الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحلاج.. مأساة عاشق؟!!

منير ابراهيم تايه

2016 / 3 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


1116 عاما مرت على معاناة الحلاج.. انها ليست مطالعة تاريخية، إنها قراءة في الواقع، هل كان صلب الحلاج يوم اسود في التاريخ وهل كان قرار الخليفة العباسي بقتل الحلاج صائبا؟ لم يختلف الناس فى آرائهم حول رجل كاختلافهم عليه...عشاقه يعتبرون انه بلغ درجة لم يبلغها غيره فى مدارج العرفان...أدرك الحقيقة فكان الحقيقة...وأعداؤه أقروا بجنونه وألصقوا به صفة الدجال الذى يستهوى العامة بحديثه وأشعاره.
قال عنه فريد الدين العطار: بأية حماسة فيضية وحمية وجدانية قامر هذا العاشق برأسه ودفعه مهرا لمعتقده كيما يظفر بجوهرة الجمال الإلهي...
وعنه أيضا قال طه عبد الباقي: ..منذ أكثر من ألف عام تركز سمع الدنيا وبصرها على الخاتمة الفاجعة لأعجب صراع شهده تاريخ الفكر الاسلامي.. انه اشهر المتصوفة في العالم الاسلامي، رجل تناسته الأيام حتى كاد أن يكون أسطورة يتناقلها المتهامسون باطنا أو ظاهرا.. شخصية مثيرة للجدل أحرقت كتبه... وحتى جسده ونثر الرماد في نهر دجلة وكل ما كتب عنه يظهر أنه كان زنديق كافر فهل كان فعلا كما قالوا!!!؟
يقول ابن كثير : هو الحسين بن منصور بن محمى الحلاج أبو مغيث ويقال أبو عبد الله ، كان جده مجوسيا من أهل فارس من بلدة البيضاء .
ويقول المستشرق "ماسنيون" أن البقعة التي ولد فيها كانت من أعظم مناطق النسيج في الامبراطورية الاسلامية .وان والده كان من عمال النسيج ولهذا سمي حلاجا.. وهو على ما يبدو استنتاج فكري..
ويقول ابن خلكان في وفيات الأعيان انه ساعد رجل من واسط ... "قطان" في حلج قطنه وعندما عاد الرجل وجد أن كل قطنه محلوجا وكان 24 ألف رطل !!!ذهل الرجل ... وأطلق اسم الحلاج على الحسين بن منصور ولازمته هذه الكنية طوال حياته .. لكنه أضاف رواية أخرى تقول أن أهل الأهواز أطلقوا عليه هذه التسمية لأنه كان يكاشفهم بما في قلوبهم فسموه "حلاج الأسرار"، لفت الأنظار اليه منذ طفولته بذكائه وشفافية روحه وتفتح قلبه وحبه للعلم والمعرفة، حفظ القرآن الكريم وهو في العاشرة من عمره وتعمق في فهم معانيه ... تعمقا ليس من طبيعة الطفولة الغضة ، عرف بكثرة الصلاة والتأمل والارادة القوية.
قصد العراق لطلب العلم من مشايخها، تتلمذ على يد كبار المشايخ الصوفية أمثال الجنيد بن محمد وعمر بن عثمان المكي، وقام بعدها بالحج ومجاورة الحرم المكي سنة كاملة، روي عنه أنه كان يجلس بالساعات متأملا على سفح جبل أبو قبيس دونما غطاء أو ملاذ من حر الشمس أو برد الصحراء، كما قام بالطواف في خراسان والأهواز والهند وتركستان يبشر بطريقته الصوفية.
وقد أثارت تلك التصرفات المغالية في التصوف انتباه واستغراب كبار مشايخ الصوفية فيحكى أن شيخ الصوفية بمكة المكرمة عبد الله المغربي مضى ليزور الحجاج فوجده على سفح جبل أبو قبيس على صخرة حافيا مكشوف الرأي والعرق يجري منه إلى الأرض، فعاد ولم يكلمه وقال: "هذا يتصبر ويتقوى على قضاء الله، سوف يبتليه الله بما يعجز عنه صبره وقدرته". جذب اليه تصوفه اهتمام العامة والخاصة الذين تقاطروا إليه ليتعرفوا إلى مذهبه وطريقته، كان يؤمن بأن الدلائل على وجود الذات الإلهية متوزعة في كافة تفاصيل الحياة الصغيرة والكبيرة، وإن معرفة الله إنما تمر عبر معرفة النفس، فعندما يدرك الإنسان حقيقة نفسه يدرك حقيقة الله..
سلك الحلاج في التصوف مسلكا وعرا اذ القى بنفسه في غمار الحضرة الالهية، غير هياب مما سيؤول اليه حاله، وحيث ان البيئة النفسية والثقافية والتطور العقلي للبشرية في ذلك الزمان لم تكن مستعدة لتقبل تلك الأفكار الفلسفية، فتم تفسير مقولاته للجميع على أنه يخدع أصحاب كل مذهب ليقول لهم إن مذهبهم هو الصواب، كما جرى تفسير تغيير لباسه من المتصوفة إلى الأغنياء وإلى أصحاب السلطان بأنه غش وتدليس للناس، وجرى تفسير إشاراته إلى وجود الله في تفاصيل الأشياء البسيطة والمعقدة بأنه إتيان بالخوارق والمعجزات باستخدام السحر والشعوذة، وفي النهاية جرى تفسير قوله أن الله موجود فيه كما هو موجود في كل البشر بأنه ادّعاء بالنبوة أو بكونه الباب إلى الله ووصل الحد إلى اتهامه بادعاء الألوهية.
تحولت حياة الحلاج وموته إلى أسطورة وجدل في التراث الاسلامي، فهناك من يؤكد على زندقة الحلاج وفساد اعتقاده، ومنهم من رأى أن الحجاج قد ظُلم وأن مقولاته لا تخرج عن الدين، أما في التراث الشعبي فبقيت أسطورة ألوهية أو نبوة الحلاج قائمة لقرون طويلة بعد مماته، فمن اعجبوا بفكر الحلاج لم يجرأ الكثير منهم على التصريح باسمه في كتبهم حيث كانوا يستشهدون بأقواله وأشعاره دونما ذكر صريح لاسمه.
أما المستشرقون فقد ظهر أول ذكر للحلاج في النتاج الاستشراقي الغربي في القرن السابع عشر، وفي القرن الثامن عشر بدأت تظهر الدراسات المخصصة عن الحلاج ولاسيما كتابات "يوهان ياكون رايسكه" الذي تبنى في بداية الأمر الرواية العباسية الرسمية واعتبر الحلاج مجدفا، ثم أتى جيل من المستشرقين أمثال "بارتلوم دي هيربلوت" و"أوغست موللر" و"إدلبرت ميركي" وغيرهم الذين اعتبروا الحاج متصوفا بسبب أفكاره الغريبة، كما ظهرت بعدها مدرسة يمثلها "فون كريمر" و"ماكس هورتن" تعتبر أن الحلاج كان يؤمن بالديانات الهندوسية القديمة وأن صرخته (أنا الحق) هي تجلٍ لصرخة "أنا براهما" في كتاب "الأوبانيشاد" الهندوسي المقدس، فيما يتبنى البعض الاخر من أمثال "آن ماري شيمل" نظرة الصوفية الجديدة إلى الحلاج باعتباره "الشخصية الموحدة للوجود".
جاء فى كتاب "شخصيات قلقة" للدكتور عبرالرحمن بدوي: ويبقى الحلاج أحد كبار الفلاسفة الذين أثاروا جدلا متواصلا حتى اليوم...وما تزال أقواله ذات طابع حضارى عميق الأثر وأكثر صدقا من الناحية الاجتماعية...
ذلك هو الحلاج الشهيد الحى الذى قدم للدنيا صورة الولاية الكبري...وقد بلغت أوجهها فى تضحية مليئة بالرجولة...مليئة بالالهام.
وما شرب العشاق الا بقيتى
وما وردوا فى الحب إلا على وردي
ذلك هو الحق...وذلك هو النبأ العظيم الذى فيه يختلفون.. .
لم يكن الحلاج إلا شاربا من نبع لا ينضب معينه، وستظل صفحة الحلاج مشرقة في التراث البشري ، تنطق بفضل ذلك الفيلسوف المسلم، وستظل مأساته موردا عذبا تنهل منه العقول في كل زمان ومكان . فقد كانت لغته فتحا جديدا في المعرفة ، وجنسا متفردا في أدب التصوف ، فلم يجرأ الكثير من الذين أعجبوا وتأثروا بفكر الحلاج بأن يصرحوا باسمه في كتبهم التي ألفت بعد مقتل الحلاج مباشرة حيث كانوا يستشهدون بأقواله وأشعاره دونما ذكر صريح لاسمه كما فعل السراج الطوسي في موسوعته عن الصوفية "اللمع" التي استشهد بكلام الحلاج في أكثر من خمسين موضوعا من كتابه دونما أن يذكر اسمه، ولم يبتدئ الجهر باسم الحلاج إلا بعد قرابة مئتي عام في الحادي عشر الميلادي حيث بدأ كبار المتصوفة يصرحون باسمه ويذكرون مقالاته ويشهدون بفضله وسعته، فقد أشاد به أبو حامد الغزالي وابن عربي وعبد الغني النابلسي، وقد صنف المتصوفة المتأخرون الحلاج باعتباره "متوحدا بالوجود".
انه الصوفي الأكثر إثارة للجدل في التاريخ الإسلامي، والأعمق أثرا، فكان وسيظل نموذجا في تاريخ الإنسانية، يقف أمامه الباحثون عن معنى الحب الإلهي، والمتأملون في فلسفته، وتدين بالفضل لفيلسوف استطاع باتساع أفقه أن يقفز على أسوار المذهبية والطائفية، ويجعل من مأساته الخاصة موردا تنهل منه العقول والقلوب في كل زمان ومكان، فالحلاج يعد احد اهم أقطاب التصوف الإسلامي الذين اصطدموا بالسلطة، ودفعوا حياتهم ثمنا لصدقهم...
لثلاثة ايام وليلتين وهو يعاني اشد العذاب من صلب وجلد وتقطيع وهو يبتسم، لم ينطق بحرف واحد عن ألم الم به..
قصة الحلاج .. قصة كبيرة مزعجة بكل تفاصيلها ، لان شخصية الرجل تعرضت للظلم على مدى عصور.. لم يرحمه احد وبقي ذلك الزنديق الكافر... لا يستحق الحياة..
ليس من السهل محاكمة الفكر .. من اجل بقاء ديمومة السلطة .
ورغم كل اوامر السلطة باحراق تراث الرجل بقي اسم الحلاج واختفت اسماء كل من ساهم بقتله ..
لكن الضمير الانساني مع قسوة الحاكم ... مجامل !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل