الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الخيمة التي نهبت الحضارات

دانا جلال

2016 / 3 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد انتهاء عمليات النهب الداخلي شكلا من أشكال التراكم البدائي، ونجاح قريش " القبيلة" بإنشاء "دولة المدينة" ومن ثم دولة الخلافة الاسلامية بدأت الفتوحات الإسلامية.
الانتقال من حدود "القبيلة" الى "دولة المدينة" ومن ثم "إمبراطورية الخلافة" انطلق من النجاح الذي حققه "محمد بن عبد الله" بمخاطبة قريش، ورسم حدود سلطتها، ومناطق توسعها، ومراحل تطورها من جهة وانشاء جيش مدرب في عمليات القتل والنهب بعد 20 الى 29 غزوة و40 الى 70 سرية.
خطاب غرائزي، وتوسعي في مجتمع بدوي، كان الأكثر ملامسة للشخصية البدوية في ظروف طبيعية واقتصادية قاسية لا يمكن تغيرها دون نهب وتوسع جغرافي، لذا نرى ان صاحب الرسالة وحاملها يخاطب قبيلته ويرسم لهم حدود غدهم برؤية استراتيجية بالغة الدقة والذكاء،
عن ابن عمر (رض) قال النبي (ص): "يا معشر قريش! اتبعوني تطأ العرب أعقابكم، بلى والله وفارس والروم" (1)
عمليات النهب المُشرعنة دينياً وفي بداية الرسالة، خلق الشخصية المتناقضة عند البدوي، تناقض بين ما هو ديني يفتح له مساحات جديدة للنهب، ودنيوي متحقق في بقعته الجغرافية المحصورة والمُدركة.
ان ترك البدوي لصلاته خلف رسوله، لا يمكن تفسيره بضعف ايمانه، أو بالشخصية الغير منضبطة للبدوي قدر تعلق الامر بتنفيذه الحرفي لما وعد به ضمن بقعته الجغرافية، ولاحقا بكنوز ونساء الحضارات المجاورة بين يديه ومُلك ايمانه، فعن جابر بن عبد الله قال: بينما نحن نصلى مع النبي (ص) إذ أقبلت عيرٌ تحمل طعاماً فالتفتوا اليها حتى ما بقي مع النبي (ص) إلا اثنا عشر رجلا فنزلت هذه الآية: "وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا" (2)
ان صورة الرب وحديثه المدني كانت بحاجة الى ترميمات، بل والى تغييرات جوهرية في الصورة لخلق منعكس شرطي يحرك البدوي ويقوده.
تغيير حالة وواقع الفقر، وهي الحالة العامة في المجتمع البدوي، إضافة الى حل مشكلة الكبت الجنسي في الصحراء فرض الخطاب الغرائزي لما دون الرقبة ومن ثم الابتعاد عن الجوانب الروحية للرسالة المحمدية،
فعن عبد الله بن قُسيط قال: كان أهل الصفة ناساً من أصحاب رسول الله (ص)، لا منازل لهم، فكانوا ينامون على عهد رسول الله (ص)، في المسجد ويظلون فيه مالهم مأوى غيره، فكان رسول الله (ص) يدعوهم إليه بالليل إذا تعشى فيفرقهم على أصحابه وتتعشى طائفة منهم مع رسول الله (ص)، حتى جاء الله تعالى بالغنى. (3)
حينما تتغير صورة الرب يتغير معه البدوي، وحينما يتغير البدوي يعيد رسم صورة ربه من جديد، هي عملية رسم متبادلة، كان الوسيط بينهما الرسول الذي كان يدرك وبوعي كامل الى اين يتجه وكيف يتحكم باتباعه واتباع اتباعه، فالرب الذي يرافق البدوي في صولات نهبه، وجولات القتل والسبي، سيصبح أكثر قبولاً، لأن "الانا العليا" الذي يلغي فيه "الأعلى"، ويطلق سراح "اناه الدنيا" بقوانين الدنيا يستحق بل وواجب الخضوع له، ففي المغازي للواقدي ((وندب رسول الله (ص) المسلمين، وقال: "وهذه عير قريش فيها أموالهم، لعل الله يغنمكموها" فأسرع من أسرع حتى إن كان الرجل ليساهم أباه فى الخروج،... )) (4)
صحيح ان محاكمة التاريخ ورجاله بمنطق الحاضر وقيمه عملية فيها اجحاف كبير لتاريخ منطقتنا وشعوبها، ولكن الاصح هو ان القسوة لم تكن مطلقة حتى في أكثر المجتمعات تخلفاً وهمجية.
