الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد الشافعي (6 / 29): دعوى شمول الشريعة الجزء 4

انور سلطان

2016 / 3 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


نقد الشافعي (6 / 29): دعوى شمول الشريعة الجزء 4

الحكم بالعدل والحكم بما انزل الله

عندما تحاكم اليهود إلى الرسول في مسألة بينهم، وكان عندهم في المسألة حكم في التوراة، أمرالقران الرسول بالحكم بينهم بما أنزل الله في التوراة، لأنه حكم الله كما وصفه القران. وهذه القصة تناولها القران من الآية 42 إلى الآية 50 من سورة المائدة.

أكدت الآية (42) على المبدأ العام, وهو الحكم بالعدل.
(سماعون للكذب أكالون للسحت فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تُعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت بينهم فاحكم بالقسط إن الله يحب المقسطين) (المائدة: 42).

هذه الآية تُخيِّر النبي بين أن يحكم بينهم أو يعرض عنهم، وإن حكم فليحكم بالعدل. وهو توجيه عام للرسول في كل مسألة يتم إرجاعها للرسول. وهذه الآية تعكس الواقع السياسي للمجتمع في عهد الرسالة، وهو مجتمع ما قبل الدولة، وليس مجتمع دولة. لأنه لو كان الرسول على رأس دولة لما استطاع رعاياها التحاكم إلى غيرها.

والآية التالية تخبر الرسول أن في المسألة التي يتحاكمون فيها حكم في التوراة، وتصفه أنه حكم الله، وتستغرب كيف يتركون حكم الله ويتولون عنه (كيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين) (المائدة: 43).

والآيات من 44 إلى 47 تصف التوراة والإنجيل بأن فيهما هدى ونور، وتبين بعض الأحكام التي نزلت في التوراة، وتأمر أهل التوراة والإنجيل بالحكم بما فيهما، وتصف أن من لم يحكم منهم بما أنزل الله بالكفر والظلم والفسق.

(إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون. كتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون. وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين ليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فاولئك هم الفاسقون) (المائدة: 44 - 47).

وبقية الآيات تخبر الرسول أن القران مصدق للكتب التي قبله، أي أن ما جاء فيها من أحكام، مالم تنسخ، هي أحكام الله، وتأمر الرسول بالحكم بها، وتحذره أن يفتنوه بالكذب عليه عما أنزل الله إليه. والآية الأخيرة تنكر عليهم كيف يبغون حكم الجاهلية عندما لم يرتضوا أن يحكم الرسول بينهم بحكم الله الذي في كتابهم، وتولوا عنه وذهبوا يتحاكمون إلى المشركين.

(وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن لبيلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى مرجعكم جيمعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون. وان احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون. افحكم الجاهلية يبغون ومن احسن من الله حكما لقوم يوقنون) (المائدة: 48 – 50).

الأمر بالحكم بما أنزل الله جاء فقط في هذه الآيات التي تناولت قصة اليهود مع الرسول، وشدد القران هنا على الحكم بما أنزل الله لأن اليهود جاؤوا إلى الرسول هروبا من حكم الله في التوراة.

ومن هذه الآيات جميعا, التي تمثل نصا واحدا، يتبين أن الأصل هو إتباع المبدأ العام وهو الحكم بالعدل، فإن نزل في المسألة حكم فيجب الحكم به. وكان هذا ما يفعله الرسول، فإن كان في الكتاب حكم وإلا صدر الرسول عن عقله وحكمته واجتهد عند القضاء في معرفة وجه العدل في المسألة (والاجتهاد هنا اجتهاد بشري دنيوي)، وكذلك في التشريع، فإن احتاجت مسألة تشريعا، وضع تشريعا يحقق العدل والمصلحة، وفق الظروف القائمة، وهذه هي سنته، ليست أحكاما جاهزة لكل زمان ومكان، بل إتباع العدل والتزامه في قضائه وتشريعه.

وهذا ما عكسه حديث معاذ الذي بعثه النبي إلى اليمن داعيا ومعلما -وليس قاضيا- ولأنه قد يعرض له قضاء استوثق منه الرسول كيف يحكم. ومن الطبيعي أن يلتزم معاذ بما شرعه الرسول، لأن الرسول في حياته مصدر التشريع، والتشريع، يجب أن يكون واحدا، وإلا تعددت الشرائع. فإن لم يوجد تشريع اجتهد في معرفة وجه العدل والصواب في المسألة التي يقضي فيها.

والذي يمكن أن نخلص به من هذا، أن الإسلام شامل بمبادئه لا بأحكامه التفصيلية. ولو كان لله في كل مسألة حكم بالنص أو بالاجتهاد، أي بدلالة النص أو بدلالة العلامات (علامة العلة والشبه)، لأمر القران فقط بالحكم بما أنزل الله، ولحصر الحكم في الحكم بما أنزل الله، ولما كان للأمر بالحكم بالعدل أي معنى. كما أن القران قد جعل القاعدة هي الحكم بالعدل في مكة قبل أن ينزل أي حكم دنيوي يمكن أن يقاس عليه, (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) (النحل: 89), وسورة النحل مكية.
تبين من هذا أن مقولة أن لله حكم بعينه في كل مسألة، إما منصوص عليه أو غير منصوص، وأنه يجب معرفته إن غاب النص بالاجتهاد (قياسا أو غير قياس)، تبين أنها محض إدعاء لا دليل عليه سوى استشهاد بالآيات في غير موضعها، أو بتحكم في المعنى كما هو في معنى البيان.















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية


.. الخلود بين الدين والعلم




.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل


.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي




.. - الطلاب يحاصرونني ويهددونني-..أميركية من أصول يهودية تتصل ب