الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جوهر الخلاف في قضية المرأة

يارا عيسى

2016 / 3 / 18
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


عندما يتحدث المفكرون عن حقوق المرأة تجد صوتا غليظا أجش يأتي ليفزعك ويقتلعك من مكانك لغلظته وقسوته لكنك سريعا ماتنتبه أنه صوت كائن حي بني آدم يقول بنبرة قسوة وعجرفة " نعم ياخويا ! حقوق ايه يا ابو حقوق ! حقوق إيه ومرأة إيه ، انتو مش لاقيين حاجة تتكلموا فيها ، ماهي واخده كل البلد واشتغلت كل الوظايف وزحمانا ف الموصلات والشغل والشباب قاعدين ، نديها ايه تاني يا جدع ! ما نقعد احنا ف البيت نربي العيال ونطبخ ويشغلو هما البلد ! "
وهذه رسالة إلي تلك الكائنات : قضية حقوق المرأة يا سادة قضية فكرية آدمية ، ولو إستطاع أحدكم أن يتأمل معني الفكر والآدمية لحلت الإشكالية بأكملها ولا نجد ثانية ذلك التناحر والتناقض في الرأي بين من يدافعون عنها وبين من يرون أنها لاقضية من الأساس !
أتي رواد الدفاع عن حقوق المرأة ومناصرتها بإتجاهين متوازيين أو هدفين أرادوا تحقيقهما معا أولهما إنتشال المرأة من الكوارث التي لا تفتعل بكائن حي آدمي مثل محاربة العنف ضد المرأة من ختان الإناث وضرب الرجل لزوجته وعدم التعليم وعدم الحق والمشاركة في الإنتخاب وزواج البنت طفلة صغيرة وأمور غير ذلك كثيرة ، وكان الهدف الثاني لمناصريها هو الإرتقاء بها إلي المستوي الآدمي من حيث حقها في الحب والثقافة والإبداع والتميز وإثبات ذاتها والقيادة والحرية والإستقلال .
نجحت القضية بشكل كبير في هدفها الأول بفضل الرواد والمفكرين والثورات وربما السبب الجوهري هو أن طبيعة الحياة العصرية الجديدة بسماتها الحضارية والتنافسية فرضت تحقيق ذلك ، فالعلم أثبت خرافة ومدي الضرر الجسدي والنفسي لختان الإناث فمن يستطيع بعد ذلك أن يجرم مثل تلك الجريمة ؟! وخرجت المرأة للعمل بحكم فقر أسرتها مع ازدياد طموحات الحياة الجديدة أي أن الظروف هي التي اضطرتها لذلك وليس الفكر والإيمان ، وأراد الرجل لابنته التعليم لأنه في الدول النامية مصدرا للوظيفة أي مصدرا للمال لحمايتها من نوائب الزمن بعدما يرحل الأب تاركا إياها في هذا الزمن الأسود كما يقول ، وليس إيمانا منه بحقها في إكتشاف وإثبات ذاتها وتثقيف وإنفتاح عقلها ، سمح لها الأب بعدم زواجها صغيرة حتي يضمن لها المستقبل العلمي أولا الذي هو مفتاح الوظيفة لأنه لا يضمن ذلك الرجل الثاني الذي يسلمها إليه ، الذي قد يحرمها من اكمال تعليمها فور إستلامها !
مانريد قوله أن شكل ونمط الحياة الجديدة فرض علي المرأة إكتساب الحقوق دون الآدمية وتخطي تلك المرحلة والحمدلله ، بالإضافة بالطبع إلي صراخ المتمردات وكتب المفكرين وتناحر الكتاب حتي أصدرت بعض المواد الدستورية التي أعطت لها حقوقا أخري مثل التصويت في الإنتخابات وحقها في بعض الوظائف التي منعت عنها سابقا .
أما الهدف الثاني من نداءات المفكرين في هذا الصدد هو في جوهره نداء لتغيير الموروث الفكري والثقافة المتوارثة ، تغيير في النظرة التي تعكس الثقافة والفكر ، تغيير ثقافة الدول النامية الحاضنة للجهل والخرافة واللامنطق ! ، نحن نريد إقتلاع النظرة العنصرية الفوقية الدفينة التي في نفوس الرجال – والنساء أيضا – للمرأة ، وتلك هي المعضلة العميقة التي يصعب للغاية حلها ، علينا أن نقتلع تلك الصورة الشديدة الإلتصاق بأذهاننا بأن المرأة مرادفة لأواني الطهي وحفاظات الأطفال ، فلا أجد في أي دين سماوي أن المرأة بالفطرة خلقت مرتدية مريلة المطبخ مثلا ! أو أنها مولودة بالفطرة ونفسها حلو في الطهي ! علينا أن نتخيل وندرك ونصدق حق الإدراك التصديق أنه من الحق الطبيعي بدون أية مجاملات أو هبات أن يكون للمرأة كيانها المستقل وحقها في الحب وإختيار شريك حياتها علي أساس من الحب لا العرف والعادات ، وحقها في التفوق وإكمال تعليمها والمعافرة لبلوغ أعلي درجات العلم وإثبات ذاتها وإن تنازلت عن الزواج لأجل ذلك فلا نهول الموضوع ولانعتبرها كارثة ولا نضغط علي نفسيتها وأعصابها حد الإختناق والإنفجار والتنازل ، علينا أن نتخيل في مجتمعاتنا قادة من النساء وزعيمات وعالمات في الهندسة والفلك وموسيقيات ورائدات في كل المجالات بتحضر وأخلاق وإنسانية ، علينا أن نلقنها حقها في الحرية والإستقلال وعدم التبعية منذ الصغر وأن نمنحها اليد التي تساعدها لذلك بكل حب وإيمان وإقتناع دون تقريع أو تعنيف أو إظطهاد أو تهديد أو غضب أو ثورة .
يتساءل أحد الكتاب لماذا لم تستطع المرأة الإبداع والتميز في مجتمعاتنا وما هي العراقيل التي تقيدها ؟ وأقول إنها الجبرية المستترة والعقم الفكري التي تقع المرأة أسيرته ، فالظاهر والمشاهد لدينا أنها تتمتع الآن بقدر كبير من الحرية في التعليم والعمل والخروج ، ولكن الحقيقة التي تعيشها أنها تسير وفقا للموروث الفكري في مجتمعاتنا ، فهي منذ الصغر تتلقي التربية والتعليم الذين يلقون في ذهنها أنها خلقت للعمل قي المنزل وليس إلا ، وأن هذا فطري وبديهي ومعروف ، تتلقي ثقافة التمييز علي أنه قاعدة حياتية وثابت كوني ، فهي تعمل كل أعمال امنزل وإن كان أخوها الأكبر متواجد معها في المنزل وليس لديه أعمال ، وليس من حقها الإعتراف بحب أو مشاعر أو إظهار ذلك بينما يستطيع أخيها التحدث بحرية عن رفيقاته ومغامراته ، هي تعاقب ويكسر لها ضلع كي يطلع عشرة ويتساهلون مع أخيها عندما يخطأ ، ربما هي من تقوم علي خدمته ذاته ، هو يستطيع أن يحب ويختار شريكة حياته بحرية وهي تختار أيضا لكنها تختار من تختاره لها الأسرة ، ربما يترك لها الأب الحرية لكنها مقيده بضغطه عليها ورغبته الحاده في شخص بعينه يعكس اختياره هو وثقافته هو ونظرته هو للحياة ومقيده بالخوف علي غضبه وحزن الأم وقلق الأسرة من تأخر سن زواجها وكلام الناس والعادات والتقاليد ووجودها في مجتمع يكاد يستحيل إثبات الذات فيه إلا بعد صراعات وحروب ، فهل تستطيع خوض كل تلك المعارك وهي نفسها منذ البداية مزعزعة بثقافة ملقنة في نفسها منذ الصغر حتي وإن كانت مثقفة ، فبالطبع المعادلة غير متزنة ، تستسلم الأنثي أمام ضغط الأسرة ونظرة المجتمع وقلة حيلتها وتتزوج وتدخل الحياة الجديدة التي ماهي إلي سجن متصل بسجن سابق ، وبالطبع ترضخ لعادات زوجها وأهله وثقافة البيئة التي تعيش فيها وثقافة هذا الذي تتزوجه ، فيفرض عليها لباسا بعينه وأسلوب من الحياة بعينه ويري فيها الخادمة والزوجة الممتعة المطيعة ومن يربي أولاده بإخلاص فيثني ذلك عليها – إن كان شاكرا - ، وأمام ذلك كله من القيام بكل أمور المنزل وتربية الأطفال وإرضاء الزوج وإحتمال غيرته وشكه وعقده النفسية وثقافته الذكورية التمييزية وإهانته لها بفقد جمالها - كأنه هو ليوناردو دي كابريو- وإرضاء أهله والرضوخ لثقافتهم البالية المختلفة وضنك المعيشة وفقر الحياة وزحمة الحياة الإجتماعية بمناسباتها الفارغة وعاداتها وتقاليدها المبالغة التي يتفاني فيها الجميع سذاجة وهباء تفقد أي حلم لتطوير ذاتها وتحقيقها ويصبح أقصي أحلامها في تربية أولادها وإن فكرت في نفسها فإن أقصي ماتصل إلية هو أن تجد وقت لتصفيف شعرها والحمدلله ، وتنتهي المسرحية بأن يصفق لها الجميع لأنها لم تتمرد ولم تخرب علي نفسها بيدها ، ربما أنهم لا يصفقون بل يعتبرونه طبيعي وفطري ومنطقي وواجب معهود !
إن أردتم أن نحيا حياة آدمية يشترك فيها الرجل والمرأة بآدمية في تحقيق مجتمع متحضر تسوده القيم الحضارية والمثل الأخلاقية العليا فابدأوا بذلك العنصر الثاني الذي يستغيث بداخله ويصرخ صرخات مكتومه ، وطريقه الوحيد للأسف في تغيير ثقافة الآباء الذين يستطيعون توجيه الدفة ! أو علي الأقل خلق أجيال جديدة تتلقي في المدارس والمنازل ثقافة منتعشة جديدة تقوم فيها المرأة بدور الإنسان ، وعندما تصل تلك النظرة الثقافية الجديدة في نفوس الأجيال حد التشبع والإدراك نستطيع حينها أن نري مجتمعاتنا بثياب التقدم الجديدة ونستطيع حينها نقد ولوم المرأة حين تقصر لأنها ستكون في موقف قوة وإختيار يستحق العقاب ، ونستطيع حينها أن نستمع لصوت ذلك الرجل الذي يفزعني كلما تذكرته يصيح بغوغائية كلماته التي في مقدمة المقال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نصيحة أحمد الخفاجي عن الزواج.. ويحدد الفنانة المرشحة للغناء


.. الكورة للبنات .. نيجار إسلام 15سنة لاعبة توت عنخ آمون الفائز




.. تفاعلكم | قضية اغتصاب الأطفال في لبنان تتصاعد.. أسماء وتفاصي


.. شرطة بريطانيا تستنجد بالمواطنين للعثور على امرأة حامل هربت م




.. -سنرفع من وتيرة نضالنا أمام الذهنية الأبوية-