الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نصائح للشباب : أقبل قبل المغادرة وتيقّظ قبل الفوات..!

محمد البورقادي

2016 / 3 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن هدف حياتنا وغايتنا على الأرض استثمار الوقت فيما ينفع بعد الممات ..وشغله بما ينجي يوم لا ينفع شيء ..وعدم تبذيره فيما ما لا يحل حتى وإن كان من المباح ..فالمباح يأخذ من الوقت وهو استهلاك لا إنتاج فيه ومشغل عن ما وجب الإتيان به ..ومن ثم وجب الإعتدال لا الإسراف والتكيس وأخذ لوازم البذر وأسباب الجد فيما ينتج غلاّ ينتفع به إلى الأبد ..فهذه الدنيا مزرعة يقطف فيها ما زرع بعد البعث والنشور ..وإعمار لدار الخلد وبناء لما فيها فمن بناها بخير طاب بانيها ومن بناها بشر خاب بانيها ..
فيا ليت علمي بعد الموت ما الدار ..الدار دار نعيم إذا عملت بما يرضي الإله وإن خالفت فالنار
هما محملان ما للمرء غيرهما... فانظر لنفسك أي الدار تختار
والكيس الفطن من ابتغى فيما أوتي الدار الآخرة ..وحرس على بذل الوسع في كسب الحسن من القول والعمل ..ولم يبارح ما سببه يسعد إلى الأبد إلى ما اكتسابه يشقي ...
وصبا إلى ما يدوم حلو ثمره ونئا عما بسببه تحل النقم ويُأَبِّد في الشقاء ..ولما كان ذلك كذلك وجب التدبر قبل الفعل وعدم التعجل ..فرب فعل قولا كان أو عملا خلف حزنا لا ينعم بعده الإنس أبدا ..ورب فعل آخر أعقب راحة لاحت بوادرها حين النزع ..فالصبر الصبر فيوم تبعث كأنما لبثت ساعة ..وتفكر في نفسك حين تقوم من النوم صباحا هل بقي من ذلك في حسك شقاء الأمس أو نعيمه !! فكذلك العمر في الدنيا يمرّ كان حلوا أو مرّا وطوبى لمن صبر وشكر وفكّر ..ولم يتمادى في القبيح فقد يتنامى حب القبيح في القلب فيغدو الأخير لا يسعى إلا إليه ..وقد تطمس الشهوة نور القلب إن لم يتداركها العقل بالإحجام ..
فالإنسان لا يزال يقترف الذنوب تلو الذنوب مستهينا بحلم الله وستره غافلا عن غضبه ونقمته إلى أن يُران على قلبه بما كان يكسب ..ويُختم عليه بختم يَحجب عنه نفحات الرحمان ..فإن صار ذلك لعظم غفلته زُيّن له سوء عمله فرآه حسنا ولا يعود يجد دواء لنفسه إلا فيما لا يحلُّ ولا يعود يرى إلا بعين الشيطان ..وهذا هو الإستدراج بعينه .. وتلك هي الفتنة فلا تغفل عن المعنى ..ولا تتجاهل القصد فرب سارة ضارة ..ورب ضارة نافعة ..
فالإنسان إذا نسي ما ذكر به فتحت له أبواب الشر حَسِبها خيرا بعماه ..وأغلقت عنه أبواب الخير ظنها شرا لغفلته ..فقدم إلى الخوض والسعي والنهل من المنبع العكر وهو ساه عن عواقبه ..وحسب ذلك مسارعة في الخير وهو إملاء من من لم يُقدر حق قدره ليزيده إثما فيشقى بضلاله في الأولى والأخرى ..فلا يغررك تقلبك في النعيم قبل أن تدرك عواقبه ولا تسرف في الطغيان وتكثر من الغفلة فإنها تميت القلوب فتقبر صاحبها في بحور الشهوات غير قادر على الإنتصار ..فيا قابعا في الأعماق ما أعماك ..وأنت الجاني لما اقترفته يداك ..
