الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يحتاج الإسلاميون إلى تقنيين لا إلى مفكرين وفلاسفة وفنانين ؟

أحمد عصيد

2016 / 4 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


رغم أنّ التاريخ لا يعيد نفسه، إلا أنه يبدو كذلك بالنسبة لبعض مواقف رئيس الحكومة المغربية ووزيره في التعليم العالي وآخرين من جماعته، فالقول إن الدولة لا تحتاج إلى مفكرين وفلاسفة وأدباء وفنانين بل فقط إلى تقنيين، هو كلام الراحل الحسن الثاني في عزّ سنوات الرصاص، أيام كانت الفلسفة والفكر والأدب والفن تخصصات تبدو لرئيس دولة تتخبط في متاهات التخلف، خطرا على شرعية الحاكم الذي يعتبر أن من واجبه قتل ثلث رعاياه ليتمكن من إخضاع الثلثين الباقيين، مُحيلا على المذهب الديني الرسمي الذي يعتبره المرجع في شرعية تنفيذ ذلك الوعيد الوحشي.
ولأن الإسلاميين في النهاية لا يخرجون في مشروعهم عن دائرة الاستبداد، أي السعي إلى التحكم في الرقاب باستعمال الدين، فإنهم لا بدّ أن يجدوا أنفسهم في أمسّ الحاجة إلى تقنيين منفذين، لا إلى فلاسفة مفكرين أو فنانين ساخرين وأحرار، أو أدباء منتقدين، إن الفكر والإبداع هما عدوّ الاستبداد وكل النزعات الشمولية، ولهذا يُعتبران حجر عثرة في طريق السلطوية بكل أنواعها.
وتلتقي هذه النظرة المحتقرة للفكر وللإبداع مع النزوع القوي الذي أصبحنا نلمسه نحو تنميط المجتمع على أساس الإيديولوجيا الدينية، التي تعمل على اختزال الثقافة في الدين، مما يشيع ردّة قوية في جميع المجالات تنتهي إلى تكريس وضع عام يشلّ طاقات المجتمع، ويحوله إلى "جماعة" مغلقة تعيش على الرقابة والعنف واللاتسامح، أي باختصار على حالة استنفار دائمة . ففي حين تحيل الثقافة على النسبية التنوع، تحيل التقنوية المتشحة بالدين على التنميط والخضوع لـ"الضوغما".
إن الفرق الرئيسي بين الفيلسوف والتقني هو أن الأول يعتبر المعرفة مشروعا لا يكتمل أبدا، وبحثا دائبا لا ينتهي، كما يرى في الذات الإنسانية طاقة كبيرة تتواجد باستمرار في المستقبل، بينما التقني هو الذي يمتلك مجموعة من المعارف العملية القائمة على قواعد محدّدة، تُعتمد منطلقات في تنفيذ خطة جاهزة لا يضعها التقني بنفسه. فعندما يعتبر الإسلامي أن التقني هو المطلوب وليس المفكر والفيلسوف، فلأن الإطار الفكري بالنسبة له محدّد سلفا وهو الدين، وهو إطار من النصوص الثابتة تزعجه المنطلقات المعرفية والفنية الأخرى لأنها ذات فضاءات أرحب، كما أنها ليست ملزمة بنصوص نهائية، فالمعرفة والإبداع الإنسانيان لا متناهيان.
يحتاج الإسلاميون للاستيلاء على الدولة وتحقيق مشروعهم في العودة إلى الدولة الدينية ـ دولة الفقهاء ـ إلى تقنيين منفذين، لا إلى من يفكر في البدائل الحقيقية، أو يطرح الأسئلة، أو يمتلك حسا نقديا، أو يشكك في الحلول الوهمية، ولهذا كتب أحد منظريهم قبل سنوات " إن العسكري أقرب إليّ من المتفلسف"، كما اعتقدت جماعة دينية قبل ربع قرن بأن من خياراتها للوصول إلى السلطة التحالف مع فصيل من الجيش وحلّ الأحزاب من أجل إقامة الدين، إنه نفس المشروع الذي يلتقي مع الانزعاج من الصحافة الحرّة، ومع تحقير النساء وعرقلة مبدأ المساواة بين الجنسين، ورفض التنوع الثقافي واللغوي والتحفظ على الحريات، كما يلتقي مع الحجر على الصحافة والسينما والأدب والتعامل معها بمنطق الحظر والمنع.
هكذا قد يعيد المغاربة سنوات رصاصهم من جديد لكن بشعارات مختلفة ووجوه جديدة. مع شرعنة دينية لكل التجاوزات باسم الأغلبية والتيار العام، وهو أسوأ مصير يمكن تصوره لبلدنا بالنظر إلى ما يحدث في بلدان الفتنة الشرقوسطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الافلاس لمن يدعي الاخلاص
حميد من المغرب ( 2016 / 4 / 5 - 21:58 )
اجل ،استاذ عصيد ،انهم بهذا التفكير يعلنون ،افلاسهم كما يعلنون صراحة جفاف مرجعيتهم ،التي لم ولن تعد تسعفهم في ايجاد اي نوع من الحلول .انه اعتراف بالفشل المزمن ،الذي يلازم هذا التيار السياسي المتاسلم ،كما يلازم الفيروس المريض بالسرطان .فلم يعد قادر على البقاء ،بل صار الموت في انتظاره.


