الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في الثقافة والدنيوية

خضر محجز

2016 / 3 / 26
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في الثقافة والدنيوية

لا توجد ثقافة خارج العلمانية. كل ثقافة هي علمانية بالضرورة، وعلى المتدينين الجدد أن يستبعدوا من عالمهم كل المثقفين. وقد فعلوا.

وإذا كانت العلمانية ــ كما هو معروف تاريخياً ــ هي استخلاص حكم العالم من قبضة رجال الدين، فلقد يمكن لنا إيضاح أن العلمانية هي الدنيوية، مقابل الأخروية. ولا يمكن تصور وجود الدولة المدنية، دولة مواطنيها المختلفين، خارج العلمانية. ولست الآن بصدد مناقشة الشعار المضحك حول كفر العلمانية، فهو مصطلح أنتجه الإخوان المسلمون ليحكموا من ورائه العالم الإسلامي. وإلا فلا شك عندي أن أول علماني في الدولة العربية كان معاوية.

إن الثقافة فعل دنيوي بامتياز. لا يوجد شيء اسمه مثقف ديني. لماذا؟ لأن الثقافة من صناعة الواقع. الثقافة رد على كل الأسئلة المستحيل طرحها، والأسئلة الممكن طرحها، وانحياز إلى الدنيوي من الإجابات. ولنضرب مثالاً بسؤال لواقعنا الحاضر. سنسأل دكتوراً متخصصاً في تدريس الإسلام عن الأسلوب الأمثل للحل في فلسطين. أتوقع أن إجابته ستستعرض التاريخ، وتختار منه ــ ولا أقول: تستخلص ــ إجابة منبثقة من واقع قديم. هذا ليس مثقفاً، لأنه ينبعث في رؤياه للحاضر من ماض له حكمه المختلف.

يمكن القول إن المتعلمين المتدينين في الغالب هم ــ للأسف ــ ضحية استظهار معلومات لم تعد مناسبة. إنهم يفكرون بطريقة للحل تستجيب لشروط زمن عمر، فإن لم يكن ذلك، فلزمن صلاح الدين، رغم أن كلا الحكمين مختلف عن الآخر.

أما المثقف فصناعة الواقع التاريخي. وبالطبع فإن ذلك لا يعني الانسلاخ عن الماضي، بل فهمه بطريقة تاريخية، أي فهمه متعلقاً بزمنه. الثقافة هنا فعل الدنيا، فعل الزمن، فعل المؤثرات الضرورية من علاقات القوة. لقد كنت أنا ــ لا أحد غيري ــ هو من صاغ معنى التاريخية وعبر عنها بقوله: "إن التاريخ هو فعل الناس في الدنيا بشروط الدنيا".

يحسن المتعلمون المتدينون الهروب، لأنهم لا يستطيعون تقديم إجابة مقنعة على السؤال. هل يمكن لهم مثلاً أن يوافقوا على حل يتضمن بقاء إسرائيل؟ إنهم لا يستطيعون، ولذا فإن إسرائيل هي أكثر الدول سعادة بهذه المسودة اللاأدرية، إذ تقوم بتظهيرها كصورة ملونة لخطة طويلة المدى لإزالة إسرائيل، وإعادة تشريد اليهود في العالم.

لقد أضحكني حتى الثمالة، مشروع إنشاء رابطة للكتاب في غزة، لأنه مشروع تقوم عليه حماس، في مقابل مشروع منظمة التحرير المسمى (اتحاد الكتاب الفلسطينيين). لماذا يضحكني هذا المشروع الحمساوي؟ لأنه يعني أن يجتمع عدد من الناس ــ يقترحون على أنفسهم أنهم شعراء أو روائيون ــ ثم لا يستطيعون التغزل بجمال عيون النساء وأجسادهن، ولا استخدام الأساطير الإغريقية، ولا تخيل قيام علاقة روائية بين عاشقين غير متزوجين، ولا استخدام رمز المسيح الذي يحمل صليبه، ولا إقامة حوار روائي بين ملحد يشتم الذات الإلهية ومتدين يسبح بحمدها، ولا تأمل تمثال فينوس، ولا الوقوف أمام عيني الجيوكندا، ولا مشاهدة أفلام يسرا وعادل إمام، ولا الاستشهاد بفرويد ونيتشه... إلخ إلخ إلخ... فأي كتابة أدبية ستكون كتابات هؤلاء؟

إن الثقافة هي فعل اختيار بشري، أما تدين المتعلمين المعممين، ففعل جبروتي يقهر الناس على رؤية محددة تصادر حكمة الله في الاختلاف.

لقد أدرك صانع السياسة الحمساوي كل ما قلته ــ وإن يكن على نحو غامض يشبه فهم الأطفال لعلاقة الله بالعالم ــ فاختاروا أن تكون أول وزارة يتخلون عنها، في أول حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات، هي وزارة الثقافة.

لقد أدركوا أن الثقافة ليست سوقهم، رغم كل ما حاوله بعض من يقترحون على أنفسهم أنهم مثقفون منهم.

أقول إن صانع السياسة الحمساوي قد أدرك ذلك بطريقة غامضة، كما لو كانت آتية من حلم ليلي، لأفسر الطريقة التي يعون بها حركة الواقع. لقد كانت الثقافة صدمتهم، التي كان بمقدورها أن تعيد إليهم الوعي، لو أنهم تخلوا عن أحلامهم الشخصية الخاصة.
لقد كان بإمكانهم أن يروا الواقع مماثلاً، أو أن يتبددوا كما يتبدد كل كابوس بانبثاق الصباح. وغنه لكابوس بالفعل، أن يخرج زير أمام العالم، وبين يديه مرافقون يحملون له الحذاء، ليضعوها في قدميه المقدستين، في بدايات الألفية الثالثة.

ترى ألو سألنا هذا الوزير إن كان يرى نفسه مثقفاً، ماذا ستكون إجابته؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس


.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت


.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا




.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية