الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعليم في عالمنا العربي .. الرهان المتعثر

مصطفى المغراوي

2016 / 3 / 23
التربية والتعليم والبحث العلمي


إن المتأمل لعالم اليوم يلحظ بشكل جلي التسارع المهول والتغيرات الجوهرية في الجوانب المختلفة لحياة المجتمعات، سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، ولمسايرة هذا الركب بدأت بعض الدول التركيز على إصلاح الأنظمة التعليمية، لكونها تمثل جانبا كبيرا من مشكلات التنمية، باعتبارها المدخل الرئيس لتربية النشء وتكوين المهارات وشحذ الطاقات، لمواجهة التحديات الآنية والمستقبلية .
في عصرنا الراهن الغارق في خضم تعقيدات مثيرة، ومعارف متزايدة بشكل مطرد، لم تبق وظيفة التربية والتعليم مقتصرة على سد حاجات الفرد الاجتماعية والمعرفية، والتي تتوافق مع ثقافة الحد الأدنى. وإنما تتعدى ذلك إلى اكتساب الكافايات اللازمة التي تمكن من الاندماج في الصيرورة العامة التي يشهدها المجتمع، من خلال الجمع والدمج بين ثقافة الذاكرة وثقافة الإبداع معا.
فهذه التحولات العميقة وغيرها جعلت الديمقراطية مطلبا أساسيا مركزيا ، قبل أن تكون آلية لتدبير أنظمة الحكم، ولا يمكن بلوغ هذا الحد من التفكير، إلا بتكوين مواطن منفتح، منسجم مع محيطه، مؤمن بقيم التعايش والاختلاف، مقتنع بالأبعاد الحقيقية للتعددية على اختلاف صورها، مهتم بالحوار والدفاع عن قناعات شخصية بوسائل سلمية، لذا فمن نافلة القول برفع الحيف الممنهج والممارس على فئة المتعلمين في جميع الأصقاع العربية.
في عالمنا العربي لازال النظر إلى التربية والتعليم بشكل جدي محتشما وخجولا، رغم المعرفة الكلية بالأدوار المهمة التي غيرت جزءا كبيرا من حياة المجتمعات الراغبة في معانقة غد مشرق، يوفر مزيدا من الرخاء للأفراد والجماعات حاضرا ومستقبلا.
فلازلنا نجد محدودية الدعم المادي المخصص للمؤسسات التعليمية. ولازلنا كذلك نفتقد إلى الترشيد والتوجيه وتعبئة المصادر الحكومية، كما لا نستطيع استحداث مصادر تمويلية جديدة، وعلاوة على ذلك لم تسع الدول العربية لتحقيق المزيد من الاستثمار الفعال للتكنولوجيا الحديثة، واستغلال النتائج الايجابية للأبحاث العلمية، دون نسيان عدم ربط ما يدور في نظم التعليم بالعمليات الإنتاجية في القطاعات المختلفة، لذلك تبقى المجتمعات العربية بمنأى عن الاهتمام بإِعداد المواطن لما ينتظره من أدوار ومسؤوليات.
إن الانتقال من الوضع القائم إلى الوضع القادم، عن طريق بناء مشروع نهضة متكامل، يقتضي تفكيرا نسقيا تخطيطيا شموليا في برامج التربية والتعليم ، يشمل كل المراحل وكافة المستويات، مع مراعاة التطوير المستمر لهذه المنظومة ، في سياق منظور استراتيجي يأخذ بعين الاعتبار حركية التاريخ وما يحدث فيها من تحولات متسارعة، فالمؤسسة التعليمية بهذا أصبحت تواجه تحديا يتميز بازدواجية خاصة، فبالإضافة إلى دورها التقليدي المتمثل في التدريس وتلقين المعارف، نجدها مطالبة أيضا بخلق متعلم مبدع، متحمس لخلق نهضة تنموية في مجال تخَصّصِه، له قدرة معقولة على الاستيعاب الشامل للتحولات الكونية، بشكل يجعله أكثر قابلية للانخراط فيها انخراطا ايجابيا، يخدم عامة خصوصيته الثقافية والسوسيواقتصادية.
فلا يختلف عاقلان حول افتعال مقصود لأزمة التعليم في وطننا العربي، وذلك واضح للعيان بشكل جلي لا غبار عليه، لان الذين وضعوا الأصبع على هذه الأزمة وقاموا بتشخيصها، لم يبادروا إلى معالجة جوانبها المختلة.
والمدقق في الأمر يكتشف أن هؤلاء لا يحبذون إصلاحا جوهريا جذريا، ينضاف إليهم أولئك الذين لا يريدون إطلاق العنان للإبداع والعقلانية، بل يرفعون شعار التجهيل وتسييس التعليم، خدمة لأطروحاتهم الرامية إلى إخضاع المتعلم خاصة والمجتمع عامة لإيديولوجية مزدوجة. الأولى تربطه بموروثاته القديمة دون تطويرها لمواكبة الظروف الجديدة التي يخضع لها العالم، وثانيا لتجعله غير قادر على التحليق في أجواء التفكير الصحيح، الذي قد يقلب الأوضاع السياسية والاجتماعية لصالح فئة مُعيّنَة ومَعْنية.
وأخيرا لابد من الاعتراف بان الذين يراهنون على النهوض بهذا القطاع، يحتكمون إلى معايير مسبقة في أذهانهم، ولا يستطيعون رؤية الحقيقة وإدراكها كليا، بل يجنحون إلى اتخاذ قرارات موقوتة مليئة بالعشوائية والتعسف، الأمر الذي أدى إلى طمس رواء كل محاولة جدية قائمة على أسس متينة لبلورة الخلل وكشف تداعياته.
وقصارى القول في هذا الفهم انه يلزم إطلاق العنان لسريان نسْغ جديد في هيكل التعليم بوطننا العربي بواقعية اكبر، تؤسس لهزة كبرى صارخة، في ظل هذا المناخ الملغوم، وفي خضم هذا المجتمع الذي يتحرك ظاهرا على إيقاع الكمبيوتر وباطنا على إيقاع الساعة الرملية.
فلمواجهة هذه الأزمة ورفع الالتباس عليها، نأمل أن تتلاقح تيارات مختلفة، منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي، تأسيسا لغد أفضل وأكثر إشراقا، لانقاد حاضرنا ومستقبلنا، فالجسم العربي سقيم عليل والنفس مكلومة مكسورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حرب غزة..احتجاجات جامعات أميركية | #غرفة_الأخبار


.. مساعدات بمليار يورو.. هل تدفع أوروبا لتوطين السوريين في لبنا




.. طيران الاحتلال يقصف عددا من المنازل في رفح بقطاع غزة


.. مشاهد لفض الشرطة الأمريكية اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة و




.. جامعة فوردهام تعلق دراسة طلاب مؤيدين لفلسطين في أمريكا