الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في قضية التدين والإلحاد والدولة العلمانية

جعفر المظفر

2016 / 3 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في قضية التدين والإلحاد والدولة العلمانية
جعفر المظفر
إعجابي ببعض الكتاب الذين يشخصون أخطاءنا ونواقصنا وعطلاتنا الذاتية لا يخلو من نقد حينما تقف محاولاتهم على كشف تلك النواقص دون تقديم البديل. لقد صار ذلك في بعضه شكلا من أشكال الموضة الاعلامية التي تستهدف تحقيق حالة من الشد الإنبهاري أكثر من كونها محاولة جادة وعقلانية لتشريح المشهد ونقده بعقلانية ومهنية عالية, فالكاتب عادة ما يتصور أنه سيحقق حالة إنبهار بما يكتبه إذا أمعن في التأكيد على نواقصنا الذاتية مائلا إلى تحميل الذات وزر الأخطاء بطريقة تحقق الرفض السلبي, اي ذلك الذي يفتقد إلى الحلول الإيجابية البديلة.
والمثقف سيخطأ بكل تأكيد لو أنه ترك موسى وحيدا في الصحراء مع عصاه دون أن يزوده بما يعينه في رحلته الصعبة والمهلكة, كما أن التفكير السليم يبقى صالونيا وغير منتج ما لم يولي إهتماما كبيرا بطريقة كسب العامة, فهدف المثقف في النهاية يجب أن يكون التغيير وليس إبقاء الحوار في خانته البيزنطينية.
إني أتفق أن تاريخنا وشكل ثقافتنا بحاجة إلى تشريح وتجريح وليس إلى نقد فقط, فهذه المفردة الأخيرة تبدو وكأنها إقتراب ناعم وأنيق من مسألة لا يفيدها غير الضرب بمطرقة, لكني أؤمن من ناحية اخرى أن وسيلة التغيير, إن كان المثقف والثقافة, فإن هدف التغيير هو النسبة العظمى من الناس التي نتفق على تسميتها بالعامة, وإن ما يهمنا في عملية التغيير هو أن لا تنفصل الوسيلة عن هدفها وإلا لتحولت الوسيلة, اي الثقافة والمثقف, إلى سلعة صالونية تُمَتِّع نفسها وجمهورها في صالات عرض مغلقة.
ربما تكون الإستفاضة هنا وكأنها خروج على الموضوعة الرئيسة, لكنني لا أجدها كذلك حينما نتوخى الإنفتاح على المشهد العام بإلمام وسِعة, فأنا أعتقد ان الخروج من المستنقع إلى فضاء الصحراء ليس حلا, فهنا أيضا قد يموت الإنسان عطشا وهو يسعى إلى الهروب من الغرق في ماء المستنقع أو الإختناق بروائحه.
لنتخذ الموقف من الدين مثلا. قضية الإلحاد لا تثير عندي مشكلة إلا حينما تتحول إلى شرط أساس من شروط التغيير السياسي والإجتماعي فيتحول الإلحاد نفسه إلى دين بديل, وكأني بالمصلح الإجتماعي الملحد وهو يدعو إلى ضرورة إبدال الفقرة الدستورية الخاصة التي تقول أن دين الدولة هو الإسلام أو المسيحية أو اليهودية بأخرى تقول أن الدولة هي دولة ملحدة.
في الحقيقة أن مرامنا ليس هذا ولا ذاك بل حذف الفقرة التي تشير إلى الهوية الدينية للدولة كونها, أي الدولة, كيانا إعتباريا يستوعب الجميع, متدينين وملحدين وربوبيين, بشرا وحيوانات ونبات, ثم إبقاء الخيار على المستوى الفردي قائما في دولة علمانية تحترم الجميع على إختلاف هوياتهم الدينية واللادينية.
لكن ذلك لن يلغي الإنتباه إلى حقيقة أكيدة, وهي أن الوصول إلى مجتمع حر الإرادة والإختيار على هذه الشاكلة سوف لن يتحقق ما لم يجري إصلاح الملكية الفكرية وطريقة التفكير نفسه عن طريق التخلي عن مفهوم أن نقد الفكر الديني ومناقشة وجود الخالق من عدمه يتقاطع مع القداسة, لأن ذلك سيرجعنا إلى المربع الذي يلغي حق النقد ويقضي على حرية التفكير بسلاح فتاك إسمه القداسة. وبالنسبة لي فإنني لا أخشى على ربي من حرية التفكير إلا إذا كان هذا الرب ضعيفا وهش التكوين ولا أخشى على ديني من حرية النقد إلا إذا كان ضعيف البنية والحصانة.
إن الملحد قد يتحول إلى تكفيري لو أنه إشترط, كما المتدين التكفيري, أن تلغى حرية التفكير والإختيار بما يتعلق بقايا الذات الإلهية وقضايا الأديان, وبالتالي فسوف يكون لدينا نوعان من المُكَّفِرين, أحدهما ملحد والآخر متدين, ويتحول الإلحاد نفسه, على يد الملحد التكفيري, إلى دين جديد.
الأكثر أهمية في موضوعتنا هذه, أن وجود دولة علمانية, بقوانينها التي تحمي حرية الإنتماء الديني والمذهبي أو البدون, سيكون الطريقة الأفضل لخلق مجتمع قادر على العثور على الأفضل من خلال قداسة النقد البناء الذي لا يقترب من قضية الأديان وكأن بينه وبين الله معركة شخصية. إن معركة حوار كهذه ستكون معركة عقول لا معركة سواعد, وفي معركة كهذه سيكون الله أقوى, فإن لم يكن كذلك فما حاجتي إلى رب ضعيف.
إن تجارب الدول العلمانية, التي لا تشترط الإلحاد في دساتيرها ومناهجها ولا تشترط وجوب التدين أو تحدد هوية أفرادها الدينية,هي الأفضل. ففي هذه الدول لا يشترط وجود الله إلغاء العقل ولا يشترط وجود العقل إلغاء فكرة وجود الخالق.
وفي مجتمع كهذا قد تخسر المؤسسة الدينية ولكن ليس الدين نفسه.
والدين لن يكون ضعيفا إذا وجد الإلحاد إلى جانبه إلا إذا كان هذا الدين ضعيفا بالأصل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مداخلة
أدونيس الشامي ( 2016 / 3 / 13 - 01:04 )
مقالة جميلة، تطرح رؤيا قد يكون الوقت لم يحن لتنفيدها، نحن بحاجة فعلا لتقديم البدائل ، وهي متوفرة وبكثرة ، ولكن سيدي الكريم أليس علينا أولا أن نجد قبول المتلقي ليصل معنا إلى هذه النقطة، أقصد نقطة طرح البدائل. نحن لازلنا نتعامل مع متلقي يعض بنواجده على ما يعتبره مُقدس ويرفض مجرد نقده أو حتى طرحه للنقد ، فكيف لنا أن نتحدث معه على البدائل ؟
لذلك ترى التركيز يتم على محاولة إظهار حقيقة هذا المقدس عند المتلقي ، والطعن على قدسبته بكشف تضاده وتناقضه مع الفطرة الإنسانية السوية، وأعت د أن ذلك حتى الأن يحقق نتائج مرضية ، ويمد الطريق لتحقيق الرؤية التي تطرحها، تحياتي وإحترامي


