الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانحدار الخطير

عماد صلاح الدين

2016 / 4 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الانحدار الخطير
عماد صلاح الدين

إلى أين وصلت الحالة العربية، والى أين وصلت الحالة الفلسطينية؟

هل بقيت أمال يمكن للمرء أن يعقد عليها أملا جديدا؟

ما هي مشكلتنا؟

هل مشكلتنا في السياسة، في الدين، في الثقافة، في الأخلاق، أم ماذا؟

هل مشكلة الإنسان العربي والفلسطيني وترتيب أولوياته، أم ماذا؟

نحن نتاج تخلف ماذا؟ كروح امة وثقافة وأخلاق ودين؟

أين أخطأنا في اجتماعنا الإنساني؟


وهل يوجد لدينا أصلا عقد اجتماعي على الأقل قطري وعربي، وفي الحالة الفلسطينية مشروع وطني؟

سؤال الأزمات والنكسات والتراجعات الفلسطينية والعربية، لماذا؟؟

لما تتكرر خسارتنا وهزائمنا الواحدة تلو الأخرى، ولماذا لا يوجد قطع مع سلبيات مرحلة/ مراحل انقضت ومضت، ولماذا دائما السلسلة لا تريد أن تنقطع في تراجعاتنا وانحداراتنا، بل هي تتسلسل ويتولد عنها كل كارثي جديد ألعن وأكثر قتامة وتعقيدا من سابقه؟؟

والى متى كل هذا يجري أمام أعيننا، ونحن مسطولون من لا وعينا وغيابنا شبه النهائي. وحين يصدمنا هول الصدمة ومعرفة الحقيقة، نسلم للكارثة والمصيبة الجديدة دون خروج منها، ونسلم لها تسليما ميتافيزيقيا سبهلليا ممزوجا بمرضنا أو أمراضنا النفسية والاجتماعية والثقافية المزمنة؛ نشكو كثيرا من كل خازوق وافد علينا، وفي غمرة لا وعينا المتجدد تفاقما، لكن دون جدوى، ونتقبله على كره وقمع لذواتنا، ومحاولين السير في ما نظن انه لصالحنا، ويتبين لنا بعد ذلك أننا سرنا ولا زلنا نسير بالاتجاه الخاطئ المناقض أساسا لرغباتنا وآمالنا وطموحاتنا السياسية والاجتماعية والحياتية عموما، ثم لا نخرج، وتزداد دائرة الخطأ والكارثة، ومعها تتوسع باستمرار دائرة المرض واللاوعي، وغياب الإرادة والعمق والأفق والرؤية، ونزداد كرها لذواتنا وكرها للآخرين، وتقديسا ارعن لأشخاصنا وتبخيسا ونزع إنسانية عن الآخرين، ويزداد عنفنا الذاتي ويزيد ضد الآخرين. وحدنا نحن المميزون، ووحدنا نحن الممتازون، ووحدنا نحن الأطهار، وغيرنا هم الأنجاس، ونحن وحدنا المظلومون، ووحدنا من تحاك ضده المؤامرات، ووحدنا لنا الجنة ولغيرنا النار.

ديننا من بناة أفكارنا المريضة، ومعتقداتنا من نفوسنا المريضة، وتصوراتنا للأمور متناقضة ومزاجية؛ نجاحاتنا معيارها الفهلوية، والاستبداد، والسادية، وقمع المرأة، والتآمر على بعضنا البعض، والفساد، والرشاوى، والمحسوبية.
أديان الآخرين، مغضوب على أصحابها إلى يوم الدين، وملعونون إلى قيام الساعة، وهم الضالون إلى الأبد، وهم من نسل الخنازير والقردة، مهما كان الآخرون حسني المنظر والسلوك والحضارة.

نحن الموعودون حتما بالتمكين والنصر، وغيرنا مهزوم وزائلة دوله ومجتمعاته، حتى ولو حسَن وطوَر في حياته وحضارته؛ نحن لنا حق الامتياز من الله رب العالمين، لمجرد أننا مسلمون فقط، نحن المؤمنون وغيرنا الملحدون وغيرنا الكافرون، لا دنيا لهم ولا آخرة، الله خلق العرب والفلسطينيين، واكتفى بعد ذلك.

الأفكار والممارسات العنصرية والاستعمار والاحتلال والطغيان موجود عبر الزمان، كما أن الإنسانيين والعدليين وأصحاب أفكار المساواة بين البشر موجودون عبر الزمان؛ لم ينقطع هذا ولم ينقطع ذاك.

هذه هي طبيعة الحياة؛ فيها حق وفيها باطل، فيها ظلم وفيها مظلوم، فيها القوي وفيها الضعيف، فيها كل شيء، هي هكذا طبيعتها، غالب عليها اللون الرمادي، وليس الأبيض والأسود فقط، بل كل الألوان.

لكن هل يعني ذلك، أن يرتد المرء إلى مرضه، ويعيش في مرضه، وعلى مرضه، ويظن أن الآخرين هم مرضى على شاكلته، وينطلق دائما في التحليل والتفسير، من منطلق مرضي.
نحن بحاجة إلى أن ندرس مشكلتنا الحقيقية، في وجود مرضنا القائم، منذ قرون، ونسأل أين هي علتنا؟ أين تكمن بالتحديد؟؟ هل هي في ديننا في ثقافتنا في موروثنا التراثي أم في ماذا؟؟ وهل هي في بنيتنا القبلية والعصبوية والصحراوية؟؟

هل نحن ارتددنا عن الدين الإسلامي، كما هي سائر الأديان الأخرى، كمنظومة أخلاقية عالمية، وضمن المشتركات الإنسانية الأخرى، في الصدق، والإتقان، والعمل، والتفكير الحر، وفهم الواقع والتعامل معه، بروح الإضافة والتطوير والذهاب إلى كل تحديث إنساني واجتماعي؟
هل قمنا بحرف الدين عن مساره؛ كمنظومة قيم وأخلاق وشعائر خاصة، بين الخالق والمخلوق، وكضمير وكحرية معتقد، عن اقتناع وأدخلناها في الحيز العام وفي السياسة، مع أن الدين من المفروض أن يكون بعيدا عنها، لأنه مسألة شخصية لا اقل ولا أكثر، أم أننا قمنا بإقحام السياسة في الدين؛ فصار الدين وثنا والسياسة أيضا وثنا.

وهل نتج عن كل ذلك قداسة ما يسمى برجل الدين المستبد والمفوض من الله، ورجل السياسة المستبد والمفوض من الله أيضا؛ لان كليهما يطآن على رقاب العباد باسم الدين وشرعية السياسة بالدين.

إنني أرى ما نعانيه كفلسطينيين من استمرار للاحتلال والتمييز العنصري، ناتج وبالضرورة من انتقال العصبوية والقبلية القديمة، إلى العصبوية الدينية والسياسية المتداخلتين عن غلط وعن عدم انسجام من الأساس؛ فالدين لدينا حالة من الوثنية، تطورت عن ممارسة أشكال طقوسية، منزوعة منها غرض التدين المطلوب منها أصلا، وهو المعيارية القيمية والأخلاقية، والانضباط وتعلم الالتزام، وعدم الاعتداء على/ وظلم الآخرين، وان يكون غرضها تكريس التعايش والتسامح ومحبة الآخرين، في ظل اجتماع إنساني يتفق عليه الناس، بموجب عقد جامع بينهم، وبغض النظر عن دينهم أو لونهم أو عنصرهم أو مذهبهم أو طائفتهم، وغير ذلك من مجالات التنوع الإنساني؛ كما أن السياسة لدينا هي الأخرى حالة صنمية ووثنية؛ فمطلوب من الفلسطيني أن يعبد قائده ورئيسه ورئيس حزبه حتى يموت القائد الفذ؛ والقائد الفذ هو الأول والآخر، ولا احد قبله ولا احد بعده. وهكذا كلما جاءنا قائد ملهم يتلوه قائد ملهم، وتتحول السياسة إلى خزعبلات ووهميات، دون رؤية أو سند من واقع وتحليله، ويعيش الناس من ذل إلى وضع أكثر ذلا، وهكذا.

وللأسف، إن بيئة الاستبداد مهيأة في الحالة العربية والفلسطينية، بسبب الخلط بين ما هو سياسي وما هو ديني؛ ويغذي كل ذلك تفاقما، في قصر الرؤية وانتشار التطرف، مخرج المرض الاجتماعي السائد في الاجتماع الإنساني الفلسطيني والعربي؛ ولذلك يتفاقم وضع الاستبداد الديني الرسمي أو الشعبوي، وكذلك الاستبداد السياسي وحتى الفكري الرسمي والشعبوي أيضا؛ لان البيئة الحاضنة واحدة، وبغض النظر عن القائد والمقود، في مثل هذه الحالة.

وما لم يجر بعث جديد للإنسان العربي والبيئة العربية ومنها الفلسطينية، على صعد تحديد ما هو سياسي اجتماعي وهو الغالب، وما هو ديني خاص محدود كقيم وأخلاق وضمير فردي، وبعد ذلك وفي الأثناء عدم خلط ما هو سياسي مدني بما هو مرجعيات خاصة أخرى في العرق ومخصوص الثقافة والاثنية والهويات الأخرى، على حساب الهوية الوطنية الجامعة، بمرجعية العقد الاجتماعي القائم على القانون والمساواة والعدل وسيادة الدول، ومن خلال نظم ديمقراطية علمانية جزئية، كما ذهب إلى ذلك الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري؛ فإننا سنبقى في دائرة الانغلاق نفسها، دون أن نعين أنفسنا لا في مواجه استبداد داخلي، ولا في مواجهة استبداد خارجي، وسنبقى نلعن أنفسنا والآخرين دون سبب وجيه، ونسلي أنفسنا بوهمية مظلومياتنا واعتداءات الآخرين علينا، وتآمرهم على حقوقنا ومصيرنا سرا وعلنا، ونحن في هذا إلى تأخر مستمر والآخرون في تقدم لا يتوقف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟


.. محاضر في الشؤؤون المسيحية: لا أحد يملك حصرية الفكرة




.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الأقباط فرحتهم بعيد القيامة في الغربي