الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخلاق العبيد والتمهيد لألغاء العقل -1-

وليد عبدالله حسن

2016 / 4 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أخلاق العبيد وبناء دكتاتوريات الله -1-
أصحبت مراجعة المفاهيم والأفكار والحقائق الدينية ضرورة اجتماعية، وحاجة إنسانية وعقلية. وموضوع العبودية، بكل أنواعها، وعلاقتها مع بناء أخلاق الإنسانية، من المواضيع الحساسة كونها تشكل التمثل السلوكي والظهوري للدين بشكل خاص، وتأثيره المباشر على المجتمع بشكل عام. ويشتد ظهور هذه الأفكار والحقائق الدينية في فترات مختلفة، وتفعل فعلها في مجتمعات لها خصوصيات تواصلية تتوافق نوعًا ما معها، أو أنها روضت عليها عبر تاريخ طويل من الإيمان بها. والموضوع الذي نطرحه هو حول العبودية والأخلاق والقيم، كون هذه المفاهيم تشترك، كعناصر سلوكية ونفسية، في بناء الذات الإنسانية، وهي ليست حقائق قائمة خارج الوجود الإنساني، أو مفاهيم تشكل منظومة خارجة عن الذات الإنسانية عبر التاريخ كباقي الحقائق الأرضية التي استقلت بذاتها كمنظومات لها قوتها الخاصة واستراتيجياتها المعرفية (كسلطة الدين، وسلطة التاريخ، والقوانين، والأحكام السماوية والأرضية في الماضي، وأنظمة التقنيات، وعلوم الاتصال الحديث، والمؤسسات المدنية، والعلوم الحديثة في الحاضر). كل هذه الأشكال من الحضور الديني والمعرفي والأيديولوجي والعلمي أصبحت خارج الوجود الإنساني وتتحكم في الكثير من مفاصل الحياة. لكن الحقائق الأخلاقية والفضائل الإنسانية بقيت متلازمة في ظهورها وفعالية تطورها مع مسمى الإنسان كقيمة وجودية وشكلاً أرضيًا ومعنىً حضوريًا للوجود. تقام الأخلاق كمنظومة معرفية وسلوكية لجوهر الوجود الإنساني، وتتأثر باتجاهات الحياة سواءً كانت دينية أو أيديولوجية أو فلسفية أو معرفية، وكل ذلك يتسرب إلى الأخلاق ويؤثر فيها.
ما زال ظهور الإنسان الأرضي في بلاد الشرق الأوسط والبلاد الإسلامية تحت رعاية تراث ديني وأسطوري يمتلك سلطة قيومية سارية في الحياة، بل إن الكائنات الحية في بلاد الشرق مُصنفة دينيًا وليست بالضرورة متدينة بل هي مبنية على هواجس إيمانية شكلية، وبنية عقلية عائمة على كنوز من الخيال الملازم لكل ما هو وهمي ويمتلك فعالية الحضور والتشكل وفق طبيعة الارتباط بسلسلة منظومات تاريخية ودينية واجتماعية. هذا الشكل المعلن لظهور الإنسان الشرقي والعربي هو كونه بنك استثماري لكل التاريخ الربوبي التسلطي بكل ما يحمل من قدرات الاستعباد الذاتي والاستلاب الوجودي لقيمته الإنسانية التي هي جوهر وجوده وعلامة مميزة يدافع عنها بكل ما لديه من أدوات الجهل والمعرفة. إن أهم هذه العلامات الفارقة والمميزة لحضور الإنسان الشرقي، ظاهريًا وباطنيًا، هي علامة العبودية كمنظومة معرفية تنجب أبناء يحملون جينات تاريخية لأرباب متسلطين وخالدين إلى الأبد، ويشكلون امتدادًا قائمًا لوجودنا الصحراوي العميق والقديم جدًا والحديث بامتياز. ومن خلال انتمائنا نحن، كعرب، إلى الدين الإسلامي الذي بنى مجدًا وحضارة عظيمة على هذه الصحراء القاحلة، وكوّن مجدًا كبيرًا، نرى بوضوح، لو كاشفنا أنفسنا، أننا ما زلنا نسكن نفس بيوت العبودية القديمة، سواء كانت سماوية أو أرضية، والتي أصبحت جزءًا من الذات والوجود والسلوك العربي والإسلامي. ومن خلال هذه العبودية بدأنا نشيد حضارة انتماءنا لمفاهيم السماء، والابتعاد عن المضامين الأولى لرحلة الانبياء، ربما! فتأثير العبودية، بكل أنواعها، على ذواتنا ووجودنا ومجتمعاتنا جعلنا متأخرين في كل شي، ساهين عن البحث عن وسائل عقلية وواقعية وسلوكية نتخلص من خلالها من كل أشكال الاستعباد الذي مورس في حقنا، ابتداء من السماء حتى الأرض؛ هذا الاستعباد الذي جعل فرص التقدم والتطور والتخلص من الوهم الساكن في ذاكرتنا أمرًا صعبًا، بل حتى يبدو مستحيلاً، لأنه أصبح يمثل هويتنا على الأرض.