وأعقل الناس من لم يرتكب سببا.. حتى يفكر ما تجني عواقبه..
ولا تمضي سبيلا قبل أن تهتدي آخره ولا تسابق من كان يسبح في الظلَم ..ولا يغريك يُسْر المضيّ فاليسير يودي إلى الحفر .. وناقض الطبع وارتق الصعد فإن العلا أحق بالظفر ..فلا تفرط في نور الهدى تتحسر عليه بلا انقطاع ..ولا تذهب مع الذاهبين فأكثرهم لا يدري أين منتهى المسير ..ولا تكثرت للغافلين وأعرض عن الجاهلين فإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ..واعلم أن أكثر الناس لا يفقهون ..ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ..ولا تضحك ضحكا هاهنا تبكي عليه دما هناك ..ولا تبذر دخرا تندم عليه وتقترف من السيء تحسبه حسنا ..ولا تأمل في إتباع السيء حسنا فلربما هجم اليقين وأنت في لعب ..ولربما ختم على القلب قبل التدارك فمن يأمن مكر الله غير الخاسرين ! ولا تنوي تسويف التوبة فمن يضمن لك تحقيق شروطها إن بلغت ما بلغت واستطابت نفسك لما اكتسبت وعاشت عليه ..ولا تحسبن الله غافرٌ ذنبك حتما فهو يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ..فتدارك قبل أن تبلغ الروح التراقي وتيقظ من سبات الغفلة فقد تهوي بك إلى قرار سحيق تعجز عن الصعود منه لموت قلبك وانطفاء نوره ...
فكم من صحيح مات من غير علة ...وكم من سقيم عاش حينا من الدهر
وكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكا .... وأكفانه في الغيب تنسج وهو لا يدري
وكم من صغار يرتجى طول عمرهم ... وقد أدخلت أجسامهم ظلمة القبر
وكم من عروس زينوها لزوجها... وقد قبضت أرواحهم ليلة القدر
فمن سار على الدرب وصل ..ومن اتبع السبل تفرقت به وصعب بلوغه ..واللبيب من عرف قصر العمر وقدر الأجر إن عمل ما يرضي الإله ..وقدر الغبن إن اتبع هواه ..فنهج أقصر الطرق وبالغ في الجميل من الصنيع وترك ما يصدف به عن الحق ويبعده عن الخير الجزيل ويوجب غضب الجبار وسخطه..
فبادر في إتقان العمل وأخلص فيه وتحّر أجوده وأقربه لرفع الدرجات وأحبه إلى الله ...وأدم عليه وإن كان قليلا ولا تكثر على نفسك تضجر وتمل فتترك الكل قليله وكثيره ..وتيقن أن قدر الثواب هناك على قدر العمل هاهنا فجاهد نفسك على الإتيان بالأجمل وزكها من قبيح الخواطر فالخاطرة تغدو فكرة ..والفكرة تغدو فعلا تزكيه العزيمة والإرادة ويزينه الشيطان فتراه حسنا ..فلا تأبه لوسواس يأزّك وجاهده بالإستغفار وتوكل على المعين في صرفه فليس له عليك سلطان إلا بإذنه ..ولا تنظر لحقارة الفعل ولكن انظر لعظمة من عصيت ولانتقام من فرطت في جنبه فلربما سقطت من عينيه فطالتك لعنته وخرجت من رحمته.. فعشت في غربة ووحشة لن تجد لرفعها عنك من دونه سبيلا ..ولا تستنكف عن عبادته ولا تستكبر ..وعوّد نفسك اللجوء إليه في السراء والضراء ..في الرخاء والشدة فإليه الملجأ وحده ..وأعمر قلبك بذكره فهو من يستحق الذكر وحده ..ولا تطع نفسك فيم تحب وهو لا يحب ولا تطلب رضى غيره بسخطه ..ولا تأثر على حبه ورضاه أحدا ..وكن على الدوام قريبا دانيا منه بعيدا من هوى نفسك فهو الحنين الكريم وهو العزيز ..فمن ابتغى العزة فلله جميعا ..واعلم أن الأمر كله له فإن عملت على رضاه كفيت وإن استنكفت عنه إلى غيره خذلت وطالت حسرتك ..واتقه حيثما كنت فتقواه ترفعك وخشيته تسعدك وقربه يأنسك واخلُ به ليلا ونهارا ..فإن اشتقته انظره في مخلوقاته وتفكر في عظمة تدبيره وفي دقة كونه فلو تفكرت في بديع صنعه خاشعاً لحضةً لطاش عقلك من فرط الذهول ..ولرفرف قلبك شوقا إليه ..ولتجمدت أركانك وأنت حيٌّ ..ولسقط ماء وجهك خجلا واستحياء من كرمه وجوده ونعمه وعظمته وجلاله ..ولسكرت حتى الثملان وأنت صاح ..ولغبت في حضورك ...ولسحرت من عبق أريج النفحات ...ولسرحت في عوالم لا تعرفها ..ولسكنَت آلامك ..ونسيت آلامك وخرجت من دنياك ...ولأسْري بك وأُعرج بك وأنت في أسفل السافلين..ولما شبعت من تلك اللحضات التي لا يعرفها إلا الخاصة ولا يبلغها إلا آحاد ولا يصلها إلا أفراد..
فإن دخلت حضرته وسمح لك بذلك لحسنى كانت قد سبقت لك منه ..فقد شربت من نهر العسل ..ووجدت معنى الحياة ..وطابت سريرتك ..وشعّ نورك ..وتألق وهجك لزيادة القرب من النبع ..وصفا عطرك بعد كدر ..فاحرص على شحن نفسك حتى الإمتلاء ..وغذها من تلك الغداء بقدَر يعينها على البقاء مرتفعة والتقرب أكثر للظفر والفوز ..ويغنيها عن التشاغل بالدنيّ عن العالي ..وعن الفاني على الباقي ..وعن الدنس على الطاهر الصافي ..وعن الفتن المظلة والشهوات الخانقة ..فإن علمت نفسك ذلك زادت مناعتها وأنِفت من اللعب وتعالت عن الهبوط للقيعان والمهاوي صُعْداً إلى الأعالي والمراقي ..وكلما قويت مناعتها حادت بها عن الغفلة وحصنتها ضد السقوط في الوحل والتمرغ في الوحل والجري وراء الوحل واللعب بالوحل ..كالصغير والمجنون لا إدراك لهم غير بدل جهد بلا غاء ولا مرمى..
ثم اطلب السلامة بالعلم اليقين وعلّق قلبك دائما وأبدا بالجميل الكريم القادر المقتدر ..وارج من لا يُرجى إلا سواه وابتغ في قربه كل الوسائل وادخر له كل المؤن ...واعلم أنه حاضر أبدا وكل من سواه وما سواه غيب يدلّ عليه ..وأنه هو وليس إلا هو ..هو وحده وليس من غيره غير ..وكلّ له وإليه وبه ومنه ..هو الأول الذي ليس قبله شيء وهو الآخر الذي ليس بعده شيء ..فمن كان معه أغناه وكفاه ونجاه وأعزه ..ومن كان مع غيره خسر وبار كمن ابتغى الإمساك بالدخان والشرب من يد مبسوطة وكمن لحق السراب خاله جنة وسط البيداء ..فافقه عني يا أخي وارتج التابث الحق الحقيق تُصِب وتفلح ولا تأخذ ضغتا من الثلج يزول أثره إثر الذوبان..










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة تخلف 20 مليون طن من الركام وخسائرها 30 مليار دولار


.. تضم آلاف الكتب القديمة.. فلسطيني يناشد العالم لإخراج مكتبته




.. بسبب حرب غزة.. استقالة متحدثة باسم الخارجية الأميركية


.. استمرار محاكمة ترمب بتهمة تزوير سجلات تجارية




.. بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به