الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طائفة قمران : قراءة اضافية

وليد يوسف عطو

2016 / 3 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



سيق ان تناولت طائفة الاسينيين ومنهم جماعة قمران في اكثر من مقال سابق لي :
مقالتنا (الشخصية التاريخية ليسوع المسيح ), والمنشورة على الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=431437

ومقالتنا ( الشخصية التاريخية ليسوع المسيح –ج2 ), والمنشورة على الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=432291

في هذا المقال استند الى كتاب الباحثة (ا .س . سفينسيسكايا )والمعنون (المسيحيون الاوائل والامبراطورية الرومانية ) – ترجمة د .حسان ميخائيل اسحق – ط3 – 2010 – منشورات دار علاء الدين – دمشق.

لقد كان اليهود يؤمنون بقرب مجيء المسيح , وكانت افكارهم عن المسيح مختلفة. في العام4( ق.م ) مات هيرودس واندلعت على اثر موته انتفاضات مسلحة في الجليل اولا , ثم في اليهودية. حيث قام يهوذا الجليلي بجمع حشود كبيرة من المهمشين والفقراء والعبيد حول مدينة سيفوريس . وبحسب المؤرخ يوسيفوس فان يهوذا الجليلي قام بالنهب والسرقة والقتل , هذه الوقائع يعكسها قول يسوع المسيح في انجيل يوحنا (10: 7 و 8 ) ( كل من اتوا قبلي هم سراق ولصوص ).اشارة من يسوع الى يهوذا الجليلي والى ملوك سلالة الحشمونيين والذين مارس بعضهم السرقة .وليس كما يدعي بعض الباحثين والكتاب والذين يهاجمون المسيحية ويسوع والرسول بولس بان يسوع كان لصا .
مقالتنا (دولة المكابيين اليهودية العنصرية ) , والمنشورة على الرابط :
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=285772

لقد انتظر البعض مجيء المسيح من سلالة داود الملكية لكي يعيد الملك الى اسرائيل ويجلس على عرشها ملكا , وهي ماعكسته الرؤى ليهود اورشليم , في حين اعتقد اهل الجليل ان المسيح لايخرج من سلالة داود .

اما القائد الاخر للانتفاضة ضد الرومان , الراعي البسيط افروغ , فقد طالب بدوره بالسلطة الملكية ووضع على راسه الاكليل الملكي – العاديات اليهودية – لكن الحاكم على مقاطعة سوريا استطاع اخماد الانتفاضة . في العام 6 م الحقت اليهودية والسامرة بمقاطعة سوريا .

لقد كانت تجوب قرى ودروب فلسطين في القرن الميلادي الاول اعدادا من الوعاظ والدعاة يبشرون بقرب مجيء مسيح الرب .فقد اعلن احدهم ان مياه الاردن تنشق امامه , وان من يتبعه ينال الخلاص , واخر ظهر من مصر يعلن انه يريد الاستيلاء على اورشليم . لقد تخيلوا المسيح اما قائدا عسكريا وملكا من سلالة داود ,واما (ابن الانسان )مرسلا من الله كما جاء في سفر دانيال , ومجيئه يعلن قيام مملكة الرب .

ان ظاهرة المسيحانية ومحاربة الرومان لم تحدث وحدة واتفاقا في المجتمع الفلسطيني , بل احدثت انشقاقا فيه . لقد رفض الاسينيون تولي الحكم من قبل سلالة الحشمونيين في اليهودية . لقد كان زعيم ومعلم الاسينيين القمرانيين ينتمي الى الوسط الكهنوتي اليهودي ,لكنه انشق عنهم وقطع صلته بالمعبد اليهودي في اورشليم , لان رؤوساء الكهنة دنسوا المعبد (الهيكل).

ثمة تسميات عديدة وردت في مخطوطاتهم مثل ( الفقراء ) , اي الابيونيين ( ايفيونيم )( ابناء النور )خلافا لابناء الظلام .
يعتقد اغلب الباحثين ان مؤسس الطائفة ( معلم الحق) كان شخصية حقيقية , وتقول المخطوطات القمرانيةان ( الكاهن المدنس )كان يلاحقه .عاش معلم الحق في القرن الثاني ق.م . اما تاريخ وفاته فغير معروف . لقد طرح البعض فرضية اعدامه مصلوبا .اما الان وبعد دراسة مخطوطات قمران باتت هذه الفرضية مرفوضة .

كما اخذ بالتراجع عدد الباحثين المتخصصين الذين وجدوا شبها بين معلم الحق من جهة وبين موسى ويسوع المسيح من جهة اخرى.
مع ان الاسينيين القمرانيين كانوا ضد المؤسسة اليهودية الرسمية , الا انهم شاركوا في الانتفاضة ضد الرومان . ولا يملك الباحثين الوثائق التاريخية عما حصل بالضبط لرهبان قمران .

ولكن اغلب الظن ان الكثير منهم حمل السلاح ضدالرومان وتم قتلهم , والناجون من القمرانيين تحصنوا في قلعة مسعدة .حيث عثر الاثاريون على مخطوطات ذات اصل قمراني . وبعد حصارهم انتحروا . وهنالك قسم منهم وقع في الاسر وابدوا شجاعة فائقة في وجه آلة التعذيب الرومانية. وبحسب يوسيفوس فانهم تعرضوا لمختلف صنوف التعذيب من اجل ان يكفروا بزعيمهم ( معلم الحق),او ياكلوا من الاكلات المحرمة مثل لحم الخنزير .

لكنهم نقوا ثابتين ولم يتراجعوا عن عقائدهم .اما الذين بقوا احياء من القمرانيين فلقد بيعوا في اسواق النخاسة كعبيد.وقد يكون البعض قد حالفه الحظ ونجا من كل المصائب .
يفترض الكثير من الباحثين المعاصرين ان تعاليم جماعة قمران كان لها تاثير كبير على المسيحيين الاوائل . فالتصورات عن نهاية العالم ومناهضة الشر والعقيدة المسيحانية والموقف ضد المال , وموقفهم من البساطة في الحياة و (فقر الروح ) وهو يشابه التعبير الانجيلي ( الفقراء بالروح ) . هذه التصورات تعكس تاثر المسيحيين الاوائل بالاسينيين من جماعة قمران .هنالك بعض التطابق بين شخصيات وكتابات القمرانيين وكتابات المسيحيين الاوائل ,نجدها مثلا في الرسالة الى العبرانيين من اسفار العهد الجديد , حيث نعثر على شخصية ملكي صادق , الملك الكاهن الذي حكم قبل داود بزمن طويل ( تكوين – 14) , حيث يقارن كاتب الرسالة الى العبرانيين ملكي صادق لاهوتيا ( ثيولوجيا )بيسوع المسيح , لكي يقوم بتجسير العلاقة بينهما وبين الجماعة التي وجهت الرسالة اليها .

كما يتفق القمرانيون مع المسيحية في رفض القرابين والذبائح الحيوانية . يعتقد البعض ان يوحنا المعمدان – النبي يحيى – ارتبط بطائفة قمران من الاسينيين . وكان يوحنا مثل يسوع لم يوافق على انغلاق ( ابناء النور)على انفسهم .لقد فضح يوحنا الاثرياء ودعا الشعب الى ضرورة التطهر استعدادا لمجيء المسيح . وهنالك من يقول ان المسيح كان على اتصال بالقمرانيين من الاسينيين اثناء اقامته في البرية .

لقد كان يسوع وحوارييه , اي تلامذته , على دراية جيدة بتعاليم القمرانيين من الاسينيين , بل وحسبوا لها الحساب ايضا , وهو مايشهد به الحوار الخفي مع طائفة قمران من الاسينيين المنعزلة , والذي جرى على لسان يسوع في موعظته على الجبل : (متى 5:14 ):
( انتم نور العالم , لايمكن ان تخفى مدينة موضوعة على جبل . ولا يوقدون سراجا ويضعونه تحت المكيال , بل على المنارة , فيضيء لجميع الذين في البيت . فليضيءنوركم قدام الناس لكي يروا اعمالكم الحسنة ويمجدوا اباكم الذي في السماوات ).وترد الفكرة نفسها في انجيل توما ( ماتسمعه باذنك خبر به الاذن الاخرى من اعلى سقفك , لان احدا لايشعل القنديل ويضعه تحت القدر .ولا احد يضعه في مكان خفي ).

