الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فتات موائدنا والببغاوية ..!!

قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا

2016 / 3 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


فتات موائدنا والببغاوية ..!!
وقفَ الشابُ الجامعي ،وهو في العشرينات من عمره، له لحيةٌ مشذبةٌ بعناية فائقة ، وشعر رأسه مُسرّحٌ بأناقة بادية ، يبدو وأنه قد خرج من صالون الحلاقة لتوه، يرتدي قميصا منسجماً مع بنطاله ، وينتعلُ حذاءً لامعاً براقا ... لقد هيأ نفسه جيداً ، مُعطياً أناقته حقها ،فالمقامُ لا يليقُ به إلّا مظهراً رائعا. وقف لإلقاء كلمة المحتفى بهم ، وهم شريحة الطلاب الجامعيين أبناء بلدته .
لقد جهّز خطابا لهذه المناسبة ، افتتحه بالديباجة المعروفة من حمد وثناء وصلاة وتسليم ، وتقديم أسمى آيات الشكر للقائمين على هذه المناسبة ، ولم ينسَ أن يذكر فضل العلم والمتعلمين والتباهي بأمجاد الغابرين ، ومن ضمن ما قال ، بأن الغرب التقطَ فُتات موائدنا وحقق بها الكثير ، مما يستدعي الاستنتاج بأن موائدنا عامرةٌ بالعلوم ، واكتفى الغرب بالفتات ..
للصراحة والشفافية ، فقد كانت لغته العربية الفصحى والتي ألقى بها كلمته، ممتازة ولم يُخطيء كعادة الخطباء في نصب الفاعل ورفع المفعول ، كان ذا نُطق سليم وعلى دراية بقواعد الخطابة وقواعد اللغة . وللحقيقة أقول ، بأن القليل من طلابنا الجامعيين والذين يدرسون في الجامعات الاسرائيلية ،من يُتقن قواعد العربية ، لأن العربية ليست لغة التعليم في الجامعات .. فالعبرية هي لغتهم الدراسية وخبز يومهم في الجامعة .
بعد أن انهى خطابه وحظي بتصفيق حاد ، توجهت لصديق يجلس الى جانبي وسألته : هل تتفقُ مع مضمون الخطبة وخصوصاً قصة "فتات المائدة " هذه ؟! وصديقي هذا هو خريج كلية شريعة اسلامية ،فأجاب بنعم ، لكن كان هذا منذ قرون خلت ..!! لم يُكابر صديقي على عادة البعض .
وللحظة خطر ببالي بأن هذا الشاب ،لا بُدّ وأنه يدرس العربية في الجامعة ، أو لِنقُل في جامعة عربية (في الأردن أو السلطة الفلسطينية )، وهذا أمر معتاد ، بل بلغ عدد الطلاب العرب من مواطني اسرائيل والذين يدرسون في الأردن الى أكثر من خمسة الاف طالب .. فظننتُ لوهلة بأنه من هؤلاء ..
أدنيتُ فمي من أُذنه أثناء مروري بجانبه وسألته: ماذا تدرس وأين ؟ وكانت إجابته مفاجئة لي ،فهو يدرس ادارة معلومات في كلية اسرائيلية ..
طبعاً ، لم تفارق حكاية فتات الموائد تلك ،ذهني . وحاولتُ أن أستوعب ، كيف يعتقد شابٌ جامعي يدرس المعلوماتية بأن العلوم التي يدرسها هي من "فتات موائدنا" ، والتي في الحقيقة والوقاع ،ليس "لنا" فيها ،لا ناقةٌ ولا جمل ؟!!
تذكرتُ البرازيلي فيريرا ، المُربي والمعلم ، الذي يُعتبر وبكل جدارة ، مؤسس مدرسة في التعليم ، اسمها التعليم المُحّرِّر ، والذي ضمّنّها كتابه الشهير Pedagogy of the Oppressed. وهو حول طرائق المؤسسة او الطبقات المسيطرة ، لقمع المقموعين . فالتعليم من وجهة نظره هو تعبير عن قمع طبقي للضعفاء بأيدي القوى المهيمنة على الموارد والإقتصاد ، والتعليم هو إحداها . لذا كان رأيه وما يزال ،بأن التعليم يجب أن يعمل على تحرير الانسان من خلال عدة طرق وأهمها "الحوار " ..لكن ليس هذا موضع حديثنا الآن ..
ويقرر فيريرا بأن الطبقات السائدة ،تستعمل التعليم الناراتيفي (معادلة الراوي من طرف والمستمع أو المُتلقي على الطرف الآخر )كوسيلة للقمع ، ومما يميز التعليم الناراتيفي وحسب رأيه : المُعلّم يُعلم والطالب يتعلم ، المعلم يفكر والطالب يتعلم عن شيء ما ، المعلم يعرف كل شيء والطالب لا يعرفُ شيئاً ، المعلم صاحب الصلاحية والطالب يُطيع ... هناك عشر نقاط يرى فيريرا بأنها تنتج نظاما تعليميا قمعيا ..
بالمختصر ، الطالبُ هو وعاء أو مخزن يتم تعبئته بالمعلومات ولا حاجة لأن يفكر بهذه المعلومات ..
نعم ، جهاز التعليم يُنتجُ ببغاوات ، لا تستطيع التحرر من سطوة الناراتيف ،حتى لو كانت هذه الببغاوات تدرس في الجامعة نظم المعلوماتية ..
"يجب على التعليم أن يبدأ بحل التناقض بين المعلم والطالب" ..!!وذلك عن طريق ترسيخ البديهية القائلة بأن المعلم ليس المرجعية الحصرية على المعلومات ، لأن كل واحد ،حتى الأُمي ، يستطيع ان يُثري العملية التعليمية من تجربته الحياتية .. لذا هنا تكمنُ أهمية "الحوار " الذي يتميز بالثقة ، الأمل والنظرة النقدية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - نموذجان في التعليم من عندنا وعندهم
أفنان القاسم ( 2016 / 3 / 12 - 11:39 )
تحياتي بابا: في جامعة مراكش كان طلبتي معتادين على تسجيل كل ما يقوله المحاضر ووقت الامتحان بعد أن يكونوا قد حفظوا المحاضرات عن ظهر قلب، يعيدون كتابتها وكأنهم ينقلون عن بعضهم، كتابة واحدة من طقطق لسلام عليكم، وعندما قلت لهم اكتبوا كل شيء عدا ما أقول كانوا على وشك أن يعملوا ثورة ضد الملكية... في جامعة السوربون، كنت أقوم بدور الموجه، فقط بدور الموجه، فالطالب هو من كان يقوم بالمحاضرة بدلي، وكل طالب بدوره، لأن الأساس ليس ناريتيفي (أعجبتني هذه الكلمة) وإنما بحث شخصي واعتماد على النفس وخلق، ماذا أقول لك أكثر؟ بناتي وهن في المدرسة الثانوية كن يحللن بطريقة علمية (طريحة نقيضة نتيجة) وكن يناقشن أعمال سارتر ورامبو وفلوبير، يا رجل من الثانوية، لهذا العالم عندهم قائم على العلم والعالم عندنا قائم على الملوخية!!!


