الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأيوبيّة بين الماضي والحاضر

صلاح الدين مسلم

2016 / 4 / 6
القضية الكردية


بعد أن فقدت مكتبتي في الهجمة الداعشية على كوباني، صار منظر الكتاب كقربة ماء تلمع في الصحراء، لكن بعد فتح الطريق بين كوباني والجزيرة بدأت الكتب تتقاطر علينا من قامشلو الحبيبة ومن خلال منشورات مؤسسة العلم والفكر الحر في روج آفا، ومن بين الكتب التي شدّت انتباهي؛ كتاب تاريخ كردستان (إمبراطورية الكرد الأيوبيين) للكاتب الأديب جيكر خوين وترجمة الأستاذ خالص مسور، هذا الكتاب الذي لم أستطع أن أقرأه ﻷ-;-نّه كان مكتوباً بلغتي الأمّ؛ اللغة الكرديّة؛ لغتي التي لم أتقن القراءة والكتابة بها كما اللغة العربية، واستطعت من خلال قراءتي هذا الكتاب ربط الحاضر الكرديّ بالماضي المنصرم، كون الماضي فينا ولم يمت، وكوننا امتداداً لذاك الماضي، فأدركت لماذا هناك كرد في مصر واليمن ودمشق وجبل الأكراد على الساحل السوري، لقد استطعت أن أتلمس الفدائيين والخونة في هذه المرحلة التاريخية التي يجب إلقاء الضوء عليها من زاوية تحليل الذهنية الكردية، لطالما كان التحليل ينصب في خدمة الدولة الإسلامية، أو الدولة العروبية من قبل محلّلي تلك الفترة.
لم يكن الأيوبي رجلا متطلعاً إلى الدولة بقدر ما كان رجل حرب وشهامة، لقد كان الشعار إعلاء راية الإسلام، لكنه كان يدرك أن العرب ظلّوا يرَون أنّ الإسلام خاصٌّ بهم فحسب، وكان الصراع صراعاً على السلطة والمغانم والشهوات، إنّما الصراع عند الكرد - الذين اعتمد عليهم في جيشه - هو البحث عن الخلود، خلود أكيليسي، لإثبات الهوية، فكم من المرات استنجد بالخليفة العربي في بغداد - الذي لا حول له سوى أنه منصب فخري - كي ينادي في الأمة الإسلامية ليحارب الشعب الإسلاميّ معه ضدّ الصليبيين أعداءَ الجميع دون استثناء، لكنه لم يستجب له لئلا يحفر اسم الكردي على صفحات التاريخ.
استطعت أن أدرك لماذا العروبي في مصر يشمئز من كلمة "كردي"؟ فلم أستطع سابقاً أن أفهم عداوة السعودي العروبي للكردي، لقد أدركت لماذا قسّم الأوروبيون كردستان إلى أربعة أجزاء ولا جزء منها يحكمه الكرد؟ أهو انتقام لصلاح الدين الأيوبي؟ فحادثة الجنرال غورو مشهورة؛ وهو يقول فوق قبر صلاح الدين في دمشق: ها قد عدنا. ليس الانتقام فحسب إنه الخوف من هذا الشعب الحيّ الذي يحمل أفكاراً عالمية، فلم يستغربوا من حملهم راية الأمة الديمقراطية حلّا للشعوب في الشرق الأوسط.
كذلك أدركت أنّ القائد آبو وهو في سجنه يحاصر الدولة الخائنة كما حاصر صلاحُ الدين مصرَ التي استنجد وزيرها شاور بالصليبين مرات ومرات، فلتعلم أنّ صلاح الدين الكرديّ لم يقتحم مدينة عربية إلّا واستنجد ملكها العربي بالصليبين (القاهرة، دمشق، حلب، صور.....) لكنه هزمهم كلهم وأعطى الأمان للعرب وحرر قدسهم التي كانت محتلة قرابة قرن من الزمن، فلولا هذا الكردي لما كان عيد وعطا والزعبي.... يتحدثون العربية، ولما كانوا يعرفون عن الإسلام شيئاً.
لم ينجح صلاح الدين في تحرير القدس من خلال اعتماده على القوّات الكرديّة فحسب، بل نجح من خلال التوافق بين الشعوب الكرديّة والعربيّة والتركمانيّة والأرمنيّة وغيرها من الشعوب وكذلك التوافق والاتّفاق المجتمعيّ بين الأثنيّات المختلفة، ومن خلال تأمين معيشتهم ورفع مستوى الدخل لدى أفراد المجتمع، وهنا ازدادت ثقة المجتمع بالقيادة.
لسنا في صدد فكرة الدولة التي كانت الهاجس الوحيد للقادة، والأسر الوحيد الذي لم يبرحوه، وبالتالي كانت هي اللغة الوحيدة السائدة في ذلك الوقت، وقد كانت السلطة هي الدافع الوحيد للقادة؛ للقتال وكذلك الغنائم والنساء والجواري والغلمان، لكن ما فعله صلاح الدين من خلال قراءتي لهذا الكتاب هو أنّه بحث عن حلّ توافقيّ للمجتمعات، وإعادة الصياغة المجتمعيّة للأمم المتضاربة ضمن بوتقة الدولة الإسلاميّة التي فقدت هيبتها، إثر تضعضع الخليفة الذي بات يمتلك السلطة الثقافيّة فحسب، وبات الوزراء والسلاطين يبحثون عن السلطة ضمن هذه الدولة، لذلك استطاع المجتمع أن يتخلّص من الدعوات العدائيّة للقوميّة العروبيّة التي سقطت مع آخر الخلفاء العروبيين؛ أبي جعفر المنصور والسفّاح، وبعد انهيار الدولة الأمويّة.
كانت الأيوبيّة الكرديّة عنوان المرحلة الجديدة للاتّفاق الاجتماعيّ، ولم تطرح كلمة الدولة الكرديّة، وإنّما كان التوافق على أيديولوجيّة الاتّفاق المجتمعيّ الذي أوصل صلاح الدين إلى دفّة القيادة وطرد الغزاة الصليبين من هذه الأرض التي لم يستطيعوا أن يسيطروا عليها بفكرهم الغربيّ الذي لم يدرك مفاتيح إدراك ماهية المجتمع، وهذا ما امتلكه صلاح الدين واستطاع أن يحرّر القدس القبلة التي أنشدها الصليبيّون للهرب من شبح اللاحلّ في مناطقهم الغربيّة.
ليس من السهولة بمكان تحليل هذه القوّة التي طردت جحافل الصليبيّن من هذه الأرض الشرقيّة، هذه الهجمة الصليبيّة التي ألمّت بالشعب الشرق أوسطيّ التي شحذت كلّ قواها لاحتلال الشرق الدامي، ففي ذلك الوقت أيضاً رأى الشرقيّون أنّ تحرير القدس من المعجزات بعد احتلال دام قرناً من الزمان، كما الآن يرى المتثاقفون؛ جنودُ الحداثة الرأسماليّة في استحالة تطبيق الأمّة الديمقراطيّة في الشرق الأوسط.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية


.. طلاب نيويورك يواصلون تحدي السلطات ويتظاهرون رفضا لحرب غزة




.. نقاش | اليمن يصعد عملياته للمرحلة الرابعة إسناداً لغزة ... و


.. لحظة اعتقال قوات الاحتلال حارس القنصل اليوناني داخل كنيسة ال




.. حملة أمنية تسفر عن اعتقال 600 متهم من عصابات الجريمة المنظمة