ليس بإمكاننا، في بحثنا المختصر هذا، التخلص من تاريخ الوهم الساكن في ذواتنا، بل سنحاول تجديد وفتح مجال تساؤلي روحي وكوني وآفاق حرة لمعرفة إنسانية واقعية لأنماط المجتمع الديني بشكل خاص والثقافي والفكري بشكل عام. ولا نقصد من خلال كتابة البحث تحت عنوان أخلاق العبيد وبناء دكتاتورية الأرباب أيّة إثارة شخصية واستفزازية لأيٍّ كيان. كما أننا نسعى إلى عدم الانحياز الذي لا يخلو من التصادم والمكاشفة، رغم ميلنا الوراثي والتاريخي إلى الدين، إذ أننا داخل المدار الديني ونعيش نفس الإشكاليات، ولا يمكن تبرئة أنفسنا من قوة التأثير الحسي والانفعالي، والاستلاب الذاتي، لما تحمله ذاكرتنا من أنماط استعبادية وسلطوية جماعية وفردانية تكونت وتأثرت في أشكال عقائدية، وأيديولوجية دينية، واستفراغ روحي لأشكال من الرقابة الدينية التي تدعو إلى إذلال الإنسان وتحقيره.
قد تطرح هكذا أسلوبية تصادمية بعض المباحث غير المقيدة بنظام معرفي أو علمي إلا أنها تتسم بالتكاشف الروحي والقوة الحرة للذات الفكرية، منطلقة بلاشك من قسوة التسلط التاريخي والواقعي والاستلاب الفكري الذي مورس على عقولنا زمنًا طويلاً. وتبقى وجهات نظرنا في فهم العلاقة بين دكتاتورية الأرباب المترسخة في ذاكرتنا الجمعية، وحضور أخلاق العبودية في سلوكنا الحياتي، هي محاولة لسرد آثارهما المدمرة وتفكيك سلطتهما من جهة الدين ومن جهة الأخلاق، وتهذيب تديننا، وفتح آفاق روحية خالصة تنظم علاقتنا بالسماء من جهة، وتعكس روح القيم الإنسانية المدنية من جهة أخرى. ونتمنى أن نشارك، معرفيًا على الأقل، في دفن الاستعباد الديني لظهورنا الأرضي الذي لم يحضر بعد لأن الحضور ليس ظهورًا استهلاكيًا فقط، كما حالنا اليوم، بل اثبات وجود ومشاركة في الإبداع الإنساني على الأرض. وإن تحقق مشاركة الجميع في محاولة نقد الجذور ومراجعة التاريخ المقدس هو من القوة والفعالية بحيث يعمل على اختصار زمن التخلف والتمذهب الروحي بالوهم، والتخلص من تراكم توحش التاريخ والقدر، وتخمة مفهوم هوية الأمة الواحدة، ورقابة السلطة الطاغية، وسيادة دكتاتورية الأرباب على الإنسان المسلم والعربي بشكل عام والعراقي بشكل خاص. وكما هو واضح، من خلال تاريخ الفرد العراقي، أن هذا الفرد قد جُنّد كيانه المادي والمعنوي، على أرض خصبة، للبلاءات الربانية، وشُطرت ذاته في عوالم أوهام رجال الدين وقداسة الخيال التسافلي للمنقذ الأبدي، ودكتاتورية السلطة الاستلابية للأنظمة والحكام، هذه الدكتاتورية التي تم تعميمها ابتداء من السماء حتى أعماق الأرض. وقد تحول الإنسان العراقي، بتوالٍ وتعاقب تدميريين، إلى كائن يسلتذ بممارسة الاندكاك الذاتي تحت أي سلطة شر، لأن الذات العراقية تعودت على ممارسة الهزيمة التاريخية تحت وطأة أية قوة للشر والظلم، وخاصة إذا كانت ماركة مسجلة باسم الدين والقومية والقبيلة. أما من جهة الحياة العامة فما زلت عوالم الأسطورة الاستلابية غير المنتجة تمارس فعاليتها في إدراة شؤون الحياة الإنسانية عند العرب والمسلمين بشكل عام، والعراقيين بشكل خاص.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألبوم -كهان الكاف -: قصائد صوفية باللهجة التونسية على أنغام


.. 71-An-Nisa




.. 75-An-Nisa


.. 78-An-Nisa




.. 79-An-Nisa