير الاديان آيل الى الافول او التحجيم على الاقل وما ظاهرة انتشار الالحاد الا البداية الحقيقية لانقراض الاديان وخرافاتها وسيادة العلم والعقلانية .. فكل يوم يمر يزداد عدد الملحدين بأضطراد سواء في العلن او في الخفاء .. وتشير الاحصائيات واستطلاعات الرأي ان الملحدين واللادينين يمثلون حاليا المرتبة الثالثة في تعدادهم بعد المسيحية والاسلام .. ونحن اليوم امام واقع جديد يتمثل في اتساع هذه الظاهرة على كل المستويات والاعمار .. فنحن امام رجال دين وطلبة علوم وحوزات دينية يرفضون خرافات الاديان فيعلن قسم منهم الحاده فيما يبقي الاخرون ذلك سراً خوفاً من العقاب او لاستمرار مصدر رزقه .. ونحن امام شباب في مقتبل اعمارهم ورجال كبار في السن اكتشفوا بعد عمر طويل انهم كانوا مخدوعين ولي في ذلك شواهد ملموسة ومثبته .. ومهما حاولت الجهات والمؤسسات الدينية الحد من انتشار هذه الظاهرة فان الطوفان قادم مع اتساع وسائل الاتصال وانكشاف الحقائق .. بل ان هذه المحاولات البائسة عادت بنتائج عكسية .. فكلما اثير موضوع الالحاد ..فأنه يفتح مساحات واسعة للاسئلة والشكوك التي تطل برأسها في عقل المتدين الذي لا يجد احيانا مناص من البحث والتنقيب .. وهذا ما فعلته قناة الشرقية التي ناقشت الموضوع بسطحية شديدة من خلال استضافتها لشخص لا يعرف من الالحاد الا اسمه او ما سمعه من رجال الدين .. والادهى من ذلك انها بررت انتشار الالحاد بسبب ما اسمته الاستخدام الخاطيء لمواقع التواصل الاجتماعي ...
اخيراً نقول ان الالحاد بالخرافات والاساطير قادم لا محالة وان المسألة ما عادت الا مسألة وقت وان مقولة ان الاسلام انتشر بالسيف وسينتهي بالفيس ستكون حقيقة واقعة ... وإن غداً لناظره قريب .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل مسؤولَين من «الجماعة الإسلامية» بضربة إسرائيلية في شرق


.. يهود متطرفون يتجولون حول بقايا صاروخ إيراني في مدينة عراد با




.. كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط


.. الجماعة الإسلامية في لبنان: استشهاد اثنين من قادة الجناح الع




.. شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية