الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العراق والعلمانية

جعفر المظفر

2016 / 4 / 6
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


العراق والعلمانية
جعفر المظفر
لقد كُتِب الكثير عن العلمانية بحيث صارت الكتابة عنها من جديد بحاجة إلى معالجات غير تقليدية تمنع عناها صفة النقل والإستنساخ والتكرار الببغاوي الممل.
للتأكيد على صلاحيتها كنظام حضاري بمواصفات أممية جاء معظم ما كُتب معتمدا على نتائج إيجابية قدمتها التجربة الأوروبية ذاتها, هذا التأكيد لم يكن خاطئا, لكنه لم يكن كافيا, إذ قد تنجح تجربة في مكان معين لكنها تفشل في مكان آخر, أو أنها تتعثر في تحقيق مستويات إيجابية لائقة إذا خرجت من محيطها المحلي إلى آخر مختلف في ظروفه الموضوعية. حالة الصدام بين المذاهب الفكرية والإجتماعية يخلقها على الأقل هذا التنافر المكاني والزماني, لكن تحويل هذا التنافر إلى قانون ضدي سيجعل من المستحيل وجود مذاهب إنسانية عامة, وهذا بدوره سينطبق على الأديان أيضا مما يسجنها في محلية النشوء, وذلك ما لم يقف أمامه بكل إهتمام رجال من الفكر الإسلامي حاولوا التأكيد على عدم صلاحية العلمانية لمجتمعاتنا بفعل الإختلافات الموضوعية بينها وبين الغرب وبخاصة تلك التي حتمت نشوء العلمانية كحل تاريخي للأزمات الفكرية والسياسية التي سادت الغرب نتيجة لهيمنة المؤسسة الكنسية.
الشيخ القرضاوي كان أكد على ذلك بشكل مباشر حينما أعلن أكثر من مرة أن خصوصية المكان والزمان الإسلامي والعربي تجعل اللجوء إلى الحل العلماني مجرد تقليد فارغ, واضعا الخاص ضد العام, والمحلي ضد العالمي, وهذا التوجه هو في إعتقادي سيف بحدين. والقرضاوي نفسه لم يقف أمام خطورة أن ترد بضاعته عليه حينما تتحول تلك الضدية بين الخاص والعام إلى قانون يحكم علاقة الدين الواحد مع المجتمعات المختلفة. فما ينطبق على العلمانية سينطبق على الأديان, وخاصة الإسلامي, كونها ليست منجزات فقهية فقط وإنما هي أنظمة إجتماعية وتشريعات وقوانين من طبيعتها أن تكون محكومة بحتميات المكان والزمان, مما سينزع عنها صفة الأممية وصفة الأبدية. إن أكثرية رجالات الدين لا تختلف هنا مع الشيخ القرضاوي إلا في صياغة التعبير.
على الجهة المقابلة أولئك الذين يحاولون الخروج من مساحة الأحكام المقدسة سوف يؤكدون على أرجحية الخاص على العام, وايضا فإن ذلك لن يكون خطأ حينما يكون مدعاة لتفاعل إيجابي بين الخاص والعام لكنه بكل تأكيد سيكون كذلك حينما يجري لغرض إشتقاق قانون يقضي بتناقضهما وخصومتهما التاريخية.
البعض من الشيوخ أكد على أن العلمانية نشأت في الغرب بسبب ظروف موضوعية خاصة بالغرب نفسه, ولأن الظروف لا تتطابق, وأن من المهم مراعاة الذاتي والموضوعي عند تأسيس المناهج لذا فإن المذهب العلماني سيأتي عندنا من باب التقليد الأعمى ومن باب نقل المناهج بطريقة غير علمية, وهذا هو إستنتاجهم. وأجزم أنهم لم يخطئوا هنا على مستوى مبدئية وقواعد التشكلات الفكرية, فالموضوعي والذاتي وبعدهما الثالث, الإنساني, جميعها يؤسس لمثلث المعرفة والمناهج, ولا يمكن لهذا المثلث أن يقوم إلا إذا تكاملت أضلاعه الثلاثة, وينطبق هذا على العلمانية ذاتها من حيث التصور الأولي. غير ان ما يجب ان نقدره تمام التقدير أن المناهج الإنسانية متناغمة من حيث أهدافها العامة. والعلمانية (السياسية) هنا تأتي للتأكيد على ضرورة فصل الدين عن الدولة وليس لها علاقة بممارسة الدين لا في السلب ولا بالإيجاب, إذ أنها تترك ذلك للأفراد والمجموعات لكي يمارسوا ما يؤمنوا به دون أن يلزموا الدولة باي نشاط ديني لأنها ملك الجميع, وهي كيان إعتباري وليس بيولوجي لكي يكون له دين. ولهذا فإن هذا النوع من العلمانية, اي السياسي, او كما يسميه البعض : الجزئي يختلف عن النوع الثاني للعلمانية, أي العلمانية العلمية والفلسفية أو ما يسمونه : الكلي.
حين نتفحص الأهداف العامة للعلمانية السياسية نجد أن من ضمن أهم تلك الأهداف, أو لنقل الوظائف, تنظيم ممارسات المجتمع وعلاقاته بحيث لا تتصادم مع بعضها أو تخلق بيئة للفرقة. إن هذه الحاجة, عراقيا, باتت تطلب بإلحاح منهجا من هذا النوع. وإن من المهم الإعتراف أن الدين هو مذهبي بطبيعته, والإسلامويون السياسيون هم مذهبيون بالنتيجة. ونحن على علم بمقدار ما يتسبب به زج الثقافة المذهبية في السياسة, ففي بلد كالعراق فية ثنائية مذهبية لا وجود لوحدة وطنية حقيقية بوجود مناهج تفريقية من هذا النوع.
والحديث عن المذاهب هنا لا يجري بإقترابات دينية بحتة وإنما لطبيعة ما يمكن أن تؤدي إليه حينما يزجها رجالاتها في السياسة في بلد كالعراق ذا الثنائية المذهبية.
لو أن البلد أحادي المذهب لتراجع عامل الصراع إلى خانة أقل أهمية . أما في العراق فهو إن لم يؤد حقا إلى إقتتالات داخلية فسيؤدي إلى إلحاق الضرر الشديد بالإستقلال الوطني, وهو العمود الأساسي الذي يجب ان تحافظ عليه اي دولة لكي تحافظ على حريتها أولا وتكون قادرة بعد ذلك على الحفاظ على حرية مواطنيها, ذلك أن فاقد الشيء لا يعطيه.
لماذا هذا الضرر الذي يلحق بالإستقلال الوطني للدولة وينعكس بالضرورة على حرية المجتمع والأفراد .. الجواب لأن الصراعات السياسية باتت تتغذى في منطقتنا من الصراعات الدينية والمذهبية, وقضية المحاور الإقليمية باتت تتأسس على هذا النوع من الصراع. على صعيد عراقي فإن السنة ستكون لهم مرجعياتهم السياسية المذهبية المتخاصمة وحتى المتقاتلة مع المرجعيات السياسية الشيعية. فعن أي دولة أو وطن عراقي سيكون بإمكاننا ان نتحدث مع وجود مناهج سياسية على هذه الشاكلة.
إننا والحالة هذه كمن يستطيب خداع نفسه حينما لا يمسك بالحقائق التي تشكل البوابات الأساسية للدخول على أساسيات بقاء الوطن العراقي, وخاصة تلك التي تركت وما زالت بصماتها تؤكد على أن الصرع والخصومة المجتمعية سوف لن تتوقف, بل انها مرشحة لإقتتالات حقيقية, فإن لم يحدث الإنفجار الحتمي فإن المجتمع سوف يظل في حالة فرقة وتمزق وكذلك سوف تبقى الدولة وناسها موزعين على الجيران.
لهذا كله, ناهيك عن المشاهد الأخرى, صرنا نرى ان العلمانية, لو أنها لم تنشأ في الغرب لصار لازما أن تنشأ في العراق, وبدونها لن يعود هناك عراق إلا كمجموعة دويلات يجمعها, ربما, علم واحد, لكن تفرقها سواعد وأفكار قد تجعل من ذلك العلم ليس أكثر من قطعة قماش, وهي سواعد ستكون مستعدة لمقاتلة بعضها حتى بصواري ذلك العلم نفسه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - العلمانيه فصل الدين عن الدوله
محمد سعيد العضب ( 2016 / 4 / 7 - 21:36 )
شكرا للكاتب علي اثارة هذه الموضوعه العويصه . فالعراق اليوم امام قضيه او ربما كارثه التضاد المذهبي واستمراره يعني غياب الدوله الممثله للمواطنين , بالتالي يصبح اللجوء الي الطائفه والعشيرة .. الملاذ الاخير , وجميعها لا يمكن ان تخلق انسجام او توافق مجتمعي وتحقيق المواطنه الحقه , كله يتحقق فقط حينما يتم فصل الحكومه والسلطه عن السلطه الدينيه او الشخصيات الدينيه او عدم قيام الحكومه باجبار احد في اعتناق وتبني معتقد او دين او تقليد معين لاسباب ذاتيه غير موضوعيه . عليه يمكن اعتبار تخلف العالم العربي والاسلامي مرده الاساس عدم الادراك باهميه وحتميه فصل الدين عن الدوله.
فالرئيس الاميركي توماس جيفرسون في تعريفه الموجز للعلمانيه يؤكد علي ان - الاكراه في مسائل الدين او السلوك الاجتماعي هو خطيئه واستبداد وان الحقبقه تسود اذا ما سمح للناس بالاحتفاظ بارائهم وحريه تصرفاتهم

اخر الافلام

.. جون مسيحة: مفيش حاجة اسمها إسلاموفوبيا.. هي كلمة من اختراع ا


.. كل يوم - اللواء قشقوش :- الفكر المذهبي الحوثي إختلف 180 درج




.. الاحتلال يمنع مئات الفلسطينيين من إقامة صلاة الجمعة في المسج


.. جون مسيحة: -جماعات الإسلام السياسي شغالة حرائق في الأحياء ال




.. إبراهيم عبد المجيد: يهود الإسكندرية خرجوا مجبرين في الخمسيني