2 - الاستاذ افنان العزيز
قاسم حسن محاجنة ( 2016 / 3 / 12 - 12:20 )
تحياتي يا بني الغالي
وخالص شكري على التعقيب
لا شك بأن بيننا وبينهم برزخ لا متناه ، ولن يحصل اللقاء الا بعد تغيير شامل لمفاهيم وثقافة .
طبعاً وبالتأكيد ستكون أستاذا يحث على استعمال العقل ، وبناتك من ذاك الأسد اللي هو انتي طبعاَ
الى لقاء قريب


3 - تصحيح ليس إلا
شخص ما من الماضي ( 2016 / 3 / 12 - 12:27 )
وكان ذا دراية بأصول الخطابة وقواعد اللغة !!!


4 - عزيزي شخص من الماضي
قاسم حسن محاجنة ( 2016 / 3 / 12 - 12:39 )
شكرا ويعطيك العافية
كان فعل ماضي ناقص يدخل على الجملة الاسمية فيرفع الأول ويسمى اسم كان وينصب الثاني ويسمى خبر كان . وبما ان اسم كان ضمير مستتر تقديره هو . فإن ذا هي خبر كان منصوب بالالف.
خالص شكري


5 - ما قصدت هذه
شخص ما من الماضي ( 2016 / 3 / 12 - 12:54 )
بل هذه
تكرار كلمة قواعد ؛
والأولى تجنب إضافة ذات الكلمة لمضاف آخر في سياق وصف مترابط أو حديث قصير
تحياتي يا استاذ .


6 - يا هلا عزيزي شخص ما من الماضي
قاسم حسن محاجنة ( 2016 / 3 / 12 - 13:00 )
تحياتي
حتى لو كانت الأولى فلك كل التقدير
وشكرا على الملاحظة
ولو كان هنا في الجملة طباق تام
لكن قواعد اللغة تختلف عن قواعد الكتابة .. اليس كذلك
لك خالص احترامي وتسلم على دقة الملاحظة

اخر الافلام

.. مناظرة تبادل الاتهامات بين بايدن وترامب | الأخبار


.. انقطاع الكهرباء في مصر: السيسي بين غضب الشعب وأزمة الطاقة ال




.. ثمن نهائي كأس أوروبا: ألمانيا ضد الدنمارك وامتحان سويسري صعب


.. الإيرانيون ينتخبون خلفا لرئيسهم الراحل إبراهيم رئيسي




.. موريتانيا تنتخب رئيساً جديداً من بين 7 مرشحين • فرانس 24