يبدو ان النصين ينتميان الى اقدم التقاليد المسيحية . وربما لم تكن تعاليم القمرانيين قد اثرت في يسوع نفسه بقدر تاثيرها في تلامذته .

تتفق مؤلفة الكتاب مع (ا.د اموسين مؤلف بحث ( طائفة قمران) بان تعاليم القمرانيين ادت مايشبه بدور الوسيط بين اليهودية الاصولية والمسيحية.
لقد عكست تعاليم القمرانيين سعي المجتمع اليهودي عشية حلول العصر الجديد بحثا عن رؤى فكرية ودينية جديدة . ففي تلك اللحظة التاريخيةعشية القرن الميلادي الاول اصطدم سكان فلسطين بالتاثير العميق للثقافة الهلنستية , والصدامات السياسية مع العالم الخارجي , والصراع الايديولوجي حيث حاول الفريسيون فرضها على المجتمع , لذا انسحب بعضهم الى البرية ومنهم ذهب الى قمران حيث اعتزلوا الناس في مجتمع منغلق على ذواتهم .

ان هذا الانعزال لم يكن له افق مفتوح . فافكار القمرانيين باتت مؤثرة فقط بعد ان اعتنقها الناس مباشرة , او عبر دعاة وسطاء جعلوا فكرة نهاية العالم , اي فكرة الاعلان او الكشف الالهي الابوكاليبسي وقيام ملكوت الله في متناول الناس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المؤرخ الفرنسي جورج بنوا
بارباروسا آكيم ( 2016 / 3 / 29 - 10:59 )
المؤرخ الفرنسي جورج بنوا له كتاب أَيضاً بعنوان تاريخ جهنم يشير الى إِحتمال كون يسوع كان عضواً في إِحدى المجموعات الآسينية !

على كل حال كثير من الباحثيين الغربيين يؤيدون هذه الفرضية خصوصاً بعد إِكتشافات وادي قمران ! التعاليم الصوفية الآسينية ومتعاهدي دمشق والمجموعات الصوفية اليهودية في مصر تمثل بداية ظهور المسيحية !

مايشد الإنتباه إِنٌّ المسيح كان دائم التصادم مع الفريسيين والصدوقيين ولكنه لم ينبس ببنت شفة طوال حياته التبشيرية التي إِمتدت 3 سنوات تجاه الآسينيين أَو الحركات الصوفية وهذا شيء غريب بل حتى تلاميذه الذين إِمتد نطاق عملهم الى 90 ميلادية لم ينبسوا ببنت شفة تجاه الآسنيين مع العلم إِكتشافات وادي القمران وضحت ان المجموعات المسيحية الأولى كانت آسينية !!!


2 - الاستاذ باربا روسا آكيم المحترم
وليد يوسف عطو ( 2016 / 3 / 29 - 12:17 )
اسعدني تعليقكم الثري في موضوع في غاية الاهمية وهو يعكس بعض جذور تشكل المسيحية في القرن الميلادي الاول ..

كتبت في مقالاتي عن الاسينيين وتجدها في الروابط الملحقة بالمقال وخصوصا( يسوع والاسينيون - ج 1 ) ويسوع والاسينون - ج 2 )ان تسمية الاسينيين يختلف حولها الكثيرون ووقسم يطلق عليهم القمرانيون مثلما فعلت في مقالتي .. لانعرف سبب سكوت المسيحيين الاوائل ويسوع بالذات عنهم وهي نقطة غامضة في اصول المسيحية ..اسعدني حضوركم اخي الغالي راجيا دوام التواصل .