2 - ليس كذالك
ألأسود العنسي ( 2016 / 3 / 13 - 01:36 )
تحياتي أستاذ جعفر،
الملحدون لا يريدون دين الدوله لألجاد أولاً ألأحاد ليس ديناً، ثانياً أ ن كل ما ننريده ه مشاركه متكافءه في الجتمع الذي نعيش فؤه


3 - ساويت الجزار بالضحية!
ملحد ( 2016 / 3 / 13 - 13:19 )
اخي الكاتب-;- رغم انك حاولت ان تكون متوازنا وموضوعيا عند كتابة المقال غير انني اعتبر انك قد ساويت بين الجزار( = المتدين التكفيري) والضحية ( = الاخر المختلف ومن بينهم طبعا الملحدون واللادينيون ....) ?!!!

فهل يقبل المؤمن التكفيري حرية التفكير والاختيار?!

بعض الامثلة التوضيحية
هل يقبل المتدين التكفيري بان يفتح الاخر المختلف حانونته او مطعمه....الخ اثناء فترات صيام رمضان?
وهل يقبل المؤمن المتدين بان يمارس الاخر المختلف حقه الطبيعي في تناول ساندويشة في طريقه الى عمله اثناء صيام رمضان!
هل يقبل المؤمن المتدين بان يمارس الاخر المختلف حقه في نقد الاديان?

رغم انه هو نفسه يستطيع متى شاء! في الجامع والمدرسة والشارع....الخ الهجوم(وليس نقد فقط!) على الاخر المختلف كالفكر الالحادي والداروينية والكثير من الثوابت العلمية.....الخ ??!!!!

اخي الكاتب-;- الامثلة اعلاه توضح بصورة واضحة وجلية ان اساس المشكلة هو المؤمن التكفيري وليس اي طرف اخر.
لقد كان دائما المؤمن التكفيري هو المعتدي
فلا تساوي الجلاد بالضحية!

تحياتي


4 - اخي الكاتب
ملحد ( 2016 / 3 / 13 - 21:17 )

ادعوك لقراءة هذا المقال
متي يخلع الشعب المصري عباءة الدرويش ؟

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=509023

تحياتي


5 - الحل هو بمنع الاسلام من التداول.
احمد حسن البغدادي ( 2016 / 3 / 13 - 22:03 )
تحية أستاذ جعفر.

سأقدم هنا مداخلتي بعد ان كان السيد جعفر المظفر يرفض مداخلاتي التي تنتقد الاسلام كايدلوجيا للكراهية والارهاب، بعد ان رأيت تغيرا ً من موقف جعفر المظفر اتجاه الأيدلوجيا الاسلامية.

أقول،

هناك في العالم اكثر من 4000 دين، كلها عقائد متوارثة، ومنها ماهو مستحدث،

جميع الأديان تتقبل النقد، على الأقل لاتهديد فيها لحياة الناقد بالقتل كما يحث الاسلام المسلمين على قتل ليس المنتقدين، بل قتل المسلم لانه ترك الصلاة، فما بالك بالذين ينتقدون الاسلام.

نقول،

ان العلمانية هي المرحلة الاولى لبناء دولة المواطنة، لكنها لاتكفي لصيانة حقوق المواطنين،
لماذا؟

لان العلمانية تعطي الاسلام حرية فرض أيدلوجيته الفاشية على الشعب، كما يفعل المسلمون الان في أوروبا، حيث يضرب شارب الخمر والسافرات في الأحياء التي فيها تجمع للمسلمين.

الحل مع الاسلام هو إصدار قرار اممي، باعتبار الاسلام ايدولوجيا اخطر من النازية،
او إقامة دولة علمانية يمنع فيها الاسلام من التداول باعتبار الشريعة الاسلامية منافية لقوانين حقوق الانسان جملة وتفصيلاً.

نستنتج إذاً،
لأجل إقامة دولة علمانية يجب محاربة الاسلام اولاً.


6 - الفكره جيده لكن العرض غير جيد
emad.emad ( 2016 / 3 / 14 - 07:40 )
فعلا الفكره جيده
هى قبول التعدد تحت رايه الدوله العلمانيه
لكن الغرض يقدم ما هو غير الدين بانه السئ
العرض فى حد ذاته يلغى الفكره
نحن نعيش فى مجتمع مريض يرفض كل ماهو غير اسلامى
يقبلالاسلام الشكلى
لكنه يرفض فكره التعدد
يرفض العلمانيه ويربطها بالالحاد
ويصور الالحاد بانه عديم الاخلاق والقيم
ويدعو الى الفجور والفساد وممارسه الرزيله وعرى النساء
من الاخر
يرجعنا لفكره الاسلام هو الحل
هذا الشعار الذى اثبت فشله
بل هو السبب فى تاخرنا
ووصلنا الى هذه الدرجه من الحضيض الذى نحن فيه
اولا يجب القضاء على فكره
ان المتدنيون او المسلمون هم الاعلون
يجب ان تطبق قانون المجتمع المدنى العلمانى
يجب ان يلغى قانون اذراء الاسلام وتطلق حريه الراى للجميع
وعلى علماء الاسلام الرد على الفكره بالفكره
بدلا من رفع القواضى
وسجن اصحاب الافكار
فكره تجديد الخطاب الدينى فكره فاشله
يجب ان يرد علماء الدين على الافكار
اذا استاع علماء الدين الرد على افكارنا
سوف نطبقالشريعه
لانها غليت العلمانيه
االمشكله عندكم يا علماء الدين
ردوا علي افكارنا
اقنعونا


7 - شكر لتفاعل الكاتب?!
ملحد ( 2016 / 3 / 15 - 11:16 )
نقدم ( شكرنا الجزيل) لتفاعل الكاتب النشط مع المعلقين على صفحة الحوار!
بصراحة لم نكن نتوقع هكذا تفاعل نشط للغاية.....


8 - إلى السيد ملحد
جعفر المظفر ( 2016 / 3 / 15 - 12:00 )
ليس بالضرورة يا سيدي أن يرد الكاتب, فالصفحة هي لحوار القراء
المحترمين, والكاتب يعبر عن موقفه في المقال الأصل.
تقبل شكري لك على المساهمة في الحوار

اخر الافلام

.. جون مسيحة: مفيش حاجة اسمها إسلاموفوبيا.. هي كلمة من اختراع ا


.. كل يوم - اللواء قشقوش :- الفكر المذهبي الحوثي إختلف 180 درج




.. الاحتلال يمنع مئات الفلسطينيين من إقامة صلاة الجمعة في المسج


.. جون مسيحة: -جماعات الإسلام السياسي شغالة حرائق في الأحياء ال




.. إبراهيم عبد المجيد: يهود الإسكندرية خرجوا مجبرين في الخمسيني