يصف مسلم والبخاري في صحيحهما تفاصيل مروعة لما جرى لبني المصطلق فعنهما ((أخبرنا بن عون قال: كتب إلىّ نافع، فكتب إلىّ إن النبي (ص) أغار على بنى المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تُسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جُويرية. حدث به عبد الله بن عمر، وكان فى ذلك الجيش. (5)
ثقافة النهب بغض النظر عن مبرراتها جعل من البدوي مستمعاً ومطيعاً ومؤمنا بما ينتظره في الفردوس المفترض، ولكنه ينازع حتى رسوله حين التعلق بما يقع في اليد ‘فعن جبير بن مطعم قال أنه بينما هو مع رسول الله (ص) ومعه الناس مقبلاً من حنين (غزوة حنين) علقت رسول الله (ص) الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمُرَة (شجر له شوك) فخطفت رداءه، فوقف رسول الله (ص) فقال، "أعطوني ردائي، فلو كان عدد هذه العضاه نعماً لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوباً ولا جبانا" (6)
النزاع والتنازع على الغنائم بين اتباع الرسالة يكشف وبكل وضوح الهدف من الغزوات ولاحقا الفتوحات، فعن ابن عباس (رض) أن رسول الله (ص) قال يوم بدر: من قتل قتيلا فله كذا وكذا" أما المشيخة (الشيوخ) فثبتوا تحت الرايات وأما الشباب فتسارعوا إلى القتل والغنائم فقالت المشيخة للشبان: أشركونا معكم فإنا كنا ردأً لكم ولو كان فيكم شيء لجئتم إلينا فأبوا فاختصموا إلى رسول الله (ص) قال: فنزلت (يسألونك عن الأنفال) (الأنفال:1)، فقسمت الغنائم بينهم بالسوية. (7)
لفض الاشتباك والنزاع حول الغنائم كان لابد من قواعد محددة للتقسيم، فعن أبى هريرة (رض) قال النبي (ص): "أيما قرية أتيتموها وأقمتم فيها فسهمكم فيها، وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله ولرسوله ثم هي لكم" (8)
قد يُبرر عمليات النهب بالجانب الاقتصادي، ولكن سبي المرأة والتعامل معها كجسد وسلعة ومع مراعاة السياق التاريخي لا ينفي الخطاب الغرائزي الذي خوطب به بدو الغزوات والفتوحات، فعن ابن عباس ((أن النبى (ص) قال: اغزوا تغنموا بنات بنى الأصفر، فقال ناس من المنافقين: إنه ليفتنكم بالنساء، فأنزل الله: "وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي" (التوبة:49) (9)
وعن أبى سعيد الخدرى قال: بينما هو جالس عند النبى (ص) قال: يا رسول الله إنا نصيب سبياً فنحب الأثمان فكيف ترى فى العزل؟ فقال: "أوإنكم تفعلون ذلك لا عليكم أن تفعلوا ذلكم، فإنها ليست نسمة كتب الله أن تخرج إلا هى خارجة" (10)
ثنائية (الجسد والثروة)، (الغريزة والسلطة) محركاً رئيسياً لقادة وجنود الغزوات قد تضاعف دوره في فتح البلدان الأكثر ثروة وانوثة إضافة الى تحقق الرؤية الاستراتيجية للرسول
((قال سعد بن مالك بعد غزوهم العراق وفارس (هي ميراثكم وموعدكم وقد أباحها لكم منذ ثلاث حجج) ثم يتمحل آية من القرآن يجعلها سنده للوعد والميراث)). (11)
لقد اعترف الصحابى "المغيرة بن شعبة" في حواره مع محاوره الفارسي أن سبب الغزوات هو أحوال العرب المتردية (عن جبير بن حية قال: بعث عمر الناس فى أفناء الأمصار يقاتلون المشركين،... فندبنا عمر. واستعمل علينا النعمان بن مقرن. حتى اذا كنا بأرض العدو، وخرج علينا عامل كسرى فى أربعين ألفاً، فقام ترجمان فقال: ليكلمنى رجل منكم. فقال المغيرة (بن شعبة): سل عما شئت. قال: ما أنتم؟ قال: نحن أُناس من العرب كنا فى شقاء شديد. وبلاء شديد نمص الجلد والنوى من الجوع ونلبس الوبر والشعر... فأمرنا نبيناً رسول ربنا (ص) أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده. أو تؤدوا الجزية. وأخبرنا نبينا (ص) عن رسالة ربنا أنه من قتل منا صار إلى الجنة فى نعيم لم يَرَ مثلها قط. ومن بقي منا ملك وقابكم. (12)
لقد فضل قادة الفتح الجزية على قتال الفرس رغم انهم لم يكونوا أصحاب كتاب بجريرة السنة النبوية حيث
شهد عبد الرحمن بن عوف حينها “أن رسول الله (ص) أخذ الجزية من مجوس هَجَرَ". رواه البخارى، والترمذى (1586،1587)، وأبو داد (3043). (13)
الهوامش
1- (أنظر جمع الجوامع (الجامع الكبير) للسيوطي – ج9 - حديث رقم 28116 – ص 189 – دار الكتب العلمية 2000م – بيروت) رواه الديلمى، والمتقي الهندي (33870).
2- رواه البخاري. (صحيح البخاري – (11) كتاب الجمعة – (38) باب: إذا نفر الناس عن الإمام- حديث رقم 936 - مكتبة الإيمان بالمنصورة – تحقيق طه عبد الرؤوف سعد – طبعة 2003م) رواه أيضا الإمام أحمد (3/370). (صحيح البخاري – حديث رقم 936 – مكتبة اولاد الشيخ للتراث – مصدر سابق)
3- (الطبقات الكبرى لابن سعد – فصل: ذكر الصفة ومن كان فيها من أصحاب النبى (ص) – ج1 – ص255 – دار صادر – بيروت – ص.ب(10) – طبعة 1998م)
4- (المغازي للواقدي – ص34)
5- رواه البخاري، ومسلم (1730). (صحيح البخاري – (49) كتاب العتق – باب (13) – حديث رقم 2541 – مكتبة أولاد الشيخ – مصدر سابق)
6- رواه الإمام أحمد (4/82)، والبخاري. (صحيح البخاري – (57) كتاب فرض الخمس – (19) باب ما كان النبي (ص) يعطى المؤلفة قلوبهم – حديث رقم 3148 – مكتبة أولاد الشيخ – مصدر سابق)
7- رواه الحاكم وقال: هذا حديث صحيح. وقال الذهبي في التلخيص: صحيح. (المستدرك للحاكم- ج2– حديث رقم 2876/5 – ص 241 –)
8- رواه الإمام أحمد، ومسلم، وأبو داود، والبغوى، والتبريزى. (جمع الجوامع الكبير للسيوطى – ج3 – حديث رقم 9409 – ص 363 – مصدر سابق) والحديث رواه ايضاً ابن حبان في صحيحه. (صحيح ابن حبان – (21) كتاب السير – حديث رقم 4826/1 – مصدر سابق)
9- (أسباب النزول للسيوطي – ص153 - المكتب العلمي للتراث/ دار البيان العربي بالأزهر – الطبعة الأولى 2002م - رقم الإيداع 10153251/2002)
10- رواه البخارى، ومسلم (1438). (صحيح البخارى – (34) كتاب البيوع – (109) باب بيع الرقيق – حديث رقم 2229 – مكتبة أولاد الشيخ – مصدر سابق)
11- (شدو الربابة بأحوال مجتمع الصحابة – السفر الثالث (الصحابة والمجتمع) – ص278:276 – دار سينا للنشر – القاهرة – الطبعة الأولى 1997)
12- رواه البخارى، والترمذى (1612)، (1613)، وأبو داود (2655). (صحيح البخارى – (58) كتاب الجزية والموادعة – باب (1) – حديث رقم 3159 – مكتبة أولاد الشيخ – مصدر سابق)
13- (صحيح البخارى – (58) كتاب الجزية والموادعة – باب (1) – حديث رقم 3157 – مكتبة أولاد الشيخ – مصدر سابق)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