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=266362


3 - باحث جاد ومتميز
عدلي جندي ( 2016 / 3 / 29 - 21:05 )
تحية أستاذ وليد 
دائما علي يقين أنك باحث مجتهد معتدل جاد ودون ذكر من يدعون وهم مجرد إما طابور خامس أو بحكم نشأتهم تعودوا علي ممارسة التُقية
المهم سؤال
كتبت :ففي تلك اللحظة التاريخيةعشية القرن الميلادي الاول اصطدم سكان فلسطين بالتاثير العميق للثقافة الهلنستية
من هو المولود ولماذا إعتبرت سنة ميلاده بداية للتقويم الميلادي؟
شكراً جزيلا
مع وافر التحية


4 - الاستاذ وليد
nasha ( 2016 / 3 / 30 - 01:47 )
مواضيع شائكة لا يمكن التحقق من المصداقية حتى بوجود وثائق ومخطوطات ومع ذلك هذه البحوث والدراسات مفيدة لانها تحرر العقل من الانغلاق على موجة واحدة وتمنع الاصرار على امتلاك الحق المطلق.
ما يهم في كل هذه الجهود التي يبذلها الباحثين هي الصدق والصراحة في البحث والابتعاد عن الغش والتحيز.
شكرا جزيلا مرة اخرى على جهودك استاذ وليد


5 - الاستاذ عدلي جندي المحترم
وليد يوسف عطو ( 2016 / 3 / 30 - 13:28 )
اسعدني حضوركم كثيرا..

واعتذر اكثر عن تقصيري في التعليق على مقالاتكم الجريئة.
عبارتي عن اصطدام سكان فلسطين عشية القرن الميلادي الاول بالثقافة الهلنستية ليس المقصود منها الاصطدام بتعاليم يسوع المسيح - عيسى بل بالحضارة الهلنستية نفسها خصوصا اليهودية حيث تم بناء الملاعب والحمامات والمدن الحديثة ومطابقة الالهة المحلية بالالهة اليونانية والرومانية ومن هنا جاء اصطدام الحضارات بين تيار هلنستي اممي وحداثي في عصره وبين تيار اصولي لايتقبل هذه التغيرات مثل اليهودية الاصولية وطائفة قمران .راجع فراس السواح(تاريخ اورشليم والبحث عن مملكة اليهود). ميلاد يسوع هو ميلاد رمزي على طراز الاله في ديانات الاسرار الخلاصية مثل مثيرا والسبب ان يوم 25 - 12 هو عيد النور والشمس عند مثيرا حيث ياخذ الليل بعده بالقصر ويزداد النهار. وقد كتبت مقالا مهما عن عيد الميلاد سارسل رلك رابطه في رسالة ثانية.
ختاما تقبل وافر مودتي وتقديري وعرفاني.


6 - الاستاذ ناشا المحترم
وليد يوسف عطو ( 2016 / 3 / 30 - 13:30 )
اتفق معك بانها مواضيع شائكة..

اسعدني حضوركم وتعليقكم اخي العزيز ناشا.


7 - مقالتي ( جذور الاحتفال بعيد ميلاد المسيح )
وليد يوسف عطو ( 2016 / 3 / 30 - 13:35 )
الاساتذة المعلقون المحترمون ..

الاستاذ عدلي جندي المحترم ..

ادناه رابط مقالي عن جذور الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح ..

اتمنى ان يحظى بقبولكم .

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=334523


8 - شكرًا أخي
عدلي جندي ( 2016 / 3 / 30 - 14:54 )
أهتمامك إرسال رابط مادتك الغنية والثمينة
تحياتي


9 - الاخ عدلي جندي المحترم
وليد يوسف عطو ( 2016 / 3 / 30 - 15:02 )
شكرا لكلمتكم ومشاعركم الطيبة..

اخر الافلام

.. عدد العائلات المسيحية في مدينة الرقة السورية كان يقدر بنحو 8


.. -فيديو لقبر النبي محمد-..حقيقي أم مفبرك؟




.. -روح الروح- يهتم بإطعام القطط رغم النزوح والجوع


.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح




.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت