الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشعور الديني بين الإغتراب و الإنسجام

هيثم بن محمد شطورو

2016 / 3 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


"انظر إلى السماء كيف بناها بلا عمد ترونها". فالتركيـبة اللغوية تـقـنع الصحراوي في القرن السابع ميلادي. انها تـفيد كذلك ان بناء السماء باعمدة لا نراها. لو تمت صياغة الآية على هذا النحو هل كانت ستجد صدى في حينه؟ ألا تحيل الى اعتبارها كونها خرافة برغم إيمانهم بالعفاريت و التطير و غير ذلك من الخرافات بمقاس التـفكير الإنساني اليوم؟ اليوم مثلا تـقبل الصياغة أو التركيب الثاني الذي يدل على نـفس المعنى، و لكن ذلك بفضل علم الفلك الحديث الذي توصل إلى نتائجه بفضل التجربة و الملاحظة و الحسابات الرياضية الحديثة و طريقة التـفكير المنطقية في العالم.
فانك هنا تـدخل نـفـسك إلى داخل النص القرآني و هذا الأمر لا يكون طبعا بالحفظ و التلاوة و الإقرار المبدئي بعـدم علاقته بملكة الفهم الإنسانية المتغيرة، و إنما بمبدئية التـفكير بكل ما تعـنيه هذه الكلمة من اتساع مجال المعرفة العـلمية و الفلسفية.
انك و لابد ان تجد نـفـسك في محيط من العـذوبة لأنـك في نـفس الوقت في حضرة أقـرب نص إلى الله في التاريخ. المهم في كونك كذلك ان لا تـشيع ذاتك عن فهمك و إنما ان تـشيع مدركاتك إلى مجالات أخرى من الإدراك تـنبني تباعا حسب مدى تملكك للغة العربية و جملة من آخر المعارف العلمية و حسب تسلحك بالمنطق الجدلي الهيغلي أساسا. الجدل الذي يأخذك من النهائي إلى الانهائي ليرميك في قلب المتعين المنتهي بمجرد تعينه. التعين في النص تاريخيا بقدر ما ينهي نـفـسه بقدر ما يـؤبدها.
و مآل التأويلات النـفعية السياسية و الاقـتصادية و الاجتماعية للأفكار العـظيمة هو الموت بمجرد مباشرة تعينها، أما التأويلات الجمالية و المعرفية فإنها تـنـزلق من بين ثنايا المتـناهي لتعانق الأبدية التي بدورها ليست أبدية إلا بوجود الزائل. فالوجود رقصة رهيـبة بين المتـناقضات.
و لك ان تـشغل نفسك قليلا بهذه الآية الهيغلية القائلة:
"لا حرج على الدين ان يكون منطويا على بعض العناصر التاريخية العرضية، و إنما المهم ان توضع هذه العناصر في موضعها الصحيح بحيث تخـدم الشعور الديني، بدلا من ان تسيء إليه".
فجوهر الدين هو بث الشعور الديني في النـفـس. هذا الشعور في نهاية الأمر هو ما يحـقـق ارتباط الإنسان المائت بالمطلق الحي الـقيوم الذي لا تأخذه سنة و لا نوم، أي الواحد الأحد الذي لا يموت. و طبعا فهو أساس متين لكل بناء إنساني أخلاقي و كل بناء حضاري متوازن. لكن لأجل الاتجاه في سبـيل الهداية أو النـزاهة الـذاتية في هذا العصر يجب إخراج العرضي التاريخي الذي لا يخـدم الشعور الديني. فالقوة و البأس في القتال و مفهوم القتال في القرن السابع ميلادي تعني حياة و ركنا أساسيا في الحياة. و بالتالي لم يكن متصورا ان يتـسرب المطلق إلى العقول أو الافهام خارج منطوق القـتل و القـتال. لذلك فان "اقتلوا المشركين مثلا" هي لا تعني طبعا جميع المشركين و لكنها تعني بالنسبة لهم تمازج النص مع رؤيتهم لإثبات الوجود عن طريق القـتل و القـتال. أما اليوم فان القـتل لا يكون مستساغا إلا إذا أخذناه في معناه المجازي أو الرمزي. أي اقـتلوا فكرة الإشراك باللاه عن طريق المعرفة و المنطق و العلم و ليس بحد السيف. فـنـفس المتـن القرآني يصل التاريخي العرضي بالجوهري الانساني الممتد عبر التاريخ. فألم يقل ربك في سورة النحل في الآية 125:" ادع الى سبـيل ربك بالحكمة".
من ذلك كذلك ان العـرضي في مخاطبة نساء الرسول حينها لا علاقة له اليوم بنـفس الأشكال العينية، و إنما هو عصر تملك المرأة لزمام أمرها من لباس و غيرها من الأمور التي لا يمكن فرضها من قبل ثـقـافة ذكورية و إنما هو أمر موديلات اللباس و في الأخير هو أمر اختيارها الحر لملابسها، ثم ان الواقع الفعلي هو تـزين فتيات المدارس فما بالك بالمشتغلات في الفضاء العام المكتظ بالنساء. المرأة لم تعـد ملحقا بالرجل.
و أمر إزاحة العرضي التاريخي الذي أصبح مضاد للشعور الديني هو ضروري لأجل التوازن النفـسي الذي يقوم على الشعور الديني السليم. فيجب الخروج من معادلة نفي نـفـسك عن الحاضر و المستـقبل لـتـتعلق بالعرضي فترى القـتل قـتلا فعـليا، إلى التماهي و الاندماج مع العصر الذي لا يتـقبل إلا القـتل الرمزي و لكن القتل الرمزي للخرافة أو التـفكير الخرافي، و في عصرنا هذا أصبح الشرك بالاه خرافة، و ما موقع آلهة اليونان أو البابليـين أو عبادة الشمس عند الفراعنة إلا موقع الحنين إلى الوعي الطفولي الإنساني الذي جسد نـفـسه جماليا و حضاريا.
و انه من دواعي التـفكير ما يشهده العالم العربي من تمزق و قـتل و داعـشية رهيـبة. لكن كذلك ما سيتمخض عنه هذا الواقع من إمكانات عـودة العـربي إلى صناعة التاريخ أو المشاركة في صناعته. هذا العربي له نص محوري هو النص القرآني. النص الذي حوله البعض الى عامل ارتكاس و خيبة و جهل، هو نـفـسه حمال ليـقـظة جـديدة و وعي جـديد تـقـدمي حضاري متـفـق مع متـطلبات الشعـور الديني الخلاق المنسجم مع نـفـسه و مع العـصر..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قرارات بتطبيق القانون الإسرائيلي على مناطق تديرها السلطة الف


.. الرباط وبرلين.. مرحلة جديدة من التعاون؟ | المسائية




.. الانتخابات التشريعية.. هل فرنسا على موعد مع التاريخ ؟ • فران


.. بعد 9 أشهر من الحرب.. الجيش الإسرائيلي يعلن عن خطة إدارة غزة




.. إهانات وشتائم.. 90 دقيقة شرسة بين بايدن وترامب! | #منصات