2 - ليسوا وحدهم في هذه المأثرة!
عبد القادر أنيس ( 2016 / 4 / 6 - 09:20 )
شكرا سيد أحمد عصيد على هذا التحليل الصائب. أضيف من جانبي أن زعم الإسلاميين بأنهم في حاجة إلى تقنيين فقط يعود أصلا إلى توهمهم بأن بين أيديهم كل الحلول لكل المشاكل وكل الأجوبة لكل الأسئلة لأن دينهم لم يفرط في شيء! في الجزائر مثلا كان الإسلامي نحناح (المعتدل) يردد دائما أننا في حاجة إلى استيراد التكنولوجيا الغربية ولسنا في حاجة إلى استيراد الأفكار الغربية الفلسفية والسياسية والاجتماعية التي تكوّن العقل، ففي ديننا الخير والبركة. فهم تكفيهم آية واحدة (وأمرهم شورى بينهم) لكي يرفضوا الديمقراطية الغربية ويكفيهم اتفاق بسيط حدث في المدينة قبل 14 قرنا (صحيفة المدينة) لكي يستغنواعن وضع الدساتير العصرية، بل ويكفيهم حديث أو آية لكي يدعوا أن موروثهم الديني قد سبق علوم الغرب (زغلول النجار) وحديث (علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل) لكي يستغنوا عن علوم التربية العصرية.
في الحقيقة، الإسلاميون ليسوا وحدهم في هذه المأثرة! عندنا جرى دائما إغراء أنجب التلاميذ في الفروع العلمية للتوجه إلى الجامعة ليكونوا تقنيين فقط، بينما يوجه الأضعف إلى العلوم الإنسانية ليكونوا قادة وقضاة ومسيرين ومكونين.
تحياتي


3 - افلاس الشعراء والسفاسفة
عبد الله اغونان ( 2016 / 4 / 7 - 00:40 )
الموضوع في الحقيقة أكبر من مجرد كلام قاله رئيس الحكومة في موضوع اعداد مهنيين وتعليم مرتبط بسوق الشغل
الموضوع هو أزمة الفلسفة والأدب
وهوموضوع تناوله المتفلسفون والمتشاعرون بأنفسهم
فأين الشعر والفلسفة؟اسألوا حتى المثقفين عن الدواوين التي اقتنوها وعن مدى ثقتهم بالفلسفة
لم يعد لدينا الا نوع من الشعر الاليكتروني الجاف البارد الحامض
أما الفلسفة فقد صلينا عليها صلاة الجنازة حتى الشراح من ابن رشد الى محمد عابد الجابري لم ينتجوا فلسفة بل ابن رشد تلميذ لاصق في أرسطو والجابري لم يتجاوز المعتزلة وابن رشد
ما أكثر المتشاعرين القرازمة
والمتسفسطين والمتسفسفين
اني لاأكاد أرى شاعرا ولافيلسوفا

اخر الافلام

.. رغم تضييقات الاحتلال.. فلسطينيون يؤدون صلاة عيد الأضحى في ال


.. دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس تعلن عن تأدية 40 ألف فلسطيني




.. خطيب المسجد الحرام: فرحة العيد لا تنسي المسلمين مآسي ما يتعر


.. مراسل العربية أسامة القاسم: نحو 1.5 مليون مليون حاج يصلون إل




.. مبعدون عن المسجد الأقصى يؤدون صلاتهم عند باب